مدّ عربي - سمير عدنان المطرود
كنا فيما مضى حين نتحدث عن المدّ العربي , كان يقفز مباشرة إلى أذهاننا . صور أؤلئك العظماء الذين عملوا على إنهاض الأمة العربية , واستنهاض كرامتها ..أما الآن فأصبح المد العربي شيئا آخر ..ستعرفونه في آخر هذه الكلمات ..
فأن يقف العالم كله متفرجا على فراعين العصر الحديث دون أن ينبس ببنت شفة ؛ فهذا لعمري قمة الاستخفاف بالجنس البشري , وبقيّم الحضارة والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم الجمال بما يحتويه من مكونات ( الحق , الخير , والجمال ) ..! فماذا يعني أن يتكهّرب العالم وأن يقف على ذروة الخديعة وهو يراقب انحسار إنسانيته بسبب بضعة من الآفاقين ؛ الذين يحملون مع الأسف صفة العروبة بين ظهرانيهم والذين أقل ما يقال عنهم إنهم مهووسون , متورطون بكل أصناف الولوغ بالدم الإنساني عامة والدم العربي خاصة .. والدم السوري بشكل أكثر خصوصية .. ! وكل هذا خدمة لبضعة أخرى من حراس الظلام الكوني ؛ الذيت توهموا , وأوهموا العالم أجمع أنهم شعب الله المختار , وأنهم حراس الفضيلة الالهية .. لذلك تراهم " يبرطعون " في هذا العالم من شماله لجنوبه , ومن شرقه لغربه .. وهم يعيثون فسادا وتدميرا للأخلاق والكرامة الإنسانية , وتشويها للوعي وتفريغا للأديان من محتوياتها السامية عبر التضليل وتقزيم المحتوى الإلهي من هذه الأديان وهذه المعتقدات ..!
ويستخدمون لهذه الغاية كل ما أوتيح لهم من وسائل وأدوات بدءا من الكلمة في الآداب مرورا بالفن وصولا لاستخدام الأسلحة ..! فمن منكم لم يقرأ رواية شيفرة دافنشي , وما احتوته من تشويه للدين المسيحي .. ومن منكم لم يقرأ أو يسمع بمؤلفات سلمان رشدي , والفيلم السينمائي والرسوم الكاريكتورية المسيئة للرسول الأكرم محمد ( ص) .!
من أين تبدأ كل هذه الشيطنات في العالم وأين تنتهي .؟ وما هو دور العرب في كل هذا الذي يجري ..؟ وهل بقيت أقنعة لم يستخدمها أصحاب العروش والكروش , وهم يهشّون بعصاهم على أتباعهم الذين أسموهم في غفلة من التاريخ بالشعوب .!
لكل بداية عند العرب , بداية دائما .. إلا النهايات عند العرب لم يظهر لها بداية في ظل هؤلاء القوم الذين يتعاطون الخديعة .. حتى باتت الحياة العربية سلسلة غير منتهية من المصائب والكوارث, لا لشيء إلا لأن الذين قاموا ببدايات الأشياء هم أجداد أؤلئك الذين قفزوا من نافذة العقل إلى بوابة المعدة .. فباتت مقولة الإمام علي كرم الله وجهه تنطبق عليهم بامتياز , وهو يصفهم بالقول " من كان همّه ما يدخل في فمه , فقيمته ما يخرج من جوفه " ..
لقد وجد العرب ما يلهيهم عن الحقيقة .. بينما الصهاينة يسرحون ويمرحون يضربون يمنة ويسرى .. داخل فلسطين المحتلة .. وخارج فلسطين المحتلة .. يضربون في غزة , وفي السودان .. ويتدخلون بالأردن وتونس وليبيا والمغرب ومصر وشمال العراق ..يلعبون على الساحة اللبنانية وإن كان بأقنعة 14 آذار .." يكزدرون " في شبه جزيرة العرب , والخليج العربي ؛ يضعون مواصفات المفتين والشيوخ الذين سيعملون عندهم بدرجة رؤساء ورشات , وهم يقودون أمة الرعاع بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان .. يتحكمون في اقتصاد العالم , يقررون في أوروبا أية دولة تلك التي يجب أن تنهار أولا .. يضعون أسماء الذين سينالون جوائز نوبل , وفي الوقت ذاته من هو الذي سيحمل لقب معادٍ للسامية ؛ حين يمر ولو بكلمة ربما عن غير قصد على " الهولوكوست " ..إنهم يقررون من هو الذي سيجلس في البيت الأبيض ,ومن الذي سيضع سعر البنفط والذهب وسعر الصرف لكل العملات على ظهر هذا الكوكب .. وكأن هذا العالم كله أصبح ملكا لهم .. لفراعين هذا الزمن الرديء .. ولعل أكثر شاهد قريب من الذهن الآن هو ما قامت به الطائرات الإسرائيلية حين قصفت معمل اليرموك في السودان .. والعرب منشغلين أيما انشغال بسفك الدم السوري ..ومحاولاتهم تدمير سوريا خدمة لأسيادهم , هؤلاء الفراعين .. بالأمس كنا فيما مضى حين نتحدث عن المدّ العربي , كان يقفز مباشرة إلى أذهاننا . صور أؤلئك العظماء الذين عملوا على إنهاض الأمة العربية , واستنهاض كرامتها .. وتهيئتها لمعركة الفصل بين العتمة والنور ..أما الآن فأصبح المد العربي شيئا آخر ..هو أن تقلع حذاءك من قدميك وأنت تدخل مضارب هذا الملك أو ذاك الأمير وذاك الشيخ .. كي تحافظ عليه نظيفا غير ملوث .. فهل بعد هذا من يقول " ربيع , وعربي أيضا ".!؟