لا منطقة عازلة لا شريط امن –روزانا رمالخاض الأميركيون والأتراك صراعا مزدوجا فيما بينهما من جهة وما بينهما معا وسوريا وروسيا وإيران معا من جهة مقابلة في قلب ثنائية عنوانها الحرب على الإرهاب و الحرب على سوريا .
الجبهة الأولى للإشتباك كانت تركية أميركية يظللها مفهوم أميركي متيقن من وصول الحرب على سوريا إلى طريق مسدود ، و أن لا أمل يرتجى من الرهان على معارضة يسمونها معتدلة ، ولا الرهان على مقاتلي القاعدة بمسمياتهم المختلفة وقد صاروا هم سبب الكارثة المرعبة لأميركا ، بعد أن سهلت وغطت قيام تركيا والسعودية بتمويلهم وتسليحهم وإستجلابهم بوهم إسقاط الرئيس ، الأسد فما سقط الأسد وصار هؤلاء دولة تقض مضاجع الغرب وتهدد إذا بلغت السعودية ، حيث بيئتها الحاضنة الفكرية والدينية بتهديد الإستقرار في العالم كله مع حجم السوق النفطية السعودية وعائداتها المالية ، لكن أميركا لا تريد نصرا لسوريا من هذا الإقرار والتعديل في الأولويات ، لذلك ستبقى تتحدث بلغة سلبية عن سوريا وتدعم مسمياتها بالمعارضة المعتدلة ، وتدعم تركيا والسعودية في مشاغباتهم عبر النصرة وداعش على سوريا ، دون تبديل الأولوية بأن الإرهاب هو العدو الأول ، ولو كانت سوريا مستفيد ضمني من هذه الحرب ، فلن تتحول التقاطعات معها إلى تحالف يشرعن نصر الرئيس السوري بشار الأسد.
الموقف التركي كان يصر على توظيف داعش في إستزاف سوريا وإعتبار الحرب على سوريا لا تزال الأولوية ، والحرب على داعش لضبطها وليس لإلغائها ، وإعتبار النصرة حليفا ممكنا مرة موضعيا ومرات أكثر من ذلك ، ويبني الأتراك على ذلك سعيا مستمرا لتوريط الأميركيين بخطوات عملية عدائية ضد سوريا ، لتحقيق إختراقات في جغرافيتها تؤسس لنفوذ تركي مستقبلي ، وتحفظ لتركيا وضعا تفاوضيا حول مستقبل سوريا ، وورقة ضاغطة في العلاقة مع إيران كقوة إقليمية منافسة .
الجبهة الثانية كانت بين أميركا وتركيا ومعهما السعودية وفرنسا ومع الكل وراء الستار وأمامه أحيانا إسرائيل في ضفة ، وفي الضفة المقابلة سوريا ومعها إيران وروسيا ومعهم المقاومة ورأس حربتها حزب الله ، ومحورالحراك من جهة سعي تركي سعودي لحجز موقع في الخريطة الجديدة للشرق الأوسط ، الذي تبدو إيران فيه شريكا رئيسيا لكل من اميركا روسيا وتبدو معها سوريا لاعبا معترفا به ، كما تبدو مقاومة حزب الله لاعبا إقليميا حاسما في الحرب على الإرهاب ، لكن محور الحراك الآخر تجسد بسعي أميركي لملاقاة الإيراني والروسي في منتصف الطريق للوصول للتسويات الأكبر، بتخفيف وطأة العداء لسوريا وحزب الله ، خصوصا في ظل عدم وجود خارطة طريق لإضعافهما من جهة ، ولفاعليتهما مقابل عدم فاعلية حلفاء اميركا في الحرب على الإرهاب من جهة أخرى .
هنا وقعت التسوية والإشكالية في آن ، واصل السقف التركي إنخفاضه لملاقاة الأميركي ، لحصر المطالبة بدلا من الإصرار على إسقاط الدولة السورية ، بطلب منطقة عازلة ، ووصل الأميركي برفع سقفه من التعايش مع الدولة السورية تمهيدا لشرعنة شراكتها بالواسطة ، إلى صيغة شريط آمن .
الفرق بين الطرحين الأميركي والتركي ، أن المنطقة العازلة هي عمق جغرافي في سوريا بعشرات الكيلومترات ، لكلمة سر هي الحظر الجوي الذي سيؤدي كما قال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس الأركان الأميركي إلى حرب مفتوحة ، والشريط الآمن هو مساحة رقيقة من بضعة كيلومترات تنتشر فيها وحدات المعارضة المسلحة المدعومة من أميركا وتركيا وتتغاضى عنه الدولة السورية بالتراضي أو بالخوف من التصادم.
حسم الأمر بالبيان الروسي السوري المشترك ولاحقا بكلام الرئيس الأسد لمجلة باري ماتش ، أن غارات التحالف ليست شرعية ولا قانونية وفوق ذلك بلا جدوى ، يعني ذلك أن سوريا ستوقف التغاضي عن الغارات التي يشنها التحالف داخل الأراضي السورية .
تراجعت واشنطن بنصيحة قادة جيوشها ، بوصف المعنى العسكري للكلام الجديد المؤكد ، بالتمهيد لرفع الغطاء عن الغارات ، والنصيحة هي عدم التورط بما قد يؤدي لجعل الطائرات الأميركية هدفا ، بذريعة صدفة عدم تنسيق كاف ، فتنطلق معه اول وجبة صواريخ دفاع جوية سورية ، وتنتهي بسقوط طائرة أو أكثر ، لأن ذلك سيعني إما سقوط هيبة الدولة الأعظم في العالم في حال الصمت ، او التورط في حرب لا حدود للتوقع بصدد مداها ونتائجها إن كان القرار هو الرد .