منذ عشرين عاما بالتمام والكمال بدأ صعود نجم إمبراطورية عملاقة ، تتقدم خطوات ثابتة وواثقة بين الناس وتحوز إعجابهم وتقديرهم ومحبتهم ، وشيئا فشيئا يحسون أنها تشبههم فتصير هي لسان حالهم ومرجعهم ، ويتوزع العرب بين ثلاثة أرباعهم معها وربع باق يتأثر بها ويقول فيها كلاما بين المع واللكن ، دون أن ينوجد من يجرؤ على قول الضد .
تفوقت الأمبراطوربة على نفسها مرات ومرات ، وقدمت نموذجا أحرج كل من يقول أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان ، فأحرجت ما يعادلها و تخطت من تقدم كبديل يحمل من الإبداع والجديد والجرأة ما يضعه في المقدمة .
صارت الإمبراطورية عالمية حتى سجل لها انها اول إنجاز عربي منذ زمان طويل يعيد للعرب مكانة الأهلية على صناعة المتميز والمختلف والملفت للإنتباه .
خلال عشر سنوات كانت الإمبراطورية قد تخطت بجمهورها ما حققه جمال عبد الناصر بعشرين سنة وصارت في كل بيت أكثر من مجرد صورة على جدار بل صورة حية متحركة على مدار الساعة وليست مجرد صوت في المناسبات بل أصوات يتردد صداها كل ساعة وكل دقيقة .
تقدمت بصفتها إعجازا وإنجازا وإبداعا يشارك المقاومة هذه الصفات في تقديم العربي ككائن قادر على كسر الأقدار و تخطي المألوف الرتيب والفاشل .
تسنى للإمبراطورية أن تحسب مع المقاومة كإطارين غير حكومين يتقاسمان تحريك الرأي العام العربي ويصنعان الأحداث فيكتب عنها المفكرون الغربيون كأبرز تغيير في الواقع العربي خلال نصف قرن .
جاء الربيع العربي فكانت الإمبراطورية جاهزة لتلعلب الدور القيادي ، وتقول ينزل الناس في شوارع القاهرة الخلفية ، واحياء تونس الفقيرة ، فيخرجون كرمى لعيونها لأن الجزيرة لا تكذب ولأنها هم ولأنها ما يتبعونه ويصدقون ويثقون .
جاءت الأزمة والحرب على سوريا بعدما أطاحت الإمبراطورية - الجزيرة حكام مصر وتونس وليبيا واليمن والشعب يصنع ثورته والجزيرة هي الرأي والراي الآخر ، القناة التي صنعت لأميرها وإمارته دورا يهز حكاما وحكومات لبلاد يعادل عدد سكانها ألف مرة سكان قطر الجزيرة وقناتها الجزيرة فصارت الإمارة حكومة وأمير كأقزام يقفون على كتف عملاق هو قناة الجزيرة التي إن قالت للشيئ كن فيكون حتى صار الأمير يعين وزراء ورؤساء حكومات ويعطي الأوامر في مصر وتونس وسواهما وصولا للصخرة السورية .
إصطدمت الإمبراطورية بالصخرة السورية ، وتطاحنت معها فتوقف صعودها وبدأ وهجها بالتأكل وصدقيتها بالتلاشي حتى بدات تسقط في عيون من أحبوها وصنعوها ووثقوا بها .
بدأ رموز صنعت إسمها بهم ينسحبون قرفا وإحتجاجا ، وجمهور يقفل مكانها المحجوز لها وحدها على لائحة المفضلة الأولى بين قنواته المميزة ، ووصل الغضب إلى مهاجمة مكاتبها من المتظاهرين ورشقه بالحجارة من الأردن إلى مصر وتونس واليمن .
لم يبق للجزيرة ربع ما كان عندها من جمهور وقد صارت صوت الأخوان المسلمين وجبهة النصرة وداعش .
تهاوت الإمبراطورية وأمجادها وصارت الناس إن سمعت كذبة ما بلا دليل تقول كأكاذيب الجزيرة لكنها بقيت واقفة على قدميها بعناد الممول ولأمير الصغير الذي خلف والده حتى جاء وقت الحساب ، فالإمارة التي صعدت على كتف الجزيرة تنفخت وتورمت وآن لها أن تستعيد حجمها وتتأدب فتقف خلف السعودية وبين يدي مصر وتؤدي فروض الولاء والطاعة ، وأول الجزية هنا بدء تفكيك الإمبراطورية ، فما كاد يصل وزير خارجية قطر إلى القاهرة ويجتمع بالرئيس المصري حتى كان أحد التوائم التي تشكلت من جمعها الإمبراطورية يلفظ أنفاسه .
الجزيرة مباشر المخصصة لمصر التي كان إفتتاحها مؤشر بلوغ الإمبراطورية ذروة أمجادها تقفل بقرار وتصمت .
مشتقات وتوائم سيلحقون على الطريق ، وتصير الإمبراطورية مجرد ذكرى كما تتذكر الناس أسماء الماركات التي تعرفوا من خلالها على سلع بعينها فكما كانت أوراق المحارم أسمها كلينكس ربطا بإسم ماركة صاعدة وصارت الأخبار التلفزيونية إسمها الجزيرة ستصير الجزيرة مثل شركة فورد التي كانت عنوان مطلع القرن الماضي في الدلالة على السيارة فيقولون يمتلك فورد من نوع مرسيدس للدلالة على إمتلاكه سيارة وقد قالوا يمتلك جزيرة إسمها الميادين وصارت مرسيدس في المقدمة وفورد ذكرى .
الإمبراطورية تدفن رأسها فيضمر الجسد وتودع المسرح بعد الفضيحة .
حرب خاضتها الجزيرة وفشلت وهي تدفع ثمن الفشل ونصر إستحقته سوريا ثمرة تضحياتها و كما رحل الأمير تترجل الجزيرة بالمفرق .