كيف تستهدف سورية .. لماذا لم تهزم .. ؟ - محمد شريف الجيوسي

كيف تستهدف سورية .. لماذا لم تهزم .. ؟ - محمد شريف الجيوسي

أود التوضيح أولاً،أننا عندما نولي سورية الأولوية في الحديث والتحليل والموقف والدعم ، فلأننا ندرك تماماً، أنه سيتقرر بنتيجة الحرب الدولية التي تشنها عواصم الاستعمار القديم والجديدة و(إسرائيل ) والسلاجقة الجدد ومشيخات النفط والتبعية ومفتي الفتن والإعلام المضلل، ضد الدولة الوطنية السورية ، مصير المشروع الاستعماري في شرق أوسط جديد أو كبير ، ومصير نظام عالمي جديد تصاغ قواعده الرئيسة الآن على الأرض السورية، بعد عقدين ونيف من أحادية القطبية وتحكم الولايات المتحدة الأمريكية بمصائر العالم ، فكانت حروب واحتلالات وهجرات وكراهية واغتيالات ودمار وعدم استقرار وأزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية.

نود التأكيد أيضاً ، أن الظروف التي أحاطت بنجاح مخططات الاستعمار القديم والجديد مختلفة تماماً عن الظروف المتعلقة بسورية (الإقليمية والدولية والمحلية) منذ مطلع التسعينات وحتى اليوم ، وهو ما تحاول ( تنشئته ) الأطراف المعادية لكي يكون ممكناً إعادة تحقيق السيناريوهات السابقة في مناطق جغرافية وسياسية مختلفة كما يلي :

فسورية المعروفة باحتضان أكثر من مقاومة عربية ، ينبغي تخليصها من هذه المزية القومية ، فكان إغراء حماس بالخروج إلى حضن خمد وموزة ، مقابل وعود بتسليمها الضفة الغربية قريباً ، فيكون ممكنا بالتالي تطبيق مشروع الهدنة الطويلة مع الكيان الصهيوني والوطن البديل عبر معادلات حق وباطل معا يراد بها باطل (وحدة الضفتين وبطلان قرار فك الارتباط وأرض الرباط ومقولة المهاجرين والأنصار ) فتستريح (إسرائيل ) لأكثر من عقدين من الزمن من جهة وتقوم دولتي الأخونيين على ضفتي النهر وعربة ، متساوقة مع (إسرائيل) سلاماً وأمناً.

وسورية الرافضة التوقيع على معاهدات ذل وتفريط ، ينبغي من وجهة الغرب تخليصها من هذه المزية ، وجرها للقبول بأدنى مما عرض عليها ، سواء من قبل الدولة الوطنية أو من قبل نظام عميل ( وهو ما عرضته مجالس باريس واستانبول والدوحة علنا) و ذلك بإضعاف جيشها سواء بفرار ضعاف نفوس منه أو جره إلى مواجهات في الداخل ، أو إحداث انقسامات وانهيارات كبيرة مناطقية أو مذهبية أو إثنية أو طائفية، وبانهاكه وتشتيت قدراته .

لكن الجيش العربي السوري لم ينشق ، وحالات الفرار الحادثة تقع في حالات السلم والحرب وفي كل دول وجيوش العالم وتصل إلى نسبة 5% وأكثر ، فكان فرار البعض في صالح تنقيته من الشوائب والدمامل المعيقة لحركته وأمنه. ومنحته مواجهات عصابات المرتزقة في الداخل ؛ قدرات وخبرات وقوة إضافية،لا بد ستلزم في مستقبل غير بعيد ؛ إقليمياً .

وسورية المكتفية ذاتياً ، غير المدينة لمؤسسات رأس المال العالمي ولغيرها ، المستقل قرارها الاقتصادي وبالتالي قرارها السياسي ، ينبغي أيضا من وجهة العواصم الاستعمارية وبيادقها الإقليميين والمحليين ، تدمير بناها التحتية وشل قدراتها الاقتصادية ، وجعل المواطن فيها عاجزاً عن تحصيل الرغيف والدفء والإضاءة والذهاب آمناً إلى عمله أو دراسته . وفي مخيلة هؤلاء أن الشعب سيصبح غير ذي مصلحة في الوقوف إلى جانب دولته أو بالحياد ، فينقلب عليها ويخلق حالة من الفوضى تسقط الدولة ، لكن الشعب السوري الممتلء وطنية والذي جرب الحصار الذاتي عقوداً تمرس على مواجهته ، حيث تمكن خلال 4 عقود ونيف من تحقيق ما حقق من انجازات اقتصادية لهو على قدرة كبيرة لإعادة بناء اقتصاده والخروج من وسط الرماد والحصار. لكنه يأبى أن يكون تابعاً رقيقاً مستعبداً للغير، أياً كان ذلك الغير.

وسورية ذات النسيج المتعدد ديمغرافياً : إثنياً ودينياً وطائفياً ومذهبياً ، المتعايش ، الآمن المستقر الهاديء المتعاون كأسرة كبيرة واحدة حضارية متجانسة ، ينبغي جرها إلى الكراهية والتعصب والانغلاق والتزمت ورفض الآخر ، بإطلاق الفتاوي التفتيتية ، المشككة بالآخر التي تبيح دمه وماله وعرضه وتجرده من حق المواطنة..ففجرت عصابات المرتزقة العبوات الناسفة في مناطق التعددية وتفخيخ السيارات وقتل المدنيين الآمنين وتهجير السكان واختطاف واغتصاب جماعات من لون معين . وغايتهم الانتقال بالشعب السوري من عيش التواد والمحبة والتعاون إلى الحرب الأهلية، وبما يتيح تدخل الأجنبي بذريعة حماية المستهدفين مستقبلاً.

لكن هذه المراهنة فشلت أيضاً وكشفت للداخل والخارج حقيقة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة التي زعموا أنهم يسعون.

وراهن أعداء الأمة على انفضاض أصدقاء سورية عنها ، أو تخليها عن حلفائها ، لكن سورية كانت أكثر إدراكاً من تجارب سابقين ظنوا أنهم بمنافقة الغرب والتفريط بصداقات ، يبعدون عنهم أطماع المستعمرين فإذا بالمستعمرين يزدادون طمعا بهم وتآمراً عليهم ، وآخرون جرى توريطهم في عداوات متتالية بالتزامن مع تغيرات عميقة في ميزان القوى العالمي ، فاستفرد بهم ، إلى جانب اقتصاد " أحادي " وتحالفات عالمية شبه معدومة.

لكن أصدقاء سورية:إيران وروسيا والصين وفنزويلا وكوريا الديمقراطية ومنظومات دولية . أدركوا أن لا سبيل للتفريط بسورية تحت أي اعتبار ، فسقوط سورية معناه تحقيق نصر استراتيجي للإمبريالية العالمية يعيد رسم المعادلات الدولية لعقود لصالحها، وهو ما لم يعد مسموحا به بحال ، تحت أي اعتبار أو ظرف أو مبرر ، مهما كان حجم التضحيات، بخاصة أن سورية الوطن والشعب والدولة الوطنية تمتلك من المقدرات ما يمكنها من المواجهة لفترات طويلة وإعادة ترميم ذاتها. وهكذا باتت مراهنة الغرب وأتباعه على انفضاض التحالفات الدولية من حول سورية أيضاً وهماً وسراباً.

وعليه فإن الشيء الوحيد الذي يمتلكه الآن أعداء الأمة عبر سورية ؛ أعداء الإنسانية والحضارة ؛ والسلم الدولي والتعايش والاستقرار والتقدم ، هو إحداث أكبر قدر من التخريب والتدمير والقتل ، علهم يحققون شيئاً من معادلة ما بعد اندحارهم النهائي عن الأرض السورية .

والشيء الآخر الذي سيحققونه التخلص من جماعات دربوها وسلحوها ومولوها وأطلقوها كالكلاب الضالة تعقر من يريدون، حتى إذا فشلوا، لم تعد لهم مصلحة في بقاء هؤلاء على وجه الأرض ، يعيثون فيها فسادا وتقتيلا جهاليا في بلدان يحرصون على أمنها أو انطلقوا منها .

لقد تمكنت سورية من الصمود 21 شهراً ونيف وما تزال ، في وجه مؤامرة دولية شاملة، فيما لم تنجز عصابات المرتزقة الإرهابية المسلحة غير التخريب من كل نوع ، وكراهية أغلب السوريين لها حتى ممن كان محايداً أو غير مدرك لحقائق الأمور ، وليس من أفق أمام المرتزقة إلا الانخراط في التبعية أكثر والتخريب أكثر ، وكراهية السوريين لها أكثر وتجذر الموقف السوري الوطني أكثر والدعم الدولي الحليف للدولة الوطنية أكثر .

ليس من خيار أمام سورية ( الوطن والشعب والدولة الوطنية ) إلا أن تهزم عصابات المرتزقة الوهابية التكفيرية الأخونية ومعها ليبراليي أمريكا الجدد ، وليس من خيار أمام الإقليم إلا أن ينتصر في مواجهة الغرب وأذياله ، وليس من خيار أمام أصدقاء سورية إلا أن يدافعوا عن مصالحهم الاستراتيجية المتمثلة بصمود سورية وصلابة موقفها وانتصارها .

وليس أمام عصابات المرتزقة الإرهابية المسلحة الممولة المدربة جيداً على حد تعبير الشقراء هيلاري إلا أن تندحر ، أن تتوارى ، إلى الأبد ، قبل أن تضحي واشنطن بمن لم يلتحق منهم على حد زعمهم بحوريات لا يمتلكن كما قال أحد الشيوخ من الأجهزة البيلوجية الجنسية شيئاً .

» هل الإنقسام الفلسطيني مقبل على انتهاء ؟ - محمد شريف الجيوسي
» أين المعضلة في المأزق الأردني .. وطريقة المواجهة ؟ - محمد شريف الجيوسي
» مرة ثانية .. الرخ السوري قادم .. لا محالة...محمد شريف الجيوسي
» من هي لمى عبد الحميد الأتاسي الناطقة باسم ما يسمى " الجيش السوري الحر ؟ - محمد شريف الجيوسي
» الأردن: مسيرة اليوم وما يتصل بها من تفاصيل - محمد شيف الجيوسي