من ظلم الرئيس عمر كرامي ؟ - غالب قنديلالحشود الشعبية المشيعة والمعزية بالرئيس الراحل عمر كرامي تفوق في معناها ومغزاها السياسي قيمة التدفق الكثيف لزعامات وقيادات من مختلف الاتجاهات السياسية اللبنانية وبعضهم اتقن التظاهر بالأسى ولو قيض لنا تخيل تعليقات الرئيس الراحل الساخرة واللاذعة على المشهد لفاض بالكثير من الثقة بالنفس وبصحة الخيارات ولتلاحقت عباراته الناقدة لعقلية النفاق السياسي التي كان يرفضها لدرجة تصديه اللاذع باستمرار لمخاتلات الساسة اللبنانيين الذين يتفننون في المراوغة والدجل ومسايرة الأقوياء والطعن في الظهر والاستقواء على الخصوم بإباحة جميع الوسائل والأدوات اللاأخلاقية والكذب على الناس بسيول من الوعود والاختراعات الواهية وهو في وداعه كان قويا بمظاهرمحبة اللبنانيين واحترامهم له.
الناس العاديون هم خير من شهد لهذه القامة الوطنية العربية بالثبات المبدئي وبنظافة الكف وبصحة الخيارات السياسية في موقفه الذي لم يخش أكلافه مدافعا عن الوحدة الوطنية رافضا للطائفية والمذهبية مدافعا عن مفهوم الدولة والمؤسسات ملتزما بالعروبة وبالمقاومة داعيا لتمتين العلاقات اللبنانية السورية في أحلك الظروف مدركا لأولوية التصدي للعدوانية الصهيونية وليس غريبا ان تعود طرابلس إلى كرم القلة في حصاد الرحيل لتعيد اكتشاف ما خسرته في اكثر من عشرين عاما من مماشاة رهانات خائبة تخصص الأفندي في تفنيدها والصد عنها فصمدت معه ضد الترهيب والترغيب كتلة صلبة شريفة اعتز بها دوما.
تحدث كثيرون عن خصال الرئيس الراحل الذي كان ركنا وطنيا كبيرا طيلة اكثر من ربع قرن بعد تسلمه راية الرئيس الشهيد رشيد كرامي وقد ترددت على الألسنة وفي المقالات والتصريحات عبارة ان الرئيس عمر كرامي ظلم كثيرا في حياته السياسية وتعرض للمؤامرات والطعنات غير مرة وهذا صحيح لكن السؤال يطرح نفسه عن هوية الذين ظلموا الرئيس عمر كرامي ونهجه السياسي .
في الإجابة إزاحة لغموض متعمد يفرضه محترفو النفاق السياسي في لبنان بتجيهل الفاعلين الذين ظلموا هذا الرجل الآدمي ونظيف الكف كما ردد كثيرون بحق ولا بد من محاولة الإجابة على السؤال للتعلم من تجربة ركن سياسي رسم خطوطا حاسمة في مواقفه المبدئية رفض المساومة عليها رغم كل ما تعرض له من ضغوط ومؤامرات وحملات وحصارات سياسية وإعلامية استهدفت مكانته المرجعية السياسية والتمثيلية التي ظلت ثابتة في طرابلس والشمال وعموم لبنان والمنطقة.
ظلم الرئيس عمر كرامي رئيسا للحكومة في التسعينيات عندما نفذت مؤامرة مالية اقتصادية أمنية للإطاحة به تمهيدا لاكتساح الحريرية ومشروعها الاقتصادي والسياسي وجذر القضية ان حكومة الرئيس كرامي هي التي أقرت مشروعا إعماريا بعد الحرب بكلفة خمسة مليار دولار وبخطة تنفذها الدولة بينما كان الجاري تحضيره في مكاتب شركة باكتيل يقتضي استدانة عشرات المليارات لخطة تنفذها شركات خاصة لبنانية ومتعددة الجنسيات ورهن لبنان لعقود مقبلة وقد انطلقت المؤامرة بمضاربات مالية ضد الليرة اللبنانية أدارتها مصارف معروفة بمالكيها وبمصادر أموالها وانتهت بإعلان حاكم المصرف المركزي ميشال الخوري الذي كان موعودا برئاسة الجمهورية في بيان رسمي هو الأول من نوعه ربما في تاريخ البنوك المركزية في العالم يرفع يد المصرف المركزي عن حماية العملة الوطنية وكان الفصل التالي ما عرف بثورة الدواليب والعصي التي وزعت في بيروت وسواها من المدن لإرغام الحكومة على الاستقالة وفي حلقة التخطيط والمراهنات احزاب حليفة انتقلت للشراكة مع المشروع الإعماري ونقابات عمالية تواطأت جميعا لتمهيد الطريق امام الانتخابات التي انبثق منها حلف حاكم بقيادة الرئيس رفيق الحريري بمشروعه السياسي والاقتصادي الذي كان الرئيس عمر كرامي من أشد معارضيه وناقديه بمنطق علمي ووطني وجاءت الأحداث تثبت صحة كل كلمة قالها في هذا السياق وهو عانى ظلما مستمرا باستهداف مخطط ومرسوم لزعامته أفضى إلى تجريده من كتلته النيابية بضغوط المال الحريري وبآلة الدعم والتدخل الفظة التي قدمها ثنائي الإدارة السورية للملف اللبناني عبد الحليم خدام وغازي كنعان وقد بينت الأحداث لاحقا ما فعل هذا الفريق بحق سورية نفسها...
لم ينجحوا بالتنكيل في دفع الرئيس كرامي إلى الانطواء والتراجع فثابر برلمانيا وسياسيا على مجابهة المشروع الذي وجد فيه تقويضا لفرص نهوض لبنان بعد الحرب وإغراقا للدولة ولشعبها بالديون وطعنا بالوحدة الوطنية يعرض السلم الأهلي للانتكاسات الخطرة ومسا بالحريات العامة والإعلامية وانتهاكا لحقوق المواطنين وقد عمل الرئيس عمر كرامي مخلصا مع جمع من الأطراف والقوى والشخصيات التي تلاقت على هذه العناوين وعندما شرعوا يتقلصون من حوله تحت وطأة الغواية المالية والمصلحية ظل ثابتا وازداد تمسكا بموقفه المبدئي الذي احتفظ بقوته وبنبضه.
وقف الرئيس عمر كرامي بكل جوارحه مع المقاومة وكان ذلك من دواعي استهدافه وظلمه حتى لحظة غيابه فجميع خصوم المقاومة عدوه بحق من أصلب مناصريها وحماتها فلم يأبه لهم يوما وهو ممن رسخوا من موقع المسؤولية فكرة التعاون الوثيق بين الجيش والمقاومة ورغم ما تعرض له من الظلم والاستهداف والاستقواء ظل مثابرا يدافع عنى مفهوم العلاقات اللبنانية السورية المميزة وقد وضع حدا فاصلا بين تصديه لمظاهر تجيير الوجود السوري كقوة استقواء حريرية ضد الخصوم والمنافسين وبين اقتناعه المبدئي الحاسم في كل الظروف بسورية كمرجعية قومية تحررية مناهضة للاستعمار والصهيونية ولذلك كانت له دائما مكانة خاصة ومميزة عند الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس الدكتور بشار الأسد في عداد الحلقة الأولى من كبار الأصدقاء والشركاء وفي جميع الظروف.
الظلم الكبير الذي لحق بالرئيس عمر كرامي كان أيضا في كل ما تعرض له رئيسا للحكومة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبعض المعزين كالسيدة نايلة معوض والسيدة بهية الحريري والرئيس فؤاد السنيورة والسيد وليد جنبلاط وسواهم هم من ظلموه آنذاك وقد كانوا يعلمون ما يفعلون عندما نفذوا روزنامة جيفري فيلتمان لوضع اليد على البلاد واحتموا بدماء الحريري لتصفية حسابات سياسية تتعلق بالسلطة والمغانم ولا تمت للمباديء بصلة فقد قاموا بوضع لبنان تحت الوصاية الأميركية وواصلوا تلك العملية خصوصا خلال حرب تموز التي عاشها الرئيس كرامي لحظة بلحظة وبنبض وجدانه المقاوم وبلهفة الوطني والعروبي الشريف الذي كان يعرف ما جرى التخطيط له في كواليس عوكر لطعن القوة الوحيدة القادرة على حماية لبنان بتلاحمها مع الجيش اللبناني الذي كان من ثوابت الرئيس عمر كرامي الكبرى.