تاريخ الشيعة وسورية(ح 2): محسن الامين الشيعي..في دمشق شيخ مشايخ السُنة.

تاريخ الشيعة وسورية(ح 2): محسن الامين الشيعي..في دمشق شيخ مشايخ السُنة.

كتب خضر عواركة - عربي برس

كان السيد محسن الأمين سوريا قلبا وقالبا ولا يزال حي أقام فيه مدرسة في دمشق المعاصرة يحمل إسمه . ولم يكن رغم مرجعيته الدينية الشيعية محترما من الشيعة فقط بل كان مرجعا للسنة وللشيعة الدمشقيين لأنهم في تلك الفترة الحافلة بالتطورات التاريخية ذابوا جميعا في بوتقة الثورة والأحلام العربية القومية.
حين مات السيد محسن الأمين ورث عنه الزعامة الدينية للشيعة اللبنانيين رجل كان له إحترام وتبجيل في قلوب الناس هو السيد عبد الحسين شرف الدين. أقام هذا الرجل في مدينة صور ولكن نفوذ السياسيين الإقطاعيين في أوساط الرأي العام خصوصا في الجنوب اللبناني كان اقوى وأشد فاعلية من نفوذ السيد المعمم.
وشيئا فشيئا تضائلت قوة رجال الدين التقليدية في أوساط الفلاحين وإنتشرت حركات سياسية كانت تخبوا وتضطرم وفقا لإيقاع النظام اللبناني العنصري الذي عمل على تحسين بعض المناطق اللبنانية على حساب الأرياف والمناطق الحدودية أكان في الجنوب أم في الشمال أم في البقاع .
حاول أحد رجال السياسة الشيعة في أواسط الأربعينات إطلاق حركة إصلاحية في أوساطهم تدعو إلى العدالة في توزيع الثروة الوطنية والتنمية المدنية بين كافة المناطق والفئات اللبنانية، فقام الرجل بتأسيس حزب أسماه حزب الطلائع اللبنانية ، فألتحق به معظم الشبان الشيعة خصوصا من كانوا يقيمون في بيروت ويعملون في أعمال يومية وضيعة بسبب عدم تلقيهم للعلم الحديث و نتيجة لفقرهم ولقلة المدارس في مناطقهم.
كانت بيروت قاعدة كبيرة للشيعة في تلك المرحلة ولا تزال على الرغم من الإعتقاد السائد على نطاق واسع بأنها مدينة للسنة في أحيائها الغربية وللأرثوذكس في أحيائها الشرقية ، وهي كانت كذلك حتى بداية القرن السابق ، ولكن ذلك تغير مع موجات الهجرة الكثيفة من الريف الفقير إلى المدينة التي أصبحت عاصمة البلاد ، فقد سكنها عشرات آلاف الجنوبيين والبقاعيين الهاربين من فقر مناطقهم إلى البحث في العاصمة عن فرص عمل في أعمال وضيعة.
فكان منهم الحمالون في المرفأ وعمال البناء والباعة المتجولين ، ثم بدأت أسراب من المغتربين الشيعة بالتوافد إلى بيروت، بعد أن كانوا قد هاجروا في موجات متتابعة إلى افريقيا الغربية وإلى أميركا وكوبا في بداية القرن الماضي . عاد من حقق الثروة من هؤلاء إلى لبنان وإختاروا بشكل طبيعي أن يقيموا أعمالهم حيث توجد الخدمات الأساسية أي في العاصمة وجوارها. وقد أنشأ هؤلاء المؤسسات التجارية، وإستملكوا الأبنية والعقارات حتى صارت بيروت أيضا مدينة للشيعة بعد أن سكنها عشرات الآلاف منهم ، وأصبح لهم فيها أملاك وعقارات في حي الأشرفية الأرثوذكسي وفي أحياء المصيطبة وكركول الدروز وفي حي اللجا وفي خندق الغميق وفي البسطة وفي زقاق البلاط وفي عين المريسة وغيرها وصولا إلى الضواحي خصوصا الشرقية منها في برج حمود والنبعة حيث بلغ عدد السكان الشيعة عند إندلاع الحرب الأهلية أكثر من مئتي الف نسمة تهجر معظمهم بعد سقوط النبعة بيد ميليشيات الكتائب إلى قرى وبلدات في ساحل المتن الجنوبي كان يقطنها سكان أصليون بأعداد قليلة جدا وسط بساتين كثيفة، في برج البراجنة وفي الغبيري وفي حارة حريك وفي المريجة. هذه القرى التي كانت حتى أواسط السبعينات مجرد قرى صغيرة تحيط بالعاصمة من جهة الجنوب سرعان ما تطور فيها العمران حتى إنقرضت البساتين وإنتهت تلك القرى إلى أن تصبح جزءا كبيرا من غابة الأبنية التي تحيط بالعاصمة وتتلاحم معها ويسكنها اليوم ما يقارب المليون لبناني أغلبهم من أصول شيعية وهي التي تعرف بالضاحية الجنوبية المعقل الأقوى لحزب الله في لبنان .
كانت بيروت الصغرى قليلة السكان في مطلع القرن العشرين بحسب كتاب تاريخ لبنان الحديث (أقل من ثلاثين الفا) وكانت اشبه بقرية كبيرة لها مرفأ يعتبر ثانويا في الأهمية بعد مرفأ حيفا الإستراتيجي ، ولكن سقوط حيفا بيد الميليشيات الصهيونية وإعلان دولة إسرائيل أعطيا لمرفأ بيروت أهمية كبرى خصوصا لتجارة الترنزيت بين أوروبا وبين الدول العربية الخليجية، فشكل هذا المرفق الحيوي رافعة إقتصادية وإنمائية لبيروت .
ولأن فرص العمل كانت معدومة في الارياف ولأن الدولة لم توفر للقرويين شروط البقاء والعيش الكريم في قراهم ، حدثت هجرة من كل الارياف اللبنانية إلى العاصمة ، وتضاعفت أعداد الشيعة القاطنين في العاصمة منذ مطلع الثلاثينات حتى بلغ عدد المولودين منهم في العاصمة وضواحيها حاليا أكثر من نصف عدد الشيعة في كل لبنان.
وحتى يتهرب النظام اللبناني من المطالبات التي رفعها بوجهه حزب الطلائع بقيادة رشيد بيضون (مؤسسة الجمعية الخيرية العاملية) دعى قادة النظام الطائفي العنصري زعيما شيعيا آخر هو الإقطاعي أحمد الاسعد وسهلوا له إنشاء حزب مناويء لرشيد بيضون أسموه حزب التضامن .
فور إعلان الحزب بدأت الإشتباكات الأهلية بين شبان الشيعة تتوالى و تأخذ مكانها بدلا عن النشاط المطلبي الذي كان يفكر فيه رشيد بيضون حين أسس حزبه. وبعد أشهر من الإضطرابات الشيعية - الشيعية بين أنصار الفريقين في الجنوب وفي العاصمة خاصة ، سحب النظام برئاسة رياض الصلح وبشارة الخوري تراخيص الحزبين وحلوا هيئاتهما فإضمحلت زعامة رشيد بيضون المطلبية فكان أن كوفيء المأجور أحمد الأسعد وثبت زعامته على الساحة الشيعية بعطايا شخصية وبمناصب وزارية تبوأها هو أحيانا إلى أن أصبح رئيسا لمجلس النواب ومن ثم وصل إبنه كامل من بعده إلى نفس المناصب.
ظهرت بالطبع أحزاب ومنظمات ثورية في الساحة الجنوبية مثل الحزب السوري القومي الإجتماعي والحزب الشيوعي ولكنها لم تستطع أن تشكل موجات شعبية كبرى خلف أهدافها تدفع بالتغيير الديمقراطي أو الثوري قدما . وبقيت تلك الحركات الثورية محصورة على إتساعها النسبي أحيانا في أوساط المثقفين خاصة ، وهذه الفئة المتعلمة كانت فئة قليلة في أوساط الشيعة حتى بداية العقد السادس من القرن العشرين.
لكن موجة التسونامي الشيعية الشعبية ظهرت للمرة الأولى من خلال التأييد الكاسح الذي حظي به الخطاب القومي العربي الوحدوي للزعيم جمال عبد الناصر .
وعلى الرغم من أن مشروع عبد الناصر لم يتجاوز المطالبة بالوحدة العربية عامة دون ذكر للأقليات الدينية في العالم العربي، إلا أن مشروعه وطروحاته إجتاحت الشق المسلم من لبنان بسنته وشيعته حتى إضطرت بعض الزعامات التقليدية إلى التلطي خلف الشعارات الناصرية للحفاظ على زعاماتها وعلى شعبيتها بين الجماهير.
ومثلما تحمس الشيعة عامة للملكية السورية السنية الوحدوية دون أي إعتبار للموضوع الطائفي ، كذلك تحمسوا بشدة للزعيم التاريخي جمال عبد الناصر وإنتموا إلى الحزب الذي كان محسوبا عليه في لبنان وهو حركة القوميين العرب التي تأسست بعد الثورة المصرية (1952) بقليل .
وإذا ما إتخذنا من إنتشار شعبية حركة أمل وحزب الله حاليا كمثال للقياس، فإن أعضاء حركة القوميين العرب الناصرية في فترة ما قبل حرب العام 1967 كانت تماثل ما هي عليه اليوم شعبية كلا التنظيمين مجتمعين في الساحة الشيعية اللبنانية أي تسعين بالمئة منهم .
رفع عبد الناصر التوقعات والأحلام العربية بوطن عربي موحد من المحيط الأطلسي في المغرب إلى الخليج العربي الذي كان لا يزال محتلا من القوات البريطانية فحظي بتأييد الشيعة المطلق بكافة أطيافهم في لبنان كما في كافة الدول العربية . وقد نسي الشيعة اللبنانيين أي مطلب فئوي لهم في تلك الفترة وساروا خلف الشعارات الناصرية إلى أن هزمت إسرائيل مصر وسورية والأردن وإحتلت القدس والضفة وغزة وسيناء والجولان في حرب العام 1967 .
كانت تلك هي الصدمة التي دفعت بالجنوبيين خصوصا وبالشيعة عموما إلى أحضان الماركسية والحركات الفدائية. فحلت التنظيمات الفلسطينية و اليسارية والشيوعية مكان المد القومي الناصري . وورثت حركة فتح الفلسطينية جزءا كبيرا من أنصار عبد الناصر في الأوساط الشيعية فحلت في المقام الأول بالنسبة لتأييد الشارع الشيعي للعمل القومي العربي ضد إسرائيل.
أثرت الشعبية التي إكتسبها الفدائيون الفلسطينيون على وضع الزعامات التقليدية التي لم تضمحل قوتها ، ولكنها ضعفت كثيرا ولم يعد لها نفوذ واسع لولا النفوذ الرسمي الذي كانت توفره لها أجهزة النظام الطائفي اللبناني.

» تاريخ الشيعة وسورية (ح3): الثورة الفلسطينية...من الاردن السني الى قلوب الشيعة في جنوب لبنان
» عن شيعة لبنان وسورية ....جذع جعفري في سنديانة السُنة
» الجيش يكثف ضرباته على أوكار الإرهابيين ويقضي على العشرات منهم في أرياف دمشق ودير الزور ...تقرير:محسن جامع ونور جبور
» رئيس الامن القومي بالبرلمان الايراني بروجردي الى دمشق ..وفد برلماني ايراني يزور لبنان وسورية
» دام برس تستطلع أراء الناس بعد الاعتداء الاسرائيلي السافر على دمشق .. صامدون وسورية ستقوم من جديد والنصر آت