المعارضة والسلطة في سورية -1- بقلم: محمد أحمد

المعارضة والسلطة في سورية -1- بقلم: محمد أحمد

في سورية ولعشرات من السنين خلت، ارتهنت الحياة السياسية لتفرد حزب البعث العربي الإشتراكي والقوى المتحالفة معه في الجبهة الوطنية التقدمية بحق قيادة البلاد.

حالة التفرد المفروضة بحكم دستور سورية السابق، وضعت القوى السياسية المعارضة غير المنضوية تحت منظومة الجبهة، وحتى المنضوية منها في حالات معينة، أمام خيارات متنوعة من التشويه، يمكن إجمالها بثلاث تصنيفات أساسية:

الأول: أن تكون معارضة بالشكل والمضمون لطبيعة المنظومة السياسية التي تقود البلاد، وتضع برامجها على أساس انها البديل، فتعاقب وتردع وتهمش وتغيب عن الحضور المجتمعي ما أمكن، وكل ذلك وفق مواد دستورية وقوانين مشتقة منه .

الثاني: أن تكون معارضة بالشكل ومتفقة بالمضمون مع المنظومة السياسية التي تقود البلاد، فتمارس دورا كلفت به، لمناسبة ما أو حدث يفرض نفسه لظرف ما.

الثالث: حالات من المعارضة تتفق إلى حد بعيد مع الرؤية العامة لطبيعة النظام القائم وتطلعاته وطموحاته المعلنة ببناء مجتمع (الوحدة والحرية والإشتراكية)، لكنها تختلف في العديد من الممارسات السياسية اليومية، وعلى أساس هذا الاتفاق الدستوري والإختلاف في الممارسة عرفت الحياة السياسية السورية ظاهرة المعارضة نصف العلنية.

وفق ما سبق ذكره من حالات للمعارضة والسلطة، فقدت الحياة السياسية في سورية وبشكل تدريجي عوامل التجدد والتعافي الذاتي القائمة في الأحوال الطبيعية على أساس قوى تمارس السلطة، وقوى أخرى تمارس فعل المعارضة البناءة في التقييم والنقد والقدرة على طرح البدائل الممكنة .

مؤسسات المجتمع السوري تأثرت بطبيعة الحياة السياسية فأصابها التشويه لوجود أحزاب للمعارضة وللسلطة مصابة بالمرض في ممارساتها، والسبب الرئيسي هو إنغلاق الحياة السياسية وفق الدستور القائم منذ السبعينات وحتى تغييره مؤخرا، وفي حالات معينة نتيجة التجاوزات الدستورية بحكم التعليمات التنفيذية لبعض القوانين المشتقة أصلا منه.

مع دستور البلاد الجديد الذي يقول بالتعددية السياسية، أصبحت القوى السياسية السابقة في المعارضة وفي السلطة أمام إمتحان الكفاءة والفعالية، والشارع يحدد الأهلية .

ان الصراع الدائر اليوم في ظروف الأزمة وكيفية تجاوزها، يكشف تمايزاً أساسياً بين طيفين من المعارضة السورية.

يمثل الطيف الأول أحزاب وقوى لم تتخلص بعد من العيش في ظروف الماضي، وبالتالي تحافظ بسلوكياتها على حالة المرض في الظروف السابقة، وكل ما تركز عليه السعي لقلب الأدوار لتكون هي السلطة.

ويمثل الطيف الآخر تيارات وقوى معارضة قديمة أو ناشئة، تحاول الإستجابة لمتطلبات الظروف السياسية والدستورية والمجتمعية العامة الجديدة من أجل التخلص من القيود التي كبلت الحيوية السياسية سابقا لتمارس دورا حقيقيا فاعلا، بعد أن تكون أحدثت مراجعات جدية لبرامجها وسلوكياتها .

الماضي عايشه وعاينه المجتمع السوري وهو يتجاوزه الآن ويتطلع إلى مؤسسات فيها الكثير من التشاركية التي أساسها التوافقات العامة وحكما لن يعطي هذا المجتمع حق إدارة شؤونه العامة إلا لقوى تؤمن بذلك.

القوى السياسية في السلطة أو في المعارضة تمر بمرحلة إنتقالية كما كل مؤسسات المجتمع السوري، وينجح من يدرك أن شروط الماضي تم تجاوزها.

» بين التابع و المتبوع ... بقلم : محمد أحمد
» لن تضبط الحدود في زمن التغيير ... بقلم : محمد أحمد
» الجدل في حضرة الشعب والأسد ... بقلم: محمد أحمد
» اسباب نجاح الابراهيمي مولدات الموجه الخضراء ...بقلم : محمد أحمد
» من يحمي سورية الوطن ؟ .. محمد أحمد