زيارتي الإفتراضية للشهباء - بقلم: بروفيسور نهلة عبدو

زيارتي الإفتراضية للشهباء - بقلم: بروفيسور نهلة عبدو

تأتي زيارتي الإفتراضية هذه بعد حدثين مهمين في سوريا: الأول تمثل بالهجوم الإسرائيلي الأخيرعلى دمشق والذي هدف إلى مساندة ورفع معنويات الما يسمى بالجيش الحر وكذلك إزالة اي شك لدى العاقلين منا في أن ما يحصل في سورية هو بالفعل حرب كونية هدفها تدمير سوريا وإبعادها عن محور المقاومة وإفساح المجال لسيطرة كولونيالية إستعمارية للشرق الأوسط: والحدث الثاني تمثل بالزيارة التي قامت بها "قافلة نبض الحياة" لأحد المخيمات السورية في طرف من أطراف محافظة حلب على الحدود السورية-التركية. سأركز هنا على الحدث الثاني لأهمية رمزيته في خطاب "الربيع العربي" والمقاومة والديمقراطية لدى مجموعة من مثقفينا وفنانينا وأكاديميينا. لن أدخل في حيثيات الحدث الأول مع أهميته ودلالاته بالذات لأفراد هذه القافلة وغيرها من القوافل ولكن أود الإشارة إلى قضية واحدة وهي أنه لايمكننا فصل ما يحدث من تدمير ممنهج لسوريا ودور إسرائيل والإمبريالية الأمريكية بدعم المجموعات المسلحة بشكل غير مباشر (تسليح‘ تموين‘ تدريب‘ تمويل...) ومباشر كالهجوم الإسرائيلي الأخير والذي سبقه قبل أشهر قليلة.
ما يعنينا هنا هو محاولة فهم المغزى الحقيقي لما وراء حركات أوقوافل كتلك التي نحن بصددها هنا‘ أي "قافلة نبض الحياة". فللوهلة الأولى وبعد قراءة أهداف هذه الحملة ينطبع المتتبع بإيجابية عالية. فمن أهداف هذه القافلة كما جاء في موقعها على الإنترنت نقرأ: "زيادة الوعى العربى و الدولى بحجم الأزمة الإنسانية التي يعانيها المدنيون السوريون النازحون جراء الأحداث التى تعيشها سورية على مستوى اللاجئين فى دول اللجوء أو على مستوى الداخل السورى‘ تشجيع المجتمع العربى (والعالمي) أفرادا و مؤسسات على تقديم و زيادة الدعم الإنسانى اللازم للشعب السورى فى أزمته الحالية.. تعريف المجتمعات المختلفة بعمل المؤسسات الإغاثية فى الأزمة و أثر المساعدات التى تقدمها فى تحسين الحالة الإنسانية للسوريين على مستوى اللاجئين أو النازحين و المتضررين فى الداخل السورى والتعبير عن التضامن مع الشعب السوري في ظل صمت عالمي يتجاهل معاناتهم وما يتعرضون له مع توضيح حجم الإنتهاكات والمخاطر التى تتعرض لها الفئات الأكثر عرضة للمخاطر فى مثل تلك الظروف من الأطفال و النساء و كبار السن و أهمية تقديم الدعم الفورى اللازم لمعالجة ذلك وتحسين سبل العيش لهم..." أهداف سامية لا يتنازع عليها إثنين!
هذا وبالذات حين تعرف "قافلة نبض الحياة" عن ذاتها بأنها مجموعة مستقلة تتمتع "بالشفافية، مسئولية وعدم إنحياز، تستهدف تقديم خدماتها لكافة الفئات المتضررة بغض النظر عن اللون أو الدين او العرق أو المرجعية الثقافية أو السياسية. وهو الأمر الذى تلتزم به كافة الجهات والمجموعات المشاركة فى هذا العمل وتؤكد عليه إنطلاقا من أن الإنسان المحتاج هو المستهدف وأن حاجته ومعاناته تمثل المعيار الوحيد المحدد لإستهدافه." ولكن الترجمة الإنجليزية التي تتبع هذه الجملة تأخذ شكلا مختلفا كليا والذي يقول بأن "عمل هذه القافلة نابع من دوافعنا الأخلاقية (والأخلاقية) – فهنا استخدمت كلمتان إنجليزيتان رديفتان ( moral and ethical)- الإنسانية والرامية إلى ايجاد حل قانوني خلاق‘ وبإستعمال أساليب وطرق مسؤولة ومعتمدة (خارج مناطق النزاع) لمساعدة الإنسان السوري والتخفيف عن معاناته"![i]
قبل الوصول إلى الترجمة الإنجليزية أو بالأحرى للأصل الإنجليزي ودلالاته السياسية والمروعة تبدومهمة "القافلة" وللوهلة الأولئ بأنها مهمة محض إنسانية ولا غبار عليها. ونضيف هنا نعم يحتاج اليها الإنسان السوري بشكل عام والقوى المستضعفة منه (من النساء والأطفال والشيوخ )– المجموعة الأكثر عرضة لإنتهاك حقوقها في الحروب – بشكل أخص. ولكن وبعد تمحيص أعمق وليس فقط في النص الإنجليزي لهذه المهمة بل وكذلك في كل الأمور اللوجستية والأيديولوجية والموقف السياسي والهدف الإستراتيجي الحقيقي لهكذا حركة (إن قدر لها أن تعيش أطول!) يتضح أننا بصدد مخطط أو محاولة لمخطط غير برئ ولا حيادي ولا مستقل والأهم من هذا كله أبه مسيسا ومنافيا للقيم والأخلاق.
بدون الدخول إلى تفاصيل تركيبة هذه القافلة يكفي التذكير بأن القييمين على هذه القافلة من قطر ومباركة شيخ التحريض القرضاوي (الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ) ومن المجلس الوطني السوري أو ما يسمى بمجلس إسطنبول (لكون مؤسسيه والراعين له هم الأتراك) ومباركة جورج صبرا (رفيق الأمس‘ أخ ومجاهد اليوم والداعي للتدخل الأجنبي في سوريا) ومجموعات إخوانية من مصر وتونس والأردن والسعودية والمغرب وتركيا. أما التمويل فإما من الجميع أو حسب طاقة كل جهة (والطاقة القطرية كما نعرف كافية ووافية).
وهكذا تبدأ الرحلة من تركيا: تركيا الغير حيادية وغير مستقلة والأهم من هذا كله الغير أخلاقية والتي تباكت على أبواب الإتحاد الأوروبي للتدخل العسكري في سوريا وبدلا من هذا وضعت الباتريوت على حدودها مع سوريا .. أما عن أخلاق تركيا النظام فحدث ولا حرج: من ينسى دور تركيا والمنسق والموجه بالأساس مع الإمبريالية الأمريكية في تدريب وتسليح وزج مسلحين ومرتزقة من كل دول العالم إلى سوريا؟ من ينسى دور تركيا الغير إنساني والغير أخلاقي في سرقة أكثر من ألف مصنع من حلب؟ هذا الجزء المسكين من النازحين في حلب والذين بكتهم "قافلة الحياة" ولأجلهم "صرخت ريم بنا بوجه مؤيدي بشار بيننا" (أنظر حديث الناس 3-5-2013) من هجرهم ومن حولهم إلى لاجئين ولماذا الآن؟. في هذه النقطة أود التوجه إلى القافلة وبالذات إلى إبنة بلدي ريم بنا والتي أحترمها كإنسانة وكفنانة أن تصرخوا بوجه تركيا وقطر والسعودية والإسلاميين المتشددين. فيا عزيزتي ريم الذين منا لا "يتهمون الثورة انها ممولة من قطر" كما تقولين. هم يعلمون قطعا بأن قطر تمول ما يسمى بالثورة بإرادتها وقصدا وبدون خجل أو إحراج. الأحرى بنا أن نصرخ بوجه كل الذين يريدون القضاء على سوريا أو تحويلها إلى إمارة إسلامية وعلى رأسهم الشيخ رائد صلاح والذي أبدعنا بفتوته الأخيرة ل"فتح الشام وجعلها قلعة للإسلام" فحسب قوله: فإن النبي صلى الله عليه وسلم "بشر بان مصرستفتح وفتحت وتحولت قلعة للإسلام كما أنه بشر بأن القسطنطينة ستفتح وفتحت القسطنطينة وتحولت إلى قلعة للإسلام.... وأن الشام والتي تضم سورية ولبنان والأردن وفلسطين كلها يجب أن تكون إمارة إسلامية واحدة" (أنظر www.onsursyria.com.en ). لا هذه الفتاوي ولا فتاوي القرضاوي تستحق منا التوقف عندها! فقضية السيطرة الإسلامية المتشددة وتحويل سوريا إلى إمارة ليست إبتلاء على أحد ولا تجني ولا إتهام: هو ما يفتي به الكثيرون!
تترك القافلة تركيا وتهرب أو تهرب (بضم التاء) بطريقة غير شرعية وغيرقانونية تحت حماية "الجيش الحر" أو مجموعة أخرى تسيطر على المنطقة وبالتنسيق مع "منظومة وطن" أحد أجنحة المجلس الوطني السوري (مرة أخرى جناح المقاومة المسلحة والتي تطالب الغرب وأمريكا بالتدخل). ويمكثون في احد مخيمات الجهة الشرقية الشمالية لمحافظة حلب على الحدود السورية التركية. ومن هنا يطلق المشاركون إعلاناتهم الفيسبوكية كل حسب مؤهلاتة أو انطباعاته عن فرحة أطفال المخيم بالحلى والأطعمة والألعاب التي جلبوها لهم. أذكر جيدا مدى سعادة أطفال غزة عند زيارة بعض الأجانب أو العرب لهم واقدر الفرحة التي ممكن أن ترسم على وجوه الأطفال في حالات مماثلة. ولكن تلك الزيارات (مخيمات اللجوء الفلسطيني ) كانت تعد خطوات تحدي حقيقية لإحتلال كولونيالي وللعدو الأساسي للعرب عامة والفلسطينيين بشكل خاص.
من تتحدى هذه القافلة؟
اتفهم أنه في حالة حرب تقع مسؤولية الدمار على كل القوى المتصارعة وفي حالة حرب كونية تشترك فيها قوى من دول عديدة عربية وغربية وكذلك من أمريكا وكندا تكون القضية معقدة أكثر. في تصريحه الأخير أقر بان كي مون ومن إحصائيات للأمم المتحدة أن هناك أكثر من أربعين ألف مسلح دخلوا سوريا مع أسلحتهم.... من هم هؤلاء المسلحين؟ وهنا كذلك يحضرني قول مهم للعلامة المرحوم الدكتور البوطي عندما سئل عن موقفة من هدم جزء من الجامع الأموي الشهير نتيجة لضربات الجيش السوري حيث أجاب أن المسؤولية الكبرى تقع على كاهل المجموعات المسلحة الإرهابية والتي دنست هذا المكان المقدس واتخذت منه مخبأ لهم ولأسلحتهم. وأضاف العلامة البوطي - وهو المنتقد لكل الخروقات الأخلاقية والإنسانية حتى لو كان مصدرها النظام - قائلا لأكثر من أربعين سنة بقي الجامع الأموي تحت هذا النظام فلماذا لم يهدم ولم تستباح حرمته؟ في اعتقادي أن هكذا حجة تجيب على تساؤل الزميلة ريم حول تدمير مسجد أعزاز. من المهم بل ومن بالغ الأهمية هنا التذكير بالأعمال الإرهابية التدميرية للعصابات المسلحة - وهم الأكثرية وليس الأقلية كما تدعي ريم والتي أردفت أن معلوماتها "حسب ما سمعت من الناس"– من بينها تفجير الجامع بمن فيه ومن ضمنهم العلامة البوطي ذاته‘ وتفجير مئذنة الجامع الأموي والكنائس وإختطاف الكهنة والمطارنة وبغطاء وتسهيلات من تركيا.
أما في زيارتي الإفتراضية هذه فلو كنت أرغب بتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين لكنت سلكت طريقا قانونيا تقبل بة الدولة المضيفة ولن أرضى بتسهيلات أعداء هذه الدولة العربية. هنالك سؤال يؤرقني هنا: كلنا يعلم أن لبنان والأردن تئنان بالأعداد الكبيرة للاجئين السوريين وترحبان بأي مساعدات يمكن تقديمها. وكلنا يعرف كذلك وكما تحققت منه تقارير للأمم المتحدة أن بعض المخيمات وبالذات مخيم الزعتري على الحدود الأردنية السورية تحول إلى سوق نخاسة تباع فيه المرأة والطفلة السورية للعاهر السعودي. "قافلة حياة" لهذا المخيم ممكن فعلا أن تعيد جزأّ من الحياة لساكني هذا المخيم. والحال كذلك بالنسبة لزيارة مخيمات اللاجئين في لبنان. وفي الحالتين وعلى الأقل تكون "القافلة" حطت قانونيا على أراضي هذه الدول.
قبل الوصول وبشكل غير شرعي وغير رسمي الى طرف محافظة حلب ولن يمكن أن تطأ أقدام قافلة كهذه أرض الشهباء فالأخيرة عصية عن التدنيس‘ لا بد وأن نتوقف عند الحدود ونسأل من سهل أو يسر هذه الرحلة على الأراضي السورية؟ طبعا لا "القافلة" ولا أفراد القافلة والذين حاولت تتبعهم من خلال الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل الإجتماعي قدم أي معلومة في قضية من مول؟ من ساعد؟ من نقلهم من موقع لآخر عبر الحدود وداخل الأراضي السورية؟. ولكن من يتتبع هذه الرحلة (الزيارة) يتضح له أو لها أن مجموعة تدعى "منظومة وطن" (سوريا الخيرية – خير ) وهي منظمة إسلامية ومن المرجح انها تابعة للمليشيات المسلحة ومعترف بها من مجلس اسطنبول هي التي سهلت لهم الطريق.
واضح أن المنطقة التي دخلت اليها هذه القافلة لم تكن محض صدفة بل مقررة ومعدة مسبقا. فعلى الرغم من إحتدام المعارك في حلب وريف حلب خلال الأسابيع الأخيرة تخبرنا الزميلة ريم بإن المنطقة هادئة ولا يسمع فيها أي صوت لإطلاق النار! لاأدري كم المدة التي قضتها القافلة في هذا المكان هل هي بضعة أيام أم أكثر بكثير؟ هنالك أسئلة كثيرة تطرح هنا حول جغرافية هذا المكان. ولكن ما هو أهم من هذا كله هو قراءة خطاب الهدوء هذا على خلفية تعريف أهداف القافلة والتي كتبت باللغة الإنجليزية فقط واختلفت كليا عن النص العربي. هذا النص كما أسلفنا يقضي ب"الحاجة الملحة لإيجاد حل قانوني خلاق... للتخفيف عن آلام اللاجئين السوريين". هذا ليس هدف أخلاقي إنساني حيادي أو غير مسيس. إستعمال مصطلح قانوني هنا وبالرغم من إضفاء صفة من المتوقع أن تكون مقبولة دوليا إلا أنها تعني شيئا وحيدا وواحدا: تقسيم سوريا من خلال إقتطاع جغرافيتها الشمالية الشرقية والقريبة من الحدود التركية - وبالذات الإسكندرون والتي هي أراضي سورية أصلا - ووضعها تحت سيطرة المسلحين وتحت الحماية التركية أو بالأصح العثمانية. المصطلح الإنجليزي (No Flight Zone) والذي فرض على ليبيا كان يعني شيئا واحدا: دمار ليبيا الشامل. هذا بالذات ما كان وما يزال الحلم الأمريكي والغربي والعربي المعادي لسوريا ولولا أصدقاء سوريا الحقيقيين من موسكو والصين وإيران ودول البريكس لأصبح هذا الحلم "القانوني الخلاق" كما تصفه وثيقة "القافلة" واقعا ولدمرت سوريا عن بكرة أبيها.
في النهاية أود إعادة ما كنت كتبتة على الفيسبوك في ردي على هذه الحملة:
أسفي الشديد على "قافلة حياة" والتي تدعي الحيادية والأخلاقية والإنسانية وهي بعيدة كل البعد عن الحيادية والأخلاقية. الدخول إلى سورية من تركيا التي سمحت بتسليح الإرهابيين من القاعدة و"النصرة" و ما يسمى "بالحر" وغيرهم وإرسالهم لتدمير سوريا وخلق لاجئين ومشردين وجياع ليس حيادي ولا أخلاقي.. أن تستعين هذه القافلة ب "فريق منظومة وطن" لدخول أحد المخيمات في ريف إدلب لا هو حيادي ولا أخلاقي بل العكس تماما: إنه سياسة واضحة هدفها مساندة المعارضة المسلحة ... ما علاقة "منظومة وطن" بالمعارضة السورية وبالذات مجلس قطر الوطني السوري (أنظر: http://www.sada.pro/?p=8006

» "جهاد المناكحة" أو بغاء "الثورة" في سوريا: مقاربة نسوية - بقلم: بروفيسور نهلة عبدو
» المعارضة السورية .. دبدبى تدبدبي !! - بقلم: جميل عبدو
» نهلة عيسى لدام برس : العاملون في الإعلام الالكتروني غير محصنين بأية نقابة وعدم تشريع عملهم خطأ لا يغتفر
» الوهابية جزب الشيطان ...بقلم : ناصر حسن
» آلهة تبحث عن الغفران / 3 - بقلم "بقلم: نارام سرجون"