عن شيعة لبنان وسورية ....جذع جعفري في سنديانة السُنة

عن شيعة لبنان وسورية ....جذع جعفري في سنديانة السُنة

كتب خضر عواركة - عربي برس

يذكر المؤرخون بأن الشيعة رفضوا أولا المشاركة في الثورة العربية الكبرى التي ثار خلالها العرب ضد العثمانيين . كان الولاة العثمانيون السنة متطرفون أحيانا في مكافحتهم لبؤر التمرد الشيعية حيث عاقبوا الطائفة بشكل كامل أحيانا بسبب تمرد ثائر هنا أو هناك من أبنائها . ومع ذلك كان رأي علماء الدين الشيعة وزعمائهم السياسيين في بداية الحرب العالمية الأولى أن الولاء للسلطان العثماني المسلم واجب ولو كان ظالما في مواجهة البريطانيين والفرنسيين الغزاة.
لكن بعد إعلان الشريف حسين وأبنائه وهم حلفاء بريطانيا ومفجري الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين (1917 – 1920) أن هدفهم هو إقامة دولة موحدة تضم المقاطعات العربية الخاضعة للعثمانيين تحت راية الإسلام تغير موقف الشيعه و شاركوا بفاعلية في الثورة العربية وإنتقلت مجاميع من الجنود الشيعة في الجيش العثماني بأسلحتها إلى صفوف ثورة الشريف حسين وهو قائد سني من أشراف مكة .
ثم بعد الحرب وحين أعلن الأمير فيصل نفسه ملكا على سوريا أيده الشيعة اللبنانيين وبايعوه.
وحين بدأ الإجتياح الفرنسي لسوريا لوضعها تحت الإنتداب المباشر ولطرد ملكها عن عرشه إلى العراق ، هب الشيعة اللبنانيين إلى مناصرة الملك السوري .
وحين أعلن الجنرال غورو عن إنشاء دولة لبنان الكبير، عقد الشيعة اللبنانيون مؤتمرا عاما في وادي الحجير(جنوب لبنان) أعلنوا في ختامه رفضهم لتقسيم سوريا وأعلنوا تمردهم على سلخ أجزاء منها وضمها إلى دولة لبنان الكبير في العام 1920. على الرغم من أن إنضمامهم للبنان المولود حديثا سيجعل منهم قوة سياسية وعددية وسط مليون لبناني بينما بقائهم في الكيان السوري كان يعني من الناحية الطائفية أمرا آخر هو أن نفس عددهم سيحسب في مقابل بحر السنة السوريين .
هذا الموقف المناهض للإحتلال الفرنسي ومشاركتهم المسلحة في الثورة السورية الكبرى لم يكن ينطلق من نظرة طائفية تسعى لتحقيق مصالح طائفة بل هي مواقف لها بعد عربي شامل لا يأخذ الطائفة ككيان سياسي بل كهوية ثقافية هي جزء من كيان الأمة الشاملة التي كان يختلط فيها مفهوم العروبة بالإسلام .
مواقفهم المقاومة للفرنسيين ورفضهم الإنضمام للبنان الكبير ( من أصغر بلاد العرب ) أدى إلى تهميشهم و إلى تهميش مناطقهم من قبل ثنائية مصلحية نشأت برعاية فرنسية بين النخب الأرستقراطية السنية في المدن والمارونية في جبل لبنان وسط البلاد خصوصا حينما عمل الإحتلال الفرنسي على إستمالة بعض الزعماء الشيعة الذين قبلوا بالخيانة والعمالة مقابل منافع شخصية تتجاهل حتما مصالح عامة الناس ، و بعدما تحول بعض قادة الثورة العربية في منطقة الجنوب اللبناني وفي البقاع الشمالي إلى أدوات للإنتداب الفرنسي بلغ الإهمال أشده لأنه كان مغطى بقشرة محلية وافقت على لعب دور مسكن الآلام والمحبط لعزائم الرافضين والثائرين على الإهمال الإنمائي وعلى القهر السياسي .
وزع ميثاق 1943 المناصب الكبرى في البلاد توزيعا طائفيا - وهو إتفاق جنتلمان غير مكتوب بين قادة الطوائف المارونية والسنية- فأعطى السلطة السياسية الأولى في البلاد لرئيس الجمهورية الماروني وأعطى منصب قائد القوة العسكرية لضابط ماروني وكذا الأمن العام والمخابرات، بينما أعطيت رئاسة الحكومة بلا صلاحيات تنفيذية (قبل إتفاق الطائف الذي تحول إلى دستور للبلاد في العام 1989 ) إلى السنة، وكذا الجندرمة التي أصبحت قوى أمن داخلي تحت قيادة ضابط سني.
أما الشيعة وكانوا من أكبر طوائف لبنان عدديا فقد نالوا منصب رئيس البرلمان وهو منصب غير تنفيذي .
كانت تلك القسمة نتاج لتعداد فرنسي للسكان وفقا للإنتماء الطائفي وقد أجراه الفرنسيون لأول مرة العام 1932 ولم يجري بعده أي تعداد للسكان إلى يومنا هذا.
رضي الشيعة اللبنانيون بما قسمه النظام لهم على صعيد إدارات الدولة على قلته وبقيت بعض المراكز إلى الآن محرمة عليهم .
خضع الشيعة للحرمان في مناطقهم وتعاملوا مع الأمر على أنه القدر الذي لا يرد فنزح الكثيرون منهم إلى المهاجر في بيروت وإلى الخارج – إلى أفريقيا على وجه الخصوص وإلى أميركا الشمالية (ديربورن ) – هربا من الفقر في مناطقهم التي كانت تحتاج لكل شيء بما فيها بديهيات الحياة المدنية من طرق ومدارس ومياه ومجاري وكهرباء.
زعامتهم السياسية كانت محصورة بيد عدد محدود من الأشخاص يتوارثون الحكم عن أبائهم ويورثونه لأبنائهم على الطريقة القبلية ، وأما الزعامة الدينية فلم تكن فاعلة حقا وكانت تخضع في أغلب الأحيان لموازين القوى بينها وبين البكوات الإقطاعيين وزعماء العائلات الغنية إما تقاعسا وإما لعدم قدرتها على حسم المعركة مع هؤلاء المتمتعين بدعم شعبي كاسح يفوق بكثير ما يتمتع به رجال الدين الذي كان الزعيم الإقطاعي أو البيك قادرا على الإستعانة بمن يقف بوجههم من رجال الدين الموالين له إن وقفوا في وحهه .
معظم زعماء الشيعة التقليديين في بداية القرن العشرين ، بدأو حياتهم السياسية كزعماء ثوريين ومناضلين عروبيين، ثم إنتهوا جميعا بعد الإستقلال إقطاعيين يرضيهم النظام بتسيير مصالح شخصية لهم فيسكتون عن حرمان المناطق التي يمثلون أهلها في الوزارة أو في البرلمان أو في الحياة السياسية.
والقول المشهور عن أحمد الأسعد " الجد" في أعوام الخمسينيات لم يكن إلا نموذجا عن تفكير الزعامات السياسية الشيعية اللبنانية فيما يخص مصالح من يمثلون.
بعض أنصاره أتوا يطالبونه بالسعى لدى وزارة التربية لإنشاء المدارس في قراهم وفي مدن الجنوب الكبرىكمدينة صور وبنت جبيل والنبطية ومرجعيون وحاصبيا فرد عليهم قائلا :
لقد أرسلت لكم إبني كامل بيك إلى أفضل المدارس ليتعلم ، آلا يكفيكم ذلك ؟ هل تريدون أن يصبح إبني أستاذ وابنائكم أساتذة ايضا ؟
هذه الواقعة التي شهد عليها الكثيرون وأدلوا بأقوالهم بصحتها علنا هي النموذج الفعلي والحقيقي عن عقلية الإقطاع الشيعي الذي تحكم بالناس عبر عاطفتهم وبسبب جهلهم .
في مقابل هذه الزعامة السياسية الفاشلة والخائنة، برزت في الأوساط الشيعية حركة دينية ورثت نشاطها وإحترامها بين الناس عن التراث الشعبي الذي يخضع لرجل الدين بصفته رجل علم منزه عن الغايات الشخصية ، وقد برز في هذا المجال كل من السيد محسن الأمين والسيد عبد الحسين شرف الدين.
الأول كان البعض يعتبره المرجع الأعلم للشيعة في فترة سبقت سقوط السلطنة العثمانية وعاصرت بدايات الإنتداب الفرنسي على لبنان وعلى سوريا.

(ح2):

http://www.arabi-press.com/?page=article&id=72334

(ح3):

http://www.arabi-press.com/?page=article&id=72335

» تاريخ الشيعة وسورية(ح 2): محسن الامين الشيعي..في دمشق شيخ مشايخ السُنة.
» تاريخ الشيعة وسورية (ح3): الثورة الفلسطينية...من الاردن السني الى قلوب الشيعة في جنوب لبنان
» كمين «النصرة»: إحراج لبنان وسورية أم استدراج عروض؟
» "خيوط اللعبة ,,,, لبنان وسورية حرب واحدة" .....بقلم "سامي كليب"
» لبنان وسورية: أزمة التأشيرة تفتح الحوار الحكومي بتفويض إبراهيم