معارك "داعش" التركية في "أطمة"...محمد سعيد حمادة

معارك "داعش" التركية في "أطمة"...محمد سعيد حمادة

بعد أن سيطرت "الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش" على بلدة "الدانا" وأعلنتها إمارة إسلامية، ترددت أنباء كثيرة عن أن محاولات "داعش" التمدد باتجاه الشمال إلى "أطمة" ثم إلى عفرين هي لتأمين خط الوصول الآمن إلى حلب، والواقع أن "الدانا" الواقعة إلى الغرب من مدينة حلب والتي تتبع إدارياً إلى إدلب هي أقرب إلى حلب من "أطمة" ومن عفرين الواقعة إلى الشمال الغربي من حلب المدينة. فما هي قصة استماتة "داعش" على التمدد شمالاً وشرقاً انطلاقاً من "أطمة"؟

إن تدقيقاً بسيطاً في خارطة توزّع "داعش" وسيطرتها على المدن والبلدات القريبة من حلب يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك من أن المناطق التي تسيطر عليها هي أقرب إلى حلب من مدينة عفرين، وقد سيطرت على أعزاز ومن ثم قبل يومين على تل رفعت التي تبعد عن حلب شمالاً نصف المسافة التي تبعدها عفرين عن حلب، كما إن "دارة عزة" و"قبتان الجبل" و"الأبزمو" و"عنجارة" و"تقاد" و"أورم الكبرى"، الواقعة إلى الغرب من حلب والقريبة منها والتي كانت من أوائل القرى والمناطق التي عمل بها المسلحون، هي الطريق الأسهل إلى حلب. لكن تدقيقًا آخر في النظرة إلى حدود لواء الأسكندرون سيجيب عن معنى العبارة التي تتكرر في الإعلام من أن "عفرين هي المدخل إلى حلب". فعفرين التي تحتلّ الزاوية الغربية الشمالية للريف الحلبي تتبع لها كل الأراضي السورية المحاذية للواء الأسكندرون من الجهة الشرقية، ابتداء من "ميدان أكبس" شمالاً وانتهاء بـ "جنديرس" المحاذية لـ "أطمة" جنوبًا، مرورًا بـ "راجو" والتي لا يشكّل السكّان من غير الكرد إلا نسبة لا تذكر في تلك المنطقة الجبلية الوعرة التي كانت معقلاً للمتمردين على الدولة العثمانية بل كانت منطلق الثوار الذين يُغِيرون على القوافل السلطانية المحمّلة بخيرات البلاد إلى إستانبول؛ ويعرف دارسو التاريخ وبسطاء مناطق الريف الشمالي في حلب أن قائد هؤلاء الثوار "بطّال" الكردي كان سببًا في توحّد القبائل العربية والكردية التي حاصرت مدينة حلب في القرن الثامن عشر واحتلّتها بعد أن أخذت واليها أسيرًا.
معارك "داعش" التركية في "أطمة"...محمد سعيد حمادة Oi8vaS5hbGFsYW0uaXIvbmV3cy9JbWFnZS82NTB4Mzc1LzIwMTMvMDkvMjYvYWxhbGFtXzYzNTE1ODAwNDc4MzYwOTUzN18yNWZfNHgzLmpwZw%3D%3D

معارك "داعش" التركية في "أطمة"...محمد سعيد حمادة Oi8vaS5hbGFsYW0uaXIvbmV3cy9JbWFnZS82NTB4Mzc1LzIwMTMvMDkvMjYvYWxhbGFtXzYzNTE1ODAwNDc4MzYwOTUzN18yNWZfNHgzLmpwZw%3D%3D

الموضوع الأساس في الاستماتة على هذه المنطقة إذن لا يعني إلا إزالة العقبة الكردية من أمام الحلم العثماني القديم في أن يكون الطريق، من كل مدن وبلدات لواء الأسكندرون المحتل غربًا ومن كلّس الغربية في شمال اللواء السليب إلى كلّس الشرقية شمالاً، إلى حلب آمنًا.

ثمّ إن التركيز على مناطق شمال "أطمة" من أجل الاستيلاء على "جنديرس" والتمدد باتجاه المجاري النهرية الأقل صعوبة جغرافية إلى الباسوطة باتجاه عفرين يعدّ خطوة أولى في عزل السكّان الكرد في الجبال الغربية الشمالية من جهة والسيطرة الكاملة على المنطقة الشمالية الغربية التي تحيط بحلب المدينة من جهة أخرى، وهو ما يعني إحكام الطوق عليها، إضافة إلى أن جبل سمعان والأوابد الأثرية، المسيحية خصوصًا، ستكون مادّة ابتزاز ممتازة لتدخّل تركي مباشر في ما بعد من أجل حماية هذا التراث الإنساني الذي تضع "داعش" عينها عليه لتدميره أسوة بتدميرها لباقي المزارات والأضرحة والأوابد الإسلامية.

إن كل ما سلف يؤكّد التنسيق بين "داعش" والأتراك الذين يسعون بكل ما أوتوا من قوة، وبدعم سعودي "إسرائيلي"، لاستبدال العدوان الأميركي على سوريا بحرب استنزاف للدولة السورية تؤمّن لهم حصص نفوذ من كعكة "جنيف ٢" الذي تتوضّح صورته شيئًا فشيئًا من أنه سيكون تقاسم مصالح بين الكبار، ولن يفيد تمرّد للمسلّحين عليه من هذه الجهة أو تلك. فأن يملك الشريكان التركي والسعودي زمام المبادرة العسكرية على الأرض فهذا يعني أنهما سيؤمّنان لهما مقعدًا للاستماع في جنيف، لعل ّتظلّ "إسرائيل" مطمئنّة إلى بُعد القيامة السورية.

ورغم كل التحذيرات الداخلية في تركيا من فتح الحدود "للإسلاميين المتشددين" وما تكتبه الصحافة يوميًّا عن تركيا التي أصبحت "باكستان سوريا"، فإن عقدة تركية قديمة استيقظت اليوم وهي أن "البلوش" في جهتي الحدود السورية التركية هم ضد مشاريع العثمنة وأحلامها التي تغامر من أجل القضاء عليهم عبر "داعش" وأخواتها، فما يبدو للجميع سهل المنال لا تعرف مدى عناده وحبّه للحياة إلا تركيا التي تحاول باستماتة، وعبر مئات السنين، تذليل العقبات أمام إبادته وإلغاء وجوده.

وكالة أنباء آسيا

» كتب محمد سعيد حمادة: سقط نظامهم ...بقي نظامنا
» كتب محمد سعيد حمادة: المصطلحات الإجرامية!
» كتب محمد سعيد حمادة : الحل السياسي في سورية
» كتب محمد سعيد حمادة: الحوار في سوريا تحت راية بشر المقت
» كتب محمد سعيد حمادة: سوريا الجديدة.. دولة المواطن الممتاز