تاريخ الشيعة وسورية (ح3): الثورة الفلسطينية...من الاردن السني الى قلوب الشيعة في جنوب لبنان

تاريخ الشيعة وسورية (ح3): الثورة الفلسطينية...من الاردن السني الى قلوب الشيعة في جنوب لبنان

خضر عواركة - عربي برس

حتى العام 1970 كان المقر الرئيسي للثورة الفلسطينية في الأردن، وقد هاجر عشرات آلاف الشبان الجنوبيين الشيعة عموما إلى ساحات التدريب والقتال تحت راية الثورة الفلسطينية، وحين وقعت الواقعة بين الجيش الأردني وبين المسلحين الفلسطينيين، فيما يسمى بأيلول الأسود، هرب المقاومون الفلسطينيون إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وإستقروا في القرى الجنوبية الحدودية وإتخذوها مقرا على قاعدة إتفاق وقعه ممثل منظمة التحرير الفلسطينية مع الجيش اللبناني في القاهرة عام 1969 وفيه سمح النظام اللبناني للفلسطينيين بحرية الحركة في محور العرقوب الحدودي المتاخم لفلسطين وللجولان السوري المحتل وذلك تحت ضغوط شديدة من عبد الناصر ومن الشعب اللبناني في شقه المسلم عامة والشيعة منهم خاصة وكانوا مساندين للفدائيين ويريدون منحهم حرية القتال ضد إسرائيل إنطلاقا من قراهم ومدنهم الجنوبية مع علمهم بالتضحيات التي تنتظرهم.
كانت المنظمات الفلسطينية وخاصة حركة فتح ، تعيش في واقع مادي فقير جدا إلى درجة أن عناصرها توزعوا المهام بين من يشنون عمليات هجومية في داخل فلسطين إنطلاقا من العرقوب وبين من يجمعون التبرعات والطعام والخبز لآلاف المقاتلين الذين تعودوا أكل الأفاعي والوحوش البرية.
كانت الأم اللبنانية الشيعية تفتخر من منطلق قومي عربي لا طائفي بأن ولدها يقاتل مع الفدائيين الفلسطنيين وتحت قيادتهم (وهم سنة ) ولم يكن لدى الرأي العام الجنوبي خاصة والشيعي عامة أي مزاج طائفي رغم حس الإنتماء الطبيعي إلى الجماعة، إلا أن الزعيم السياسي الأكثر شعبية في أوساط الشيعة بين منتصف الخمسينيات وبداية السبعينيات كان جمال عبد الناصر ، وبعد وفاته حل مكانه في مقام زعامة الشيعة المطلقة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات .
من هنا وجدت الحركات اليسارية الماركسية والقومية العربية كل تأييد في أوساط الشيعة في سنوات نهاية العقد السادس وحتى نهاية العقد السابع من القرن العشرين، وقد سيطرت تلك الجهات السياسية العلمانية مع المنظمات الفلسطينية على المزاج الشعبي الشيعي الذي لم يكن متعصبا بطبيعته حتى في القرون الماضية ، حيث يحمل التراث الشعبي الجنوبي والبقاعي الشيعيين قصصا العشق الاسطورية وكان مراسم الإحتفالات بالأعراس مختطلقة وكانت الفتيات والشبان يرقصون الدبكة في بداية القرن الماضي على ما يذكر كبار السن وهم متشابكوا الأيدي وأمام أهاليهم مع وضع محرمة قماش بين ايدي بعضهم البعض تمسكا بالدين الإسلامي الذي يحرم ملامسة الفتاة لرجل غريب قبل الزواج منه .
كان السيد عبد الحسين شرف الدين ذو تأثير شعبي محدود حين توفي في العام 1958. وقد أوصى هو نفسه بـأن يرث عنه المنصب الغير معلن - كزعامة دينية شيعية في لبنان- قريب له إيراني المولد والجنسية من أصول لبنانية إسمه موسى الصدر وهو رجل دين من أم إيرانية ووالد لبناني .
إضافة إلى كونه عالم دين حوزوي كان السيد موسى الصدر شابا يافعا بهي الطلة وسيم الوجه على بسطة في طول وصاحب هيبة. وكان أيضا جامعيا درس الحقوق في جامعة طهران ويحمل شهادته الأكاديمية منها ، و ربما كان المعمم الأول الذي حمل شهادة جامعية إضافة إلى دراسته الدينية في إيران وخارجها على الصعيد الشيعي .
منذ نهاية الخمسينيات، عمل السيد موسى الصدر على بناء قاعدة شعبية له ، ولكن الإشارات الأولى لإكتسابه تأييد أعداد واسعة من الشيعة اللبنانيين ظهرت حين أعلن عن عمل فعلي لصالح القضية الفلسطينية وهو قام فعلا لا قولا بتأييد النضال الفلسطيني بكل ما أوتي من قوة، وقد عمل (بحسب ما يشهد عليه تاريخه المدون) على نشر ثقافة المقاومة ضد إسرائيل بخلفية دينية .
ولأن الرأي العام اللبناني والعربي عامة كان مشدودا إلى العمل الفدائي الفلسطيني، فقد جاءت دعوة السيد موسى الصدر إلى اللبنانيين لحمل السلاح مع الفلسطينيين لتؤكد المؤكد وهو أن الشارع الشيعي اللبناني كان شارعا فلسطيني الهوى بلا منازع .
دعوة السيد الصدر إلى إنشاء مقاومة لبنانية ضد إسرائيل تساند الفلسطينيين لقيت تجاوبا من ياسر عرفات ففتح معسكراته لعناصر تابعة للسيد الصدر ودربهم على فنون القتال وعلى حرب العصابات، وسرعان ما إكتسبت حركة السيد موسى الصدر صبغة شعبية كبيرة بدفع من دعمه للمقاومة وبسبب حب الناس للفدائييين وشغفهم بموضوع تحرير فلسطين والاراضي العربية المحتلة.
ينظر البعض إلى حركة السيد موسى الصدر بوصفها حركة طائفية ، بينما الإنصاف في دراسة أسباب الفورة الشعبية التي ساندته بداية من عقد السبعينيات يقتضي أن نذكر بأنه سحب البساط جزئيا على الصعيد الشيعي من تحت الزعامات التقليدية ليس بسبب رفعه لشعارات مطلبية تخص وجع الناس وحرمانهم من حقوقهم الوطنية فقط، بل لأنه رفع راية المقاومة بخلفية دينية.
المقاومة تعني إحتمال الموت، والموت يدعوا الإنسان إلى التفكير بما بعده، ومن هنا بدأت الموجة الدينية في الإنتشار قبل الثورة الإسلامية الإيرانية وقبل ظهور الحرس الثوري الإيراني، وقبل ما يسمى بالصحوة الإسلامية التي يمكن إعتبار أن تاريخ إنطلاقها مرتبط بتاريخ إنتصار الثورة الإسلامية في إيران .
ولم يكن إهتمام السيد الصدر محصورا بلبنان وفلسطين ، فهو سامد أيضا حركة السيد الخميني في إيران ضد الشاه وكذا فعلت حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقد ساندوا - كل على طريقته - المعارضة الإيرانية ضد الشاه وخصوصا التيارات الإسلامية والماركسية منها .
ولطرافة القدر فإن ما يقال اليوم عربيا وغربيا عن التدخل الإيراني في شؤون المقاومة الفلسطينية، قاله أنصار الشاه رضا بهلوي عن المعارضة الإيرانية حيث إتهموهم بأنهم أدوات للمخربين العرب في إيران وأنهم عملاء لأنظمة الرفض العربية. (جبهة الرفض العربية كانت تضم ليبيا وسوريا واليمن الجنوبي الذي كان إشتراكيا إضافة إلى الجزائر). ولسخرية القدر أيضا وأيضا فإن أول وزير للدفاع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عاش وتدرب وقاد كتائب لحركة فتح أولا ثم لحركة أمل ثانيا قبل إنتصار الثورة في إيران وهو مصطفى شمران الذي قتل وهو يقاتل ضد الغزو العراقي لبلاده .
ويمكن بكل بساطة أن نسجل هنا بأن من يتم التشكيك بولائهم العربي ومن سماهم أحد الرؤساء العرب بأنهم طابور إيراني في لبنان (أي الشيعة ) لم يمحضوا تأييدهم لرجل دين من كباررجالات طائفتهم وهو موسى الصدر إلا حين بدأ يعمل بشكل فعلي على مقاومة إسرائيل وبهدف معلن هو الدفاع عن البندقية الفلسطينية وعن لبنان حتى تحرير فلسطين (لا لبنان لأنه لم يكن محتلا).
حركة السيد موسى الصدر لم تأخذ الكثير من درب اليسار اللبناني والقومي العربي، فقد بقيت الأحزاب العلمانية قوية جدا في الساحة الشيعية الجنوبية خاصة، (بعلبك الهرمل كانت السباقة إلى الإلتحاق بزعامة موسى الصدر) إلا أن هذا الأمر بدأ بالتراجع بالتزامن مع إختفاء السيد موسى الصدر ومع إرتفاع منسوب تجاوزات المنظمات الفلسطينية التي تخاذلت القوى اليسارية عن مواجهتها وساندتها في بعض الأحيان فبرزت حركة أمل في ساحة التصدي لها خاصة بعد إختطاف الصدر عام 1978.
كان الفدائيون من مقاتلي منظمة التحرير قد إنتقلوا من خنادق الكفاح المسلح ضد إلى إسرائيل إلى مراكز ومواقع عسكرية وسط القرى والمدن اللبنانية مع إندلاع الحرب الأهلية وتورط منظمة التحرير فيها ، فإنتقل الكفاح الفلسطيني لتحرير فلسطين من حالة مقدسة في نظر الشيعة يتوجب دعمها إلى حالة شاذة من حالات الميليشيا الفوضوية التي لا يسيطر على تصرفات عناصرها إلا رغباتهم الشخصية بالثروة ولو بالنهب وبالبيوت ولو بالإحتلال وبالسلطة ولو على الطريقة المافياوية .
ما رآه الشعب الفلسطيني من تجاوزات الشرطة الفلسطينية في غزة وفي الضفة بعد العام 1994 لا يمكن مقارنته سؤا بما فعلته المنظمات الفلسطينية في لبنان .
العدو الإسرائيلي قصف مدينة النبطية مرارا ولكنه لم يستطع تهجير سكانها الذين تمسكوا بأرضهم وببيوتهم ، ولكن المسلحين الفلسطينيين الذين إحتلوا تلالها أولا ثم بيوتها ووسطها ثانيا، تعدوا وتجبروا ومارسوا الرذائل بحق المدنيين من ابنائها حتى هرب منها كل أهلها إلى خارجها ليس بسبب العدوان الإسرائيلي الذي إستمر على تقطع منذ العام 1948 وإشتد مع إجتياح العام 1978 وإقامة الشريط الحدودي وسيطرة العملاء عليه، بل هرب سكان النبطية بسبب الرذائل التي مارسها ضدهم المسلحين الفلسطينيين دون رادع جدي من قادتهم !
كانت بداية العلاقة الجنوبية مع الفلسطينيين نموذجية جدا وطوباوية لناحية الإستعداد الجنوبي للتضحية بكل شيء من أجل تحرير فلسطين، أما وأن يتحول الفدائي إلى قاطع طريق وسارق وفارض خوة وقاتل ومدمر للقرى ، فذاك ما دفع بالرأي العام الجنوبي إلى أحضان التنظيم الذي أنشأه موسى الصدر كرديف لحركة فتح ومعين لها في قتال إسرائيل ثم تحول بعد إختطافه إلى بديل الجنوبيين الطائفي عن رذائل الفدائيين .
في تلك المرحلة (1979- 1982 ) كانت حركة أمل ضعيفة جدا في مواجهة كافة التنظيمات الفلسطينية واليسارية الصامتة عن تجاوزات المسلحين الميليشياويين ، ولكن تصديها للتجاوزات جعلها تحظى بدعم قوي جدا من الرأي العام الشيعي خاصة واللبناني عامة وخاصة من سنة صيدا و بيروت الذين عانوا من تجاوزات الفلسطينيين ما عاناه الشيعة فإندلعت إشتباكات بين تنظيم سني في صيدا وبين الفلسطينيين وأخرى بين تنظيم سني في بيروت وبين الفلسطينيين .
كانت أمل قد اصبحت بعد إختفاء السيد موسى الصدر تحت قيادة السيد حسين الحسيني ومن ثم وصل إلى سد رئاسة مجلس قيادتها الرئيس نبيه بري في العام 1979.
الممارسات الفلسطينية الشاذة أخرجت الجسم الفدائي الشيعي من حركو فتح ، وساعدت حركة أمل على إكتساب ولاء العديد من القيادات اليسارية والقومية التي لم تعجب بصمت قياداتها وخضوعها لمنظمة التحرير فإستفادت حركة أمل وتوسع نفوذها بالوفدين الجدد ومعظمهم كوادر مجربة فكانت النتيجة إزدياد ضراوة الإشتباكات بين أمل والمنظمات اليسارية والفلسطينية خاصة وأن زعيم أمل الجديد نبيه بري دعا إلى اللجوء إلى حضن الدولة العادلة وهو ما إعتبره اليسار والفلسطينيين تحالفا شيعيا مارونيا ضدهم .
وسط تلك الفوضى في لبنان تشتت كتيبة الجرمق النموذجية في حركة فتح ، وهي التي كانت تضم خيرة الطلاب والمثقفين والجامعيين اللبنانيين والعرب والدوليين المساندين للقضية الفلسطينية ، وخرج منها كوادرها واحدا بعد الآخر إلى الحياد أو عادوا إلى بلادهم الأصلية .كانت حركة فتح في مرحلة كفاحها الذهبية ضد إسرائيل قد قسمت مجموعاتها التنظيمية وفقا لقناعات عناصرها، فكان للناصريين مجموعاتهم، وللإسلاميين مجموعاتهم، وللماويين مجموعاتهم ورموزهم ، وقد وجدت المجموعات الإسلامية داخل فتح أن مكانها الطبيعي هو في تحالف وثيق مع الثورة الإيرانية ففتح كثير من رموز الكتيبة الجرمق والكتيبة الطلابية والتيار الإسلامي في فتح علاقات شخصية نضالية مع رموز الثورة الإيرانية الذين كانوا أصلا عناصر تعمل تحت قيادتهم في فتح مثل مصطفى شمران ومحمد صالح الحسيني وحتى مصطفى الخميني وشقيقه أحمد تدربا أيضا في معسكرات كتيبة الجرمق بحسب أحد عناصر تلك الكتيبة وهو الماوي السابق والإسلامي الحالي محمد صادق الحسيني .

هكذا خرج من حركة فتح قادة ثوريين يحملون إعجابا شديدا بالثورة الإيرانية فتعاونوا مع رجالها بعد خيبة أملهم بحركة فتح ، وقد سافر بعضهم إلى إيران وتدربوا في معسكراتها وساعدوا إستخباراتها في وقت مبكر جدا مثل أنيس نقاش الذي سجن في باريس لعقد من الزمن على خلفية مشاركته في محاولة إيرانية لإغتيال آخر رئيس حكومة قبل الثورة وهو شهبور بختيار ما جعل من أنيس النقاش في عيون الغرب إرهابيا يعمل لمصلحة إيران ، مع أن العشرات من القادة الإيرانيين لم يكونوا سوى تلاميذ لأنيس النقاش في معسكرات تدريب حركة فتح قبل إنتصار الثورة الإيرانية .

شخص آخر قيل عنه في الغرب أن ينفذ العمليات الإرهابية لصالح إيران ، وهو أيضا مثل أنيس النقاش كان عضوا في فتح وفي الكتيبة الطلابية المسماة كتيبة الجرمق ، إنه عماد مغنية مؤسس وقائد الجناحين العسكري والأمني لحزب الله منذ العام 1982 وحتى مقتله في عملية إغتيال نفذتها أجهزة مخابرات دولتين عربيتين خليجيتين لصالح إسرائيل .

(ح1):

http://www.arabi-press.com/?page=article&id=72333

(ح2):

http://www.arabi-press.com/?page=article&id=72334

» تاريخ الشيعة وسورية(ح 2): محسن الامين الشيعي..في دمشق شيخ مشايخ السُنة.
» المقداد : الثورة الإيرانية انتصار لإيران وسورية
» "خيوط اللعبة ,,,, لبنان وسورية حرب واحدة" .....بقلم "سامي كليب"
» عن شيعة لبنان وسورية ....جذع جعفري في سنديانة السُنة
» صحيفة “الثورة”تحذر الاردن: من يلعب بالنار تحترق أصابعه