أين المعضلة في المأزق الأردني .. وطريقة المواجهة ؟ - محمد شريف الجيوسي

أين المعضلة في المأزق الأردني .. وطريقة المواجهة ؟ - محمد شريف الجيوسي

يعيش الأردن أزمة اقتصادية متصلة قديمة باتت متفاقمة تنذر بمخاطر عميقة ولا تبشر بآفاق حل في حال الاستمرار في النهج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الراهن، وفي آن هناك في الداخل من يعمل على استغلال الوضع المتأزم الراهن إلى أبعد مدى لغاية اجنداتهم الخاصة المدعومة من واشنطن والغرب والخليج والسلاجقة، وتخال أطراف عبثاً أنها (تلعب) على الآخرين وأنها أقدر على تمرير ما تريد، فيما هي في الحقيقة مجرد بيادق في لعبة كبرى بيد أعداء الأمة يحركونها كيف يشاؤون.

إن توفر الأردن الرسمي على وضع سياسي واقتصادي واجتماعي آمن ومستقر يحتاج إلى غرفة عمليات عاجلة وفريقاً من النطاسيين الماليين المبدعين، وتقديم حزمة مساعدات مالية سريعة وكبيرة تعيد إنتاجه وفق حالته القديمة لضمان استمرار تركيبته المتوارثة بكل ما فيها من عيوب وإيجابيات ومواقف و(التزامات) هي محل رفض وطني وتخليق متكرر لأزماته.

لكن الأطراف المعنية بتقديم هذه المساعدات الانقاذية العاجلة الكبيرة للأردن هي ذاتها التي تحول دون ذلك بحسب المعلن رسميا؛ إلا وفق أجنداتهم لا وفق ما يريده الأردن، ويستغلون تأزم الأوضاع لفرض قبول الأردن بها، فشيوخ النفط والغاز الخليجي يريدون من الأردن الالتزام الكلي المعلن المطلق بأجندتهم ضد سورية، الأمر الذي يدرك الأردن أنه وبال عليه إن تورط فيه سواء استكملت سورية الحسم ضد أعداء الأمة (وهو أمر بات يقينيا) أو العكس.

أما الأمريكان والغرب فيريدون من الأردن تنفيذ مطالب البنك وصندوق النقد الدوليين بالاستمرار في تطبيق ما يسمى برنامج التصحيح الاقتصادي من تحرير للأسعار وخصخصة، وهو برنامج يصيب شرائح المجتمع الأردني الوسطى والدنيا بضرر بالغ، ويمركز الثروة والامتيازات والمناصب في أيدي قلة، وقد ثبت بعد أكثر من عقدين من الالتزام المتصل به أنه ليس هو البرنامج الاقتصادي الملائم لإخراج الأردن من أوضاعه الاقتصادية، فالخلل هيكلياً ويتصل بنهج اقتصادي وسياسي واجتماعي يعيد إنتاج الأزمات وتدويرها وإلباسها ثياب زاهية مضللة. ما يستدعي إعادة نظر شاملة.

ويدرك الأمريكان والغرب أن اصرارهم على إلزام الأردن بتطبيق وصفة البنك والصندوق الدوليين ليست في صالح استقراره السياسي والاجتماعي، وأن إخراجه من أزمته الاقتصادية يتعلق بنهج مختلف يتعارض مع مصالحهم الراهنة والاستراتيجية، ومع مصالح الشرائح العليا في المجتمع الأردني كما يتعارض مع استمرار هيمنة (إسرائيل) واحتلالها للأرض العربية على المدى البعيد.

ولا تبدو هناك أية آفاق خليجية ولا أمريكية غربية لأن تؤخذ مصلحة الأردن بعين الاعتبار، ومن هنا يبدو مأزق الأردن الرسمي متجلياً، الآن، في حالة تعارض كامل مع (حلفائه) الذين يفترض أنه معهم وأنهم معه، كما كان عليه الحال على مدى 9 عقود.

من الواضح أن مشايخ الخليج والسلاجقة والأمريكان والغرب وبيادقهم يريدون الوصول بالأردن إلى الحائط ولكل أجندته المتباينة مع الآخر ولكن الهدف النهائي الوصول بالأردن إلى الخراب سواء بالتورط أكثر ضد الشقيقة العزيزة سورية أو بإخلال بناه الاجتماعية والتحتية وأمنه واستقراره، وإدخاله في الفوضى (الخلاقة) التي بشّرت بها قبل سنوات كونداليزا رايس.

بل لقد بات واضحاً انهم قرروا إدخال الأردن في الخريف الأمريكي الصهيوني الخلايجي السلجوقي الفتنوي البيادقي،ومُدخلهم رفع أسعار المحروقات الذي دفعوا الأردن لإتخاذه، من خلال توقفهم عن دفع ما عوّدوا الأردن عليه، وبما احتضنوا من شرائح فساد وكمبرادور، وبما سرقوا من أصول البلد عبر الخصخصة، وبما حالوا دون استثماره لثرواته وبما أوقفوا من تصاعدية الضرائب ومنعوا من تحالفات صادقة حقيقية وحالوا دون نهج سياسي واقتصادي يحقق للأردن امنه واستقراره وتقدمه وقراره السيادي المستقل وصلاته العروبية الوثيقة وبما كرسوا الصهيونية وفرضوا على المنطقة من احتلالات وأزمات وتقسيمات.

ومن يلاحظ حالة الهيجان التي عمت الأردن بتزامن داخلي وخارجي وما اعترى ذلك من محاولات للتخريب وتدمير لبعض البنى التحتية وطرح مطالب تتعدى أسعار المحروقات، وإصرار الإسلامويين على الوصول بالبلد إلى حدود التأزيم القصوى، يدرك أن أمراً دبر ويدبر في ليل، وأن المطلوب وطنياً الحيلولة دون دخول البلد في الخريف ـ الأمريكي، والحيلولة دون تلبية مطالب الخلايجة بتوريط الأردن في سورية ودون تلبية مطالب الأمريكان والغرب في تمرير متطلبات (إسرائيلية) وأخرى اقتصادية تتعلق بتطبيق وصفاتهم المدمرة.

من الملاحظ أن خلطة كبيرة للأوراق في المنطقة تجري على غير صعيد، فالعصابات الإرهابية العاملة في سورية سعت إلى تسخين الجبهة مع الكيان الصهيوني، علّ أمريكا والغرب يُستجران لأكثر مما استجروا إليه، وعاق والده وصل إلى غزة تكريساً لانفصالها عن الضفة وتعميقاً للأزمة وإفشالا لإمكانيات استعادة الوحدة الفلسطينية، ذلك بالتزامن مع الضغط على الأردن اقتصاديا للوصول به إلى ما لا يحمد عقباه، فيقبل بما لا ينبغي أن يقبل به أو يدمر بحسب أمانيهم، بإدخاله في الفوضى وتسنّم الإسلامويين الحكم بدعم أمريكي خلايجي سلجوقي. ولكل أجندته.

إن ما ينبغي الحرص عليه عدم انفلات الأمور تحت أي مسمى أو يافطة أو ذريعة، لأنه دون ذلك سيتحول الأردن إلى صومال أو ليبيا أو عراق أو أفغانستان جديدة، واستيلاء الإسلامويين على دفة الحكم كما في تونس ومصر وقد رأينا ما آل إليه الحال فيهما.

ومن جهة أخرى مطلوب من الأردن عدم الانجراف وراء المطالب الخليجية والأمريكية الغربية، والدخول في برنامج تصحيح وطني اقتصادي وسياسي حقيقي وعاجل من حرب على الفساد واستعادة للأموال المنهوبة ومحاربة التهرب الضريبي وعودة عن الخصخصة واستعادة أصول البلد وإلغاء المؤسسات الخاصة والامتيازات ووقف الهدر ورفع الضرائب على المستوردات الترفية وغير الضرورية وتطبيق مضمون الدستور بفرض ضرائب تصاعدية والحد من الوفود للخارج وتقنين مهمات السفر والإعارة وغير ذلك.

ولغاية تمكين الأردن من تحقيق ذاك النهج الاقتصادي لا بد من أرضية سياسية تمكنه من تحقيقه، في مواجهة الشرائح الداخلية الطفولية المتضررة منه، والجهات الإمبريالية العالمية والصهيونية، بإحداث أكبر قدر من الإصلاح السياسي وتقوية الجبهة الداخلية عبر التفاف أوسع الجماهير الشعبية حول البلد، ونسج تحالفات جديدة مع القوى العالمية المختلفة مصالحها مع قوى الهيمنة والاستغلال والحروب، وتحقيق أوسع قدر من العدل الاجتماعي والديمقراطية الشعبية. ومد اليد إلى قوى التحر العالمية وفي المقدمة منها القوى القومية العربية المناهضة للصهيونية والإمبريالية والهيمنة الاستعمارية.

albuhira@gmail.com

» هل الإنقسام الفلسطيني مقبل على انتهاء ؟ - محمد شريف الجيوسي
» كيف تستهدف سورية .. لماذا لم تهزم .. ؟ - محمد شريف الجيوسي
» مرة ثانية .. الرخ السوري قادم .. لا محالة...محمد شريف الجيوسي
» من هي لمى عبد الحميد الأتاسي الناطقة باسم ما يسمى " الجيش السوري الحر ؟ - محمد شريف الجيوسي
» الأردن: مسيرة اليوم وما يتصل بها من تفاصيل - محمد شيف الجيوسي