لن تضبط الحدود في زمن التغيير ... بقلم : محمد أحمد

لن تضبط الحدود في زمن التغيير ... بقلم : محمد أحمد

علينا أن نعترف بالوقائع كما هي الآن، وأن نحسم أمرنا ونضع كل إمكاناتنا ونتصرف وفق الظروف الجديدة، لن تضبط حدودنا الآن .

العالم كله، والمنطقة حكما، يعيش الآن زمن التغييرات الكبرى، سورية تدرك ذلك، وتركيا حكومة أردوغان تدرك ذلك، وتدركان كل منهما أنه في زمن التغيير ليس هناك الكثير من احترام للقوانين، والمتعارف عليه، والبروتوكول، والخصوصيات، فهي مرفوعة بقوة التغيير.

مرت سنوات كانت القطبية الأمريكية تفرض شروطها وظروفها على مجمل القضايا، وبحالة أي صراع بين سورية وتركيا العضو في حلف الناتو، كانت الظروف لصالح تركيا وكذلك شروطها تحترم أكثر.

أما اليوم فنحن أمام تغييرات كبرى في المنطقة والعالم:

1- الولايات المتحدة وحلفاءها بمن فيهم تركيا، اضعف بكثير مما كانوا عليه قبل سنوات، وبالتالي لا تستطيع واشنطن فرض شروط وقواعد ونتائج الصراعات كما في السابق. وكذلك تركيا عاجزة اليوم أن تفرض شروط أي صراع مع سورية مثلما فعلته عام 1998 على خلفية تواجد اوجلان في سورية .

2- سورية والقوى المتحالفة معها، الدولية والإقليمية، أقوى بكثير اليوم مما كانوا عليه قبل عقدين من الزمن، فهي التي تقف منيعة بوجه تعميم وصفة "الربيع العربي" غربية الصنع، في سورية والمنطقة.

3- صراع القوى المحلية والدولية في المنطقة أمر حتمي، ولن يتوقف اليوم، ولن ينتهي بوصفات حالات زمن الإستقرار النسبي للقوى العالمية. وبالتالي فإن كل القوانين والاعراف الدولية لن تستطيع اليوم إعطاء القوة الكافية لفرض دعوات ضبط النفس، واحترام سيادة الدول وخصوصيتها، وبالتالي لن تستطيع منع التدخل في معارك الشرق الأوسط وفي سورية تحديدا خاصة وان الجميع يدرك الآن بانها معركة تحديد مصير الصراع بين القوى العالمية ونتائج ذلك للمرحلة اللاحقة.

لن تحترم سيادة الدول وفق الحدود المرسومة سابقاُ ضمن شروط متوافقة مع زمن لم يعد قادراً على الإستمرار اليوم.

لا معنى للخط الحدودي بين الدول اليوم، ولا معنى لحرس الحدود، ولا معنى للأسلاك الشائكة أو الجدران الفاصلة في لحظة التغيير الحتمي.

جميع المفردات الصالحة لزمن الإستقرار النسبي لا تنفع الآن، وهي عمليا وضعت على الرف إلى حين استعادتها أو استبدالها بغيرها طبقا لشروط وظروف الجغرافيا السياسية الجديدة التشكل، والتي ليس من المستبعد أن تفرض حدودا جديدة حتى للجغرافيا الطبيعية بين الدول.

أن التغيير يفرض إعادة هيكلة للجغرافيا السياسية لصالح الأقوى والاكثر قدرة على إستثمار الظروف الجديدة وكذلك الإمكانات المتوفرة.

بإختصار؛ رغم كل إرتفاع درجة الضجيج والصراخ الصادر من تركيا والناتو على خلفية المعركة في سورية، فإنه لن ينتهي بأكثر من إدانات وتهديدات شكلية غير مدعومة بأفعال يحسب لهم فيها قدرة على التحرك. وأنه في حال لم يتحقق ما ذكرناه وحصل تصعيد في المواجهات وتطور إلى حرب مباشرة فالنتائج أهون على سورية من نتائج الحرب غير المباشرة، وهي اسرع حسماً لصناعة تسوية كبرى تفرضها موازين الردع المتبادل والتي ستكون لصالح سورية وحلفائها أكثر مما تكون ضدها .

بتوضيح اكثر، سورية اليوم والمعارك دائرة في كل بقعة على أرضها، هي الأقوى بميزان حساب القوى الإقليمية والعالمية الجديدة، هذه القوى التي ستفرض شروطها بحكم ظرفين يكتملان الآن:

1- الظرف الموضوعي: الولايات المتحدة والغرب الدائر بفلكها وحلفاءهم في العالم بمن فيهم تركيا أردوغان، بحالة تراجع وإفلاس لقواها الاقتصادية والسياسية، وفي المقابل حلفاء سورية في العالم وفي المنطقة في حالة صعود لقواها الاقتصادية وحالة تفوق لبرامجها السياسية، وبالنتيجة فإن محصلة ذلك تهيئة الأرضية لإعادة توزيع الأدوار على مستوى العالم أمر حتمي ناتج عن ظرف موضوعي.

2- الظرف الذاتي: شعوب الارض قاطبة باتت تدرك أن التغيير ضروري ، وهي مستعدة لذلك وتدعمه وتقبله، فهي ضاقت ذرعاً بسياسات القطبية الأمريكية وأدواتها التسلطية التي عممت على امتداد العالم قيم العدمية واخلاقيات الفساد والجريمة المنظمة.

علينا ألا نخاف اليوم كثيرا من الحراك والتحرك على الحدود مع تركيا او غيرها، بل علينا إدراك أن ولادة عالمية جديدة تبدأ على اساس معركة سورية واننا نعيش زمن المخاض للوليد الجديد الذي له من الإرهاصات الكثيرة والكبيرة والمؤلمة والطويلة نسبياً بحجم أهميته وعظمة التغيير الذي سيكون المعبر عنه.

سورية ومعها شعوب العالم قاطبة منتصرين، وكل سيشعر بذلك وفق شكل تجلي الأمر لديه بالملموس.

سورية ستخرج منتصرة على من يحاول أن يضعها رهينة قوى تنتمي للماضي من قبيل الإستبداد الديني والطائفي والفئوي والمناطقي، وستتقدم خطوة جبارة باتجاه الدولة الوطنية التشاركية التعددية الجامعة الأكثر عدلاً والاكثر انفتاحا على العالم والاكثر دعما وممارسة للقيم الحضارية الاصيلة وبتجدد وحداثة.

لن تضبط الحدود السورية مع أي جار لها اليوم حتى يحسم الصراع عالميا، فكيف بالحدود مع تركيا أردوغان حيث خط التماس والصراع المباشر بين مشروعين متناقضين أحدهما يفرض ثقله ووزنه النوعي والآخر يتراجع.

» بين التابع و المتبوع ... بقلم : محمد أحمد
» المعارضة والسلطة في سورية -1- بقلم: محمد أحمد
» الجدل في حضرة الشعب والأسد ... بقلم: محمد أحمد
» اسباب نجاح الابراهيمي مولدات الموجه الخضراء ...بقلم : محمد أحمد
» لقاء بين محمد حسنين هيل و السيد نصر الله : رياح التغيير من مصر الى الجزيرة