كتب محمد سعيد حمادة: سوريا الجديدة.. دولة المواطن الممتاز

كتب محمد سعيد حمادة: سوريا الجديدة.. دولة المواطن الممتاز
2013-01-26 11:57:56

إذا كانت الانقلابات تعقب النكبات فإن النكبة التي حلّت على السوريين خلال السنتين الماضيتين، لا بل هي نكبات كبيرة، فإن انقلابات عظيمة وهائلة ينتظرها السوريون بعد ما حلّ بهم وبوطنهم. وأول هذه الانقلابات هو سقوط عرف سياسي أخذ لبوسًا دستوريًّا على مدى عقود، وهو المحاصصة الطائفية التي جعلت أفراد المجتمع يلتصقون بطوائفهم بدل الانخراط الفاعل في الهيئة الاجتماعية الأوسع والانتماء الواعي للمجتمع السوري. هذه المحاصصة التي منعت مجرّد الحلم على كثير من السوريين أظنّها سقطت بعد زمن قليل من اشتعال الحرب على سوريا، وتبدّت في تعيين العماد الشهيد داوود راجحة وزيرًا للدفاع، وهو أرفع منصب عسكري بعد القائد العام للجيش والقوات المسلحة وهو رئيس الجمهورية. ولا أعتقد أن هذا القرار جاء فقط لتراتبية عسكرية يعرفها الخبراء، بل قرار تاريخي من الرئيس الأسد بأن سوريا هي لأبنائها المخلصين لها والمدافعين عنها، بعيدّا عن التوليفات السابقة والتقسيمات الرضائية الضمنية التي كانت تحكم المناصب العليا في الدولة. ومثال الشهيد راجحة ليس إشارة إلى دور فئة سورية دون غيرها من الفئات، بل للتدليل على أن ما حدث في سوريا قد غيّر فعلاً في تفكير السوريين من أنهم لن يقبلوا بعد ما عانوه إلا أن يكونوا مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، ولم يعد أحد من السوريين يقبل بأي شكل أو صيغة مواطنة من الدرجة الثانية أو تحتها، وإنما مواطن ممتاز لا يحدّ طموحه وأحلامه حدّ، وقدرته على الإنجاز هي مقياسه، وليس أي شيء أو معيار آخر. وقد بدا أن الرئيس الأسد أول من التقط هذا النبض، إن كان من خلال الإشارة السابقة أو من خلال ما قاله في خطابه في حزيران 2011 من أنه مع دستور جديد كليًّا يعلّم العالم الأجمع معنى الديموقراطية والدساتير العصرية. وكانت هذه الفقرة في الخطاب إشارة تعليمية إلى ما تعنيه الثورة وما يترتب عليها، وهي بمعنى آخر أنه لا يقبل إلا بأن تكون سوريا قاطرة وليست مقطورة.
لكن ما يجري اليوم من ممارسات يقوم بها الجميع، ممن يسمّون بالمعارضة الداخلية التي تسوّق للفكر التكفيري وتجد له المبررات والذرائع على الدوام على مبدأ "نكاية بالطهارة..." أو المعارضات الجديدة المشاركة منها في الحكومة أو التي تطمح إلى حصّة فيها علّ رياحًا ما تأتي بها إليها، هي على عكس ما يريد السوريون وما اقتنعوا به بعد أن فُتحت الجراح ولم يعد من خيار سوى استئصال الأورام التي أدّت بنا إلى كل هذه الآلام. فالأحزاب والحركات ممن هي مع وضد وبين بين، ولكل منها هدفه وبرنامجه، تقوم بما يُسمّى بالإعلام بالقمع المقنّع وإحدى "أدوات القهر" التي تسعى إليها هذه "النخب" هي تسويق فكرة التسوية السياسية التي هي جزء في الوقت نفسه من التضليل الذي تمارسه على الشعب كي تعيد الزمن السياسي إلى الوراء، وهو زمن العُرف السياسي الذي أغرق سوريا في محاصصة طائفية شنيعة ندفع ثمنها اليوم. ولا يخفى أن إحدى أهم "أدوات القهر" هي أسطورة الأكثرية والأقليات التي فُضحت وتعرّت وأصبح من واجب النخب المخلصة تدميرها والسير بالمجتمع نحو الانتماء للهيئة الاجتماعية الأوسع وهي الوطن الذي يحتاج عقول أبنائه وهممهم البنّاءة لا إلى قطيعية انتماءات منقرضة وخصوصيات "ثقافية" بائدة.
إن الذين يقومون بهذا التضليل إنما يستغلّون دماء السوريين العزيزة ليمارسوا قمعًا ممنهجًا على الناس بتجيير أهوائهم نحو تسويات تضعف البلاد وتقوّي الولاءات الفئوية، وهو ما يعني التحضير لانفجار قادم سيكون كارثيًّا وبنهايات لا يريدها إلا أعداء سوريا المتربّصين على الدوام. ولهذا لا نعلّق آمالنا إلا على الرئيس الأسد المتطّلع مع شعبه إلى سوريا جديدة وحديثة تئد أمراضنا الموجعة وأعرافنا البالية وتذكّر العالم بعظمة سوريا.

» كتب محمد سعيد حمادة: الحوار في سوريا تحت راية بشر المقت
» كتب محمد سعيد حمادة: سقط نظامهم ...بقي نظامنا
» كتب محمد سعيد حمادة: المصطلحات الإجرامية!
» كتب محمد سعيد حمادة : الحل السياسي في سورية
» معارك "داعش" التركية في "أطمة"...محمد سعيد حمادة