بين التابع و المتبوع ... بقلم : محمد أحمد

بين التابع والمتبوع ... بقلم: محمد أحمد

مقتل السفير الامريكي في قنصلية بلاده ببنغازي مع ثلاثة من الموظفين، لن يجابه بردة فعل غريبة من الولايات المتحدة الامريكية، ولا من الدول الحاضنة للمجموعات المتطرفة في المنطقة والعالم العربي، بل بقليل من الكلام المراوغ والغامض وكثير من الصمت.

لا نعتقد ان العملية التي نفذت في بنغازي ستكون المؤشر لدق جرس الإنذار لدى العواصم التي طالما ادعت محاربة الإرهاب وتنظيماته التي تشكل القاعدة رمزها، والسبب يكمن في حجم الخدمات التي تقدمها هذه التنظيمات.

القاعدة وبالرغم من كل ما يتبدى انها تملك من الفكر والادوات والحجج والممارسات التي يجب ان تدل على أنها مستقلة وقرارها، وان ممارساتها نابعة عن الحالة الإعتقادية لقيادييها وعناصرها، وعلى الرغم من انها تجاهر برفعها لواء "الجهاد في سبيل الله ورسوله"، ورغم صراخها بأن المجتمعات الغربية، بفلسفاتها وممارساتها وأخلاقياتها، تشكل الخطر على طاعة الله، بالرغم من كل ذلك يتبين أنها تبقى أداة مطواعة في يد الإستخبارات الغربية والأمريكية منها على وجه الخصوص .

في نهاية المطاف الامور تقييم وتقاس بالنتائج الحقيقية، وان تلك النتائج المتوقعة او المستهدفة تبقى المعيار لإعادة التقييم للإعمال والممارسات والسلوكيات، وبالتالي مصدر التحرك للتصحيح والتقويم إن كان الهدف المعلن هو الهدف المتوخى، وان مرور هذه السنوات الطويلة دليل على ان القاعدة واعية للنتائج المترتبة على أعمالها ومقتنعة بها.

أفعال القاعدة وتفرعاتها منحرفة تماما عن قيم الإسلام، ولنبدأ من أفغانستان التي غاصت بالتبعية للغرب على ايقاع شعارات التطرف شارك فيها كثيرا "العرب الأفغان".

في افغانستان تحت رحمة الإستخبارات الغربية والتظيمات الجهادية، لا يوجد مجتمعاً إسلامياً ناشطاً ناضجاً فاعلاً قويماً متحرراً ومستقلاً بقراره ليؤمن كرامة الأفغاني. بل على العكس تحولت افغانستان من بلد يسير على درب بناء الدولة في الفترة ما قبل ثمانينيات القرن الماضي، إلى ساحة عراك للقبائل وامراء الحرب، لينتهي به المطاف بتابع تائه يدور في فلك الإستخبارات الغربية.

يشكل الحشيش والأفيون في أفغانستان اليوم المواد الاكثر انتاجا في هذه البلاد، إذ تدل الإحصائيات على انها تشكل نحو 94 بالمائة من الإنتاج العالمي يستهلكه الأوربي والأمريكي في لحظات خوائه على قارعة الطرقات وفي الحانات، مراكز "الفسق والفجور"، يقوم الأفغاني "المجاهد" بزرع المادة ورعايتها وجنيها وهو يرتدي ويتزين بما يقربه من التشبه بالنبي محمد.

يتكرر الامر أينما حلت القاعدة أو شقيقاتها، مجتمعات تتفكك تنهك تفقد قدرة الإنتاج ولتهرب من الاستحقاقات المجتمعية بمقولة (لا حول ولا قوة إلا بالله، قدر الله وما شاء فعل، انهم كفرة لكنها حكمة الله جل جلاله). يحدث ذلك في اليمن، والعراق، وباكستان، وليبيا، واينما حل الثنائي، الإستخبارات الغربية والتنظيمات الجهادية.

عندما تجهز الإستخبارات أدواتها تعلم تماماً أنها في مرحلة ما قد تضطر لخسارة قسماً منها للضرورة وخاصة إذا كان العقل الإستخباراتي هدفه الإستغلال وليس الإستثمار، هذا ما يحصل في مناطق تواجد الثنائي سابق الذكر.

في ليبيا قتل السفير الامريكي على ايدي المتشددين لخطا ما، أو لتفرد ما، أو لضرورة ما، وهذا صحيح، ولكن الإستخبارات الأمريكية لن تتخلى عن إدارة ودعم وتسيير القاعدة، أهم ادواتها في المنطقة، وعلى أقل تقدير في زمن (الربيع العربي) الذي يزهر أشياء أبعد ما تكون عن الإنسانية والقيم التي تنادي بها الأديان والإسلام تحديدا.

إنه فيلم، حقا إنه فيلم مفتوح النهايات والتداعيات على المزيد من الخراب والدمار إذا تمكن القائمون عليه من عرضه وتطبيقه في المزيد من الميادين والساحات على الشاشات العملاقة التي أكثر ما تمارسه إثارة غريزة القطيع في الهياج والصياح العقيم لا صيحة الثوار الحقيقيين.

» المعارضة والسلطة في سورية -1- بقلم: محمد أحمد
» لن تضبط الحدود في زمن التغيير ... بقلم : محمد أحمد
» الجدل في حضرة الشعب والأسد ... بقلم: محمد أحمد
» اسباب نجاح الابراهيمي مولدات الموجه الخضراء ...بقلم : محمد أحمد
» سيناريو الهدنة.. محمد أحمد