كتب العميد الياس فرحات: من خان العسل الى غاز السيرين...هل هي مقدمات للعدوان على سورية
خاص عربي برس - بيروت
في 19 اذار الماضي سقطت قذائف صاروخية مجهزة بسلاح كيماوي في بلدة خان العسل قرب حلب وادت الى مقتل 25 شخصا بينهم 16 عسكريا واصابة نحو ثمانين اخرين بجراح.وعلى اثر هذا الهجوم طلبت الحكومة السورية من الامم المتحدة اجراء تحقيق دولي في هذه الجريمة الانسانية .لبى الامين العام الطلب وشكل لجنة تحقيق دولية,لكنه حدد مهام هذه اللجنة بالكشف على الاراضي السورية كافة ولم يحصرها في ضحايا خان العسل.بدا ان السيد بان كي مون يريد استغلال الجريمة لينفذ اجندة تفتيش مماثلة لتلك التي نفذت في العراق قبل الغزو الاميركي ويكرر المثل العراقي بكثرة الحديث عن السلاح الكيماوي ثم غزو سوريا و تبرئتها لاحقا كما حصل مع العراق بعدما يقع الخراب على البلاد والعباد .والمدهش ان الامين العام اصر على موقفه ,واوقف لجنة التحقيق عن العمل الا وفقا لشروطه التي لم تقبل بها الحكومة السورية لانها تمس بسيادتها وتشي بتكرار ما حصل في العراق الذي ما زال عالقا في الاذهان .
لم يتحرك المجتمع الدولي ولا الدول الكبرى للمطالبة بالمباشرة بالتحقيق ,وعلى العكس سحب موضوع خان العسل من التداول السياسي والاعلامي بعدما باتت القوى الدولية شبه متيقنة ان فصيلا من المعارضة السورية قد استخدم فعلا غاز الكلور في قصفه على بلدة خان العسل بعد ثلاثة ايام من استعادة القوات السورية سيطرتها عليها .نشرت وسائل اعلام متعددة في حينه انباء عن سرقة كمية من الكلور من احد مصانع حلب كانت تستخدم كمواد اولية لصناعة مواد التنظيف.باتت التهمة تلبس المعارضة المسلحة وجاء قرار بان كي مون بوقف التحقيق لينقذها من الادانة الدولية وينقذ معها القوى والدول التي تدعمها .اقفل ملف خان العسل لكن ملف السلاح الكيماوي لم يقفل. اكثر المسؤولون الاسرائيليون كلامهم عن استخدام قوات الحكومة السورية للسلاح الكيماوي وابدوا مخاوفهم من انتشاره لكن هذه الاتهامات لم تقنع الادارة الاميركية , وتحدث البيت الابيض عن عدم وجود دليل وكذلك وزير الدفاع تشاك هايغل.
فجأة تغيرالموقف بعد كلام الجنرال الاسرائيلي ايتي بارون رئيس وحدة الابحاث في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية في محاضرة له في معهد الامن القومي في تل ابيب حظيت بتغطية اعلامية غير عادية, اتهم فيها السلطة السورية باستعمال غاز الاعصاب "سارين" .سارع وزير الخارجية جون كيري باتهام سوريا انها استخدمت السلاح الكيماوي مرتين .لم يقل كيري اين استخدم ومتى؟ وهل سقط ضحايا؟ وهل تم الكشف على المصابين؟ بل اكتفى بترديد الاتهام الاسرائيلي من دون تفاصيل.اما وزير الدفاع هايغل فقال ان "الاستخبارات الاميركية توصلت بدرجة معينة من الثقة إلى أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد قد استخدم الأسلحة الكيماوية وخاصة غاز السارين".كذلك لم يقل هايغل شيئا عن مقدار "درجة الثقة" وعن الضحايا والمكان والزمان.
اما وزير الخارجية البريطاني فقد كرر الاتهام الاسرائيلي من دون ان يطلع الرأي العام على نتائج الفحص على التربة التي اعلنت حكومته انها اخذت عينات منها من داخل الاراضي السورية, وانها تتفحصها في مختبر المخابرات البريطانية.
في خان العسل هناك قتلى ومصابون من جراء غاز الكلور اما في الاتهام الاسرائيلي فهناك تأكيدات استخبارية من دون اثباتات تبعتها اتهامات اميركية من دون معلومات. ذهبت جريمة خان العسل الواضحة طي النسيان , وعتمت عليها دول الغرب ,وخلقت بدلا عنها كذبة اتهام و باشرت بالبناء السياسي عليها .انه تبدل مفاجىء في المواقف فما سره؟
السر يكمن في الميدان .الهجوم السوري المعاكس على المعارضة المسلحة قلب حسابات الدول الداعمة ,وخصوصا في ريف دمشق وريف القصير حيث تلقت المعارضة ضربة كبيرة في الغوطة الشرقية والجنوبية وخسرت المواقع والقوى التي كانت تستعد لما سمته "معركة دمشق الكبرى " ونجح الجيش السوري تماما بنقل المعارضة الى وضع التقهقر والتراجع لتقضي على حلمها باسقاط النظام.
بررت المعارضة وداعموها الخسارة باتهام حزب الله وايران بالاشتراك بالقتال, ولم تنفع هذه الاتهامات لانها اصبحت مستهلكة من كثرة ما يحصل من تدخلات اجنبية مباشرة في سوريا, فكان لا بد لاسرائيل والغرب من فتح الملف الكيماوي ونسج رواية استخدام غاز السارين لتبرير اما هزيمة المشروع بكامله, اوتشريع تدخل اميركي اسرائيلي مباشر في الازمة السورية .رافق هذه الاتهامات كلام عن منطقة عازلة في درعا ومنطقة حظر جوي واغراءات غربية للاردن للتخلي عن موقفه المحايد وتحويله الى "تركيا جنوبية" بمعنى التدخل المباشر في سوريا.ومن هنا كان تحذير الرئيس الاسد في حديثه التلفزيوني الاخير الاردن من خطورة اي تدخل في الشأن السوري على وضعه وعلى المنطقة باكملها.
لقد اوقع فشل المعارضة السورية المسلحة الدول الداعمة والممولة في مأزق كبير .فقد دعا الرئيس اوباما عددا من القادة العرب ورئيس الوزراء التركي الى واشنطن لبحث الازمة السورية ,وبينما كانوا يحزمون حقائبهم ويرتبون ملفاتهم التي تتضمن طبعا مواعيد جديدة "للسقوط الوشيك للنظام",اذا بهم يفاجئون بانهيار المعارضة وانقلاب خططهم التي املوا بنجاحها .
في هذا الوقت ,حضرت تهمة استخدام السلاح الكيماوي لتتصدر المواقف الاميركية والاسرائيلية وتبرر اي ضربة عسكرية محتملة ضد سوريا . وصلت تعزيزات عسكرية اميركية الى الاردن وقبلها الى تركيا واسرائيل للتحضير لمغامرة عسكرية.هل يغامر الغرب بذلك؟ وهل تقف سوريا وحيدة ؟ وهل تتوسع رقعة النزاع الى المنطقة باكملها وتنقطع امدادات النفط والغاز عن الاسواق العالمية وتتدحرج احجار الدومينو؟ انها اسئلة اقترب وقت الاجابة عليها.