الكمين الأكبر تاريخيا - رافت حرب
بدأ العدوان على غزّة، ولكل من الطرفين خلفيته وأهدافه، وعلى هذا الأساس، سارت وتسير اليوم مفاصل هذه الحرب.
قُتل القائد العسكري الفلسطيني الكبير أحمد الجعبري، فآنطلقت المقاومة الفلسطينية للرّد وبدأ القصف من العدو مقابل قذائف تسقط على المستوطنات المحاذية.
الجميع يعلم أنّ قرب الإنتخابات في إسرائيل، هي التي دفعت بنتنياهو إلى آتّخاذ هذا المنحى، وبعد أن سُرّب عبر الإعلام العبري قرار العودة إلى سياسة التصفيات ضد كوادر حماس والمقاومة، نفذ العدو غدره بحق أحمد الجعبري.
ما الذي كان ينتظره تنتياهو هنا؟
بضع عمليات قصف، يقابلها رد ببعض الصواريخ البدائية على المستوطنات القريبة من المقاومة الفلسطينية. بعدها، ينتهي الأمر على إنجاز لنتنياهو بقتل الجعبري، وتدمير بعض المنصات الصاروخية للمقاومة، فيحمل هذه الورقة ليستثمرها إعلاميا وبالتالي إنتخابيا، وبهذا يفوز في الإنتخابات على حساب الشعب الفلسطيني وكرامته.
الكل كان يعلم أنّ للمقاومة الفلسطينية مفاجآت، وأنّها تنتظر الوقت المناسب لإظهارها.
في الأيام الأولى للحرب، قامت المقاومة الفلسطينية بقصف مدينة تل أبيب، لتجعل حوالي مليوني صهيوني مباشرة، تحت مرمى النار، في مواجهة الموت مع آنعدام الشعور بالأمان.
طبعا هذا الخبر كان مفرحا جدا لجماهير المقاومة في العالم العربي، ولكل العرب والمسلمين الذين تشوّقوا ليروا تل أبيب، القلعة التي ظنّ العدو أنّ ما من شيء سيمسّها، تُقصف وتُدمّرُ ويهرب المستوطنون منها، لكنّ سؤالا ما كان يدور في الأفق.... لماذا هذا الإستعجال من المقاومة في قصف تل أبيب؟؟ لماذا كشف هذه الورقة الآن وبصورة مستعجلة؟؟ هل هذا تسرّع؟؟
للوهلة الأولى كانت الإجابة نعم، ربّما الأمر يقتصر على غضب المجاهدين من آغتيال أحد قادتهم الكبار، لكن بعد المعطيات والمجريات، بات معلوما أنّ الأمر لم يكن كذلك أبدا.
إنّ قصف تل أبيب، لم يكن إلا كمينا معنويا وسياسيا وعسكريا تاريخيا ومحكما جدا.
هدف نتياهو كان آنتهاء العمليات سريعا في غزة بعد تحقيق آغتيال الجعبري وقصف بعض منصات الصواريخ، ومن ثمّ الإستثمار السريع في الإنتخابات، والضغط مجددا وبكثافة أكبر من قبل بعض العرب على حماس، خصوصا على الجناح العسكري، للدخول في هدنة طويلة الأمد مع العدو برعاية قطرية، لكن المقاومة الفلسطينية الشريفة والفطنة، كانت أذكى من ذلك وأقدر مما تخيلوا على تشخيص الحقائق.
إنّ قصف تل أبيب السريع، وبنوع جديد من الصواريخ وهو فجر 5 المعروف أنّه من صنع إيران، ومن ثمّ الإصرار على قصفها بآستمرار بعدة صواريخ على مدى يومين، جعل من نتنياهو يعلم، أنّ آنسحابه الآن، بعد قصف تل أبيب، لن يحقق هدفه الإنتخابي، بل على العكس، سيحاسبه الناخبون، لأنه آرتكب حماقة كبرى كسرت هيبة مدينة تل أبيب، وجعلت كل الشعب الصهيوني يدرك، أنّ ما من جزء ءامن من الأراضي المحتلة، بالرغم من كل المناروات التي أجريت من أجل تأمين الحماية من الصواريخ عبر بطاريات القبة الحديدية التي أثبتت فشلا صعق العدو.
وبالتالي، آضطُرّ نتنياهو إلى العدول عن الإنسحاب السريع، في ظلّ تردّد قول مسؤولين في حماس على شاشات التلفزة، أنّ العدو لم يعد يمتلك قدرة إنهاء الحرب متى شاء، هو من بدأها، لكن ليس هو من سينهيها، وبالتالي، فإنّ وقف قصفه لقطاع غزة، لا يعني أنّ عقابه من قبل المقاومة الفلسطينية قد آنتهى.
كل هذا فهمه نتنياهو جيّدا، فأدرك حجم الكمين الذي دخل فيه، وما سيكون له من إنعكاسات إيجابية لمحور المقاومة في فلسطين وسوريا ولبنان.
في سوريا، إنخفاض ملحوظ في المعارك بين الإرهابيين والجيش العربي السوري، ذلك أنّ مخطط الهيمنة على سوريا، الذي يعتمد على غرفة عمليات سوداء في تل أبيب، تزود الإرهابيين بتحركات الجيش العربي السوري، قد تعثر بسبب آنشغال العدو بما يحصل عنده.
في لبنان، صمت جميل جدا يطربنا فيه جهابذة 14 آذار في الأيام الأخيرة، فعند اللحظات الإقليمية المفصلية، لا مكان للصغار في التحليل، بل يرقدون بآنتظار الأوامر الجديدة من مركز القرار المنشغل حاليا بما يحصل في فلسطين.
وأخيرا فلسطين، حيث لا يجد نتنياهو أمامه إلا خيارين أحلاهما مرّ، فإما وقف إطلاق النار من طرف واحد، وهذا في ذل كبير خاصة وأنّ المقاومة الفلسطينية عازمة على كسر شوكة العدو، وعازمة على"التعليم عليه" من خلال مواصلة القصف الصاروخي بعد وقف القصف الإسرائيلي، للقول للجميع أنّ المقاومة بقيت تقصف العدو حتى بعد توقفه عن قصف غزة، وبالتالي هي من قررت إنهاء المعركة وليس هو.
أما الخيار الثاني، فهو الدخول البريّ لجيش الإحتلال، الذي أقدر أن يكون كارثيا على العدو، فما أعدّته المقاومة من إستشهاديين جاهزين للمضي إلى الموت من أجل كسر ظهر العدو، ومن أسلحة فعالة بريا أبرزها الكورنيت، وهو صاروخ مضاد للدروع سيجعل من دبابات الميركافا أضحوكة كما جعلها في وادي الحجير خلال حرب تموز، ومن عبوات ناسفة ستحول أجساد الجنود المعتدين إلى أشلاء، سيجعل من أي دخول بري، صاعقة سيدفع ثمنها نتنياهو غاليا جدا، فيكون قد دخل في كل الحالات في الكمين الأعظم تاريخيا بعد آستدراجه للبقاء ضمن المعركة عند قصف المقاومة لتل أبيب.
كما في لبنان على مدى 20 عاما وفي حرب تموز، سيجد جيش هذا العدو في رجال فلسطين، في عيونهم ووجوههم، وفي بأسهم وشدّتهم، ما لم يره من قبل، وسيعود حتما مهزوما باكيا نادما على الإعتداء على أهل غزة الشرفاء، مهيّأ طريق زواله.
عند كل رائحة بارود، نشم رائحة فلسطين، والوعد الإلهي لا بد له أن يتحقق بالنصر المؤزر الذي لن يكون فيه لبسا لأحد في العالم. |