أوباما... تعا ولا تجي بقلم :سعد الله الخليل

أوباما... تعا ولا تجي بقلم :سعد الله الخليل

في حديث العقلاء قواعد لا يمكن القفز فوقها ليتسم الحديث بالقدرة على الإقناع ،وإلا فالكلام لا يتعدى صراخ إثارة غرائز وتأجيج مشاعر لا منطق فيه ولا حجة ،ولأن السياسة لا تقيم لمداعبة الغرائز وزنا يسقط كل من لا يتوجه بالعقل بخطابه مهما على شأن صاحبة.
خلال الأيام الماضية صدرت عن الرئيس الأميركي عدة تصريحات ومواقف حول استخدام السلاح الكيميائي بسورية ،واللافت للنظر ما رافق هذه القضية من ارتباك وتناقض في المواقف الأميركية بين نفي وتأكيد ،وتأرجح الموقف بين الاستخدام على نطاق ضيق ورغبتها في جمع أدلة إضافية وتعزيز ما لديها من معطيات إستخباراتية.
التأرجح الأميركي بالتصريحات قابله تأرجح بين قرع طبول الحرب والتهديد بالقوة إن ثبت إستعمال الحكومة السورية السلاح الكيمائي وهو ما نفته أكثر من مرة دمشق ،وتأكيدها على المسار الدبلوماسي السياسي لحل الأزمة السورية ،وهو ما يكشف أن التصعيد ليس سوى مقدمات للتفاوض للوصول للنتيجة المرجوة التي تحملها عبارة الحل السياسي.
ثلاث سيانوريهات ترسمها القوى الحليفة للولايات المتحدة الأول التدخل العسكري البري المكثف بنشر قوات لا تقل عن 75 ألف رجل ،مع الاعتماد على وحدات خاصة لعزل الأسلحة الكيميائية. وهذا السيناريو بحسب هآريتس يتضمن إمكانية استمرار المواجهة مع القوات السورية لأشهر مكلفا للإدارة الأمريكية.
أما السيناريو الثاني يقوم على تسليح نوعي للمعارضة ،كما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين بارزين في الإدارة الأمريكية أن الرئيس أوباما يدرس إرسال أسلحة للمعارضة السورية. وهو ما ترفضه الولايات المتحدة والغرب كونه يثير المخاوف الغربية من مخاطر سقوط الأسلحة في أيدي النصرة والمجموعات الجهادية المشابهة داخل سوريا ، واللافت بما نشرته الصحيفة إقرار المسؤولين ،الذين لم تكسف عن هويتهم إن أوباما يسعى بقوة لحمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التخلي عن دعمه "للنظام السوري" ،وهو ما يكشف عن الدور الوظيفي لهكذا تصريحات.
أما السينايو ثالث فيقوم على قصف المواقع الكيمائية في سورية ،وهو ما يعني الرد بمهاجمة أهداف أمريكية فتنجر واشنطن إلى دخول حرب كبرى في المنطقة وهو ما يتناقض مع استراتيجيتها إنهاء الحروب.
وبالعودة لتصريحات أوباما فإن ما صدر عنه بمؤتمر الصحفي بمناسبة انقضاء 100 يوم من ولايته ،تحدث عن وجود أدلة حول استخدام السلاح الكيميائي بسورية ،لكنها أدلة تفتقد للمعلومات حول المكان والزمان والجهة المسؤولة عن استخدامها، بل وأشار صراحة إلى عدم وجود برهان على استخدام "النظام" لهذا السلاح.
بمقاربة عقلية لمحصلة ما وصل اليه أوباما من استنتاجات ومعلومات استخباراتية وميدانية ترقى لمستوى "من فسر الماء بالماء بعد حين" ،فبعد أكثر من شهر على وقوع الجريمة لا يصرح أوباما إلا عن إمتلاكه أدلة حدوث الجريمة فقط ،فأين الجديد بالقضية ...؟ ! ،وأين ما أعلنته استخباراته عن أدلة مثبتة وموثقة عن تورط سوري باستخدام الأسلحة ،وهل باتت استخباراته عاجزة عن حمع المعلومات وهي التي تسرح وتمرح برفقة مقاتلي القاعدة وأخواتها.
ما الذي يدفع رئيس الولايات المتحدة ليقول بأن ما أملكه من معلومات لا يتعدى الصفر ...؟! ،ولماذا لم يقول سنكشف عن معلومات مهمة بالقريب العاجل بعد إكتمال التحقيقات حفاظاً على سريتها...؟! ،وهل بات لزاماً على أوباما الحديث عن سوريا بكل مؤتمر صحفي حتى لو اضطر لمخاطبة الغرائز والتجيش بكلام لا معنى له دون أي حقائق تستحق ليضع المتابع بدوامة "تعا ولا تجي" مع الفرق الشاسع بين تغريد السيدة فيروز ونعيق أوباما.
عندما يدخل من هم بوزن قادة دول كبرى لاستثارة العواطف بعيداً عن الحقائق لمجرد الحشد الشعبي لمواقفهم ،حيال حرب تدور رحاها على بعد يفوق العشرة ألاف كيلو متر عن حدودها ، ليلعب أوباما دور بوق يروج أكاذيب يقتنع ببعدها عن الواقع ، كورقة أخيرى بعد استهلاك كل الأبواق الإقليمية ،فإن ذلك يعني سقوط كل حجج منطق الحرب ،والبدء بلملمة أوراق التفاوض بعيداً عن ضجيج قرع الطبول للبحث عن مخرج أمن ،يحفظ ماء الوجه ويضمن أكبر قدر من المكاسب السياسية وإن كانت أقل من المأمول.

» كلام في الوطن بقلم سعد الله الخليل
» المعارضة بالتشظي ...بقلم : سعد الله الخليل
» سمفونية الحوار والإصلاح بقلم : سعد الله الخليل
» الأردن شرارة تشعل سهلاً بقلم : سعد الله الخليل
» إرتباك الأقوياء يفضح ضعفهم بقلم سعد الله الخليل