" من يخشى أميركا هو خارج الصحوة " – غالب قنديل

"

" من يخشى أميركا هو خارج الصحوة " – غالب قنديل

إنها المعادلة التي صاغها الإمام السيد علي الخامنئي في مؤتمر "الصحوة الإسلامية" الذي انعقد في طهران مؤخرا في كلمته خلال استقبال الوفود المشاركة من أساتذة جامعات و باحثين و كتاب من مختلف دول المنطقة و العالم الإسلامي .

أولا أراد السيد الخامنئي ان يحسم مفهوم القيادة الإيرانية عن "الصحوة الإسلامية" الذي اشتقته في التعبير عن رؤيتها للانتفاضات الشعبية و التغييرات السياسية التي شهدتها بعض الدول العربية مؤخرا مع المثابرة على اعتبار الحالة السورية كناية عن عدوان استعماري أداته الإرهاب و التطرف و منع الحوار بين السوريين .

المعادلة التعريفية التي صاغها السيد الخامنئي في خطابه مستمدة من كلمات لقائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام آية الله الخميني و هو نقلها عنه في استرجاعه لوقائع لقاء يعود لبدايات الثورة حيث رد الإمام الخميني على استشارة السيد الخامنئي و احد رفاقه للإمام بشأن قرار محدد يتصل بقيادة الثورة فاختصر الخميني الجواب بالسؤال: هل تخشون أميركا ؟ و قد بنى السيد الخامنئي على هذا الشاهد إعلانه الحاسم بان من يخشى أميركا هو خارج "الصحوة" التي تتحول في واقع الممارسة التي تشهد عليها المؤتمرات و الشبكات التنظيمية الممتدة أفقيا و عاموديا في بلدان العالم الإسلامي إلى نوع من اممية إسلامية ثورية محورها الخيارالاستقلالي التحرري المناهض للهيمنة الاستعمارية الذي تعبر عنه الجمهورية الإسلامية الإيرانية و بركيزتين حاسمتين هما فلسطين و مقاومة المذهبية و التكفير .

ثانيا المعضلة المكتومة التي يقود إليها هذا التعريف الواضح ، هي الاختلاف الصامت مع قيادة التنيظم العالمي للأخوان المسلمين الذي ربطت فرعه المصري ، الأوسع نفوذا في التنظيم العالمي ،علاقة وثيقة بإيران منذ انتصار الثورة و حيث تعتمل تباينات واضحة بين القيادة الإيرانية و قادة الأخوان و بعض القوى الإسلامية و خصوصا حركة حماس بشأن سورية التي ليست تفصيلا بسيطا في مشهد المنطقة ، و حيث يعتبر القادة الإيرانيون بحق ان العدوان على سورية يستهدف منظومة المقاومة و التحرر في المنطقة و يطال لبنان و فلسطين و العراق و إيران نفسها .

يمثل تورط حماس في بعض الفصول السياسية و العسكرية للحرب على سورية أحد أعراض الافتراق بين قادة الأخوان و الجمهورية الإسلامية و لكن ما حصل مؤخرا في الحرب على غزة و داخل مصر نفسها يتخطى في خطورته حدود التباين بشأن الوضع السوري فمن الواضح لأي مراقب أن قادة الأخوان ركبوا سكة جديدة محورها التفاهم مع الغرب و أميركا و التعاون مع إسرائيل في مقايضة خدمات امنية و سياسية منبثقة عن كمب ديفيد لقاء التسليم بتحكمهم في لعبة السلطة بينما هم يعملون مع حكومتي قطر و تركيا لإتمام سلخ قيادة حماس عن منظومة المقاومة و تدمير تحالفها القديم مع الحاضنة الإيرانية السورية و اللبنانية التي مكنتها من أسباب القدرة و الحضور و بالطبع فذلك العمل يرتبط برهانات على تحريك أوهام التسوية التي لفظت انفاسها منذ اغتيال الرئيس ياسر عرفات.

ثالثا تتمسك القيادة الإيرانية بمسايرة الحساسيات الأخوانية و الحماسية في لغتها السياسية المعلنة و ترفض المجاهرة بالاختلاف و كذلك يفعل حزب الله انطلاقا من اعتبارين رئيسيين :

الاعتبار الأول هو اليقين عند إيران و حزب الله بان الرهان على تفاهمات و مقايضات مع اميركا و الغرب هو ذهاب في طريق مسدود و ان التجربة ستقيم الفرز المنهجي بين الواهمين و المقاومين كما حصل دائما في تاريخ المنطقة و حركاتها السياسية و هذا لا يمكن ان يجري تحفيزه بالتشهير و بالعدائية بل بالنقاش الهادئ و بالكثير من الصبر البعيد عن الانفعالات و ما نجده ضروريا هنا هو ان الأجدى في إدارة هذه الاختلافات اعتماد النقاش الهادئ و العلني و الصريح في السياسات و الخيارات و ليس الصمت الذي تعتصم به حتى اليوم كل من قيادة الجمهورية و قيادة حزب الله و معادلة الإمام الخامنئي الذهبية تمثل المفتاح المنهجي لأي حوار في الخيارات فإن كان من يخشى أميركا خارج الصحوة ترى أين يكون من يراهن على عقد صفقات معها و من يذعن لشروطها و لطلباتها ؟

الاعتبار الثاني هو ان داخل حركة الأخوان في مصر و فلسطين و تونس و ليبيا و اليمن و غيرها نقاشا فكريا و سياسيا غير بعيد عن مواضيع الاختلاف المنهجية المذكورة بل هو في صلبها و حولها و هذا النقاش يتقدم بالتفاعل مع التحديات و الأحداث التي تفترض مزيدا من الإقدام في خط النضال ضد الاستعمار الغربي و الصهيونية على جميع المستويات التي يفترض بالقيادات المعنية التعامل معها و هذه التحديات سوف تسقط كل رهان و كل مراهن على الارتباط بالأجندة الاستعمارية سواء كان زعيما ام حزبا برمته و من المؤكد أيضا ان إيران و حزب الله يحرصان كذلك و في قلب هذا الملف الحساس على مجابهة العصبيات المذهبية في العالم الإسلامي و يخشيان من استثمار الغرب لأي بوادر صراع او اختلاف .

رابعا لكن الحقيقة هي أن الاستثمار الغربي و الخليجي و التركي في الموضوع المذهبي قائم و مستمر هجوميا و بصورة خاصة منذ انتصار الثورة الإيرانية و بدرجات أقوى و أعم منذ انتصار المقاومة اللبنانية عام 2000 و لا يمكن التعامل معه بالتجاهل بل بخطة عمل خاصة متعددة المستويات لا تنفع فيها المسايرة الكلامية و لا الالتفاف على مواضيع مختلف عليها مثل الموقف من الوضع السوري او الاتفاقات التي جرت في السر و العلن مع الصهاينة و مع الغرب أم مع السعي المحموم لأخذ قيادة حماس إلى خندق التسوية المفلسة و المتعفنة تحت ستار الوحدة الفلسطينية ، فمحور الكفاح ضد المذهبية و التكفير سيبقى أحد عناوين مقاومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة و من يقف خارج هذا الخيار تصح عليه معادلة السيد الخامنئي كذلك و قد أظهرت أروقة مؤتمر طهران الأخير وجود كتلة كبيرة من النخب و التشكيلات العابرة للمذاهب في العالم الإسلامي تتبنى مواقف و خيارات جريئة في مناهضة الاستعمار و لاقى المؤتمرون بحرارة في اللجان و الجلسات العامة كل موقف تضامني واضح مع سورية في مقاومة العدوان الاستعماري و كل تعبير جرئ و نقدي حول سلوك قيادة الأخوان و قادة حركة حماس و ما يثيره من مخاوف و تساؤلات مشروعة و قد أصر العديد من المشاركين من البلاد العربية و الإسلامية على التكلم بجراة و بصراحة على الرغم من التحفظ الإيراني المسبق الذي تبلغوه في الكواليس.

» اختبارات ما بعد الاتفاق ...غالب قنديل
» درس لبناني من غزة>>>غالب قنديل
» سر الصلابة السورية – غالب قنديل
» خطة أردوغان المكشوفة...غالب قنديل
» من ظلم الرئيس عمر كرامي ؟ - غالب قنديل