الحوار: هو أصالة وثوابت - كمال جميل طهبوب

الحوار: هو أصالة وثوابت - كمال جميل طهبوب

الكل يعرف أن الحرب على سوريا (باستثناء السذج) ليست إلا حرب وجود على الثوابت الوطنية والقومية التي ما زالت سوريا على مستوى الدولة تنفرد بها وخاصة موضوع الصراع العربي الصهيوني وفيما يخص السيادة الوطنية وعلى مستوى القرار القومي العربي. وبالتالي يخطئ كثيراً (بل هو متورط) من يظن أن الحرب على سوريا (وليس الأزمة كما يتداول البعض) هي نتاج حراك داخلي وإن كان موجوداً منذ البداية كرغبة إصلاحية مخلصة يتشارك فيها الجميع. فهذا الكم الغريب من التدخل الأجنبي وهذا التورط الخسيس (لمعارضة الخارج؟) لو كان يريد الإصلاح لاستقبل دعوة الدولة (وإن لم يثق بها) و لاستخدم إمكاناته السياسية بنصف تآمره العسكري بل وبأقل بكثير للضغط على الدولة السورية لإنجاز الإصلاح ولتركوا الشعب السوري يختار بحرية ما يريد. ولكنهم ولأنهم يدركون تماماً صعوبة اللعب في المناخ الديمقراطي الوطني الحقيقي على إرادة الشعب العربي السوري في معركة الثوابت ولإدراكهم أيضاً أن حجم المفاسد مهما كبر لا يعادل حجم الإنجازات على مدى أربعة عقود مضت. اختاروا التخريب كوسيلة لنفس الهدف وهو القضاء على الإرادة السورية الحرة.
ولأننا نطالب ونصر على أن سوريا تدخل الآن منعطفاً هاماً يؤثر على مستقبلها ومستقبل النضال القومي العربي بل وعلى وحدة النضال الإنساني التحرري ولأننا نؤكد بأن اي استراتيجية تستلهم المستقبل لا بد أن تستند في عملية التطوير إلى قاعدة الأصالة فلا بد أن نتحدث عن سوريا بعد الحركة التصحيحية خاصة أي منذ عقود خمسة خلت. فسوريا الدولة بقيادة الرئيس الخالد حافظ الأسد عملت بجهد حثيث ومضني على عدة دوائر مركزها الوطن ومحيطها الأخير هو الإنسان. في دائرة الوطن كان العمل عظيماً في بناء سوريا على كافة المستويات وخاصة على مستوى البنى التحتية ونحن لابد أن تذكّر من تخونه الذاكرة أنه كانت سوريا حتى ذلك الحين في كثير من مدنها وقراها تعيش تخلفاً كبيراً فكان البناء والعمل عليه في مجال إيصال مياه الشرب وإمداد الكهرباء وبناء المدارس وتعبيد الطرقات ناهيك عن تطوير التعليم الجامعي وإنشاء المعاهد والجامعات وتطوير العمل الزراعي وإنشاء المصانع ودفع عملية التطوير الاجتماعي المرتكز على توفير العدالة الاجتماعية وفرض التعليم الإلزامي ودعم المواد الأساسية كالدواء والغذاء الخ... ونحن لا نحصي الإنجازات هنا بل نحصي الصعوبات في بناء بلد أصبح بعد ثلاثة عقود أو أكثر بقليل متخلصاً من الأمية ويملك مؤسسات فاعلة وجيش قوي وخطط زراعية تؤمن رصيده من الاكتفاء إلى التصدير وتطور صناعي لافت بدأت ثمار أدائه تعطي نتائج هامة. ورغم ضخامة عملية البناء الداخلي الذي تحملت الدولة مسؤولية إنجازه فقد خاضت حرب تشرين التحريرية ودافعت عن أمن لبنان وأسقطت مؤامرة الحرب الأهلية فيه وواجهت مؤامرة إخوان المسلمين التي كانت على قياس خطورة ما يحصل الآن وواجهت مشاريع التسوية الاستسلامية التي سقطت في مستنقعها أغلب الأنظمة العربية وأنشأت حصن المقاومة وما زالت تدعمه على أكثر من ساحة عربية وينبري إلينا معارض وطني يتهم الدولة تحت غطاء العلمية والموضوعية بالتقصير في مجال المغتربين ويمنحه أكثر من ثلث اللقاء وكأن سوريا لو اهتمت بهذا الجانب، ونحن لا ننكر أهميته بلا شك، لربما أجهضت المؤامرة في مهدها... طبعاً هو لم يصرح بذلك ولن نظلمه ولكنه كان كمن يبحث عن الأسود في حين أن الأبيض في سوريا هو المستهدف. . والأسود مساحته في سوريا كانت صغيرة جداً بالنسبة للأبيض ولن أجامل وأنا مؤيد أي معارض بعد الآن لأني أعتبر نفسي وليس لدواع إعلامية ولا انتخابية أكثر اهتماماً بإزالة الأسود لأني فقط مواطن عربي سوري.
المهم، نسأل الأخ المعارض وعلى قياس علميته لماذا غادرنا أبناء الوطن أليس بسبب الاضطهاد العثماني وآثاره المتخلفة التي نهشت بالوطن بتكامل نتائجه مع الاحتلال الفرنسي وضعف السلطات السورية السابقة قبل الحركة التصحيحية أي بعد الجلاء في الأداء والإنجاز؟
وإذا قمنا وبمراقبة بسيطة لأبنانا المغتربين فإننا نتأكد بأن قلة منهم انخرطوا في مجتمعاتهم الجديدة إلى درجة كبيرة إلا أن أكثريتهم ما زالوا على ارتباط بالوطن ولكنهم أيضاً (أي الأكثرية) هم على طرفي المعادلة فمنهم ما زال على تواصل مع الوطن رغم كل الظروف ومنهم من يشترط لتواصله موضوعياً وتعجيزياً أيضاً. وإذا تحدثنا عن هذه الشروط الموضوعية... نسأل أليس بناء سوريا في كافة المجالات في العقود السابقة بعد الحركة التصحيحية كان لا بد منه كقاعدة مادية من أجل التواصل الفاعل مع أبنائنا في المهجر؟ لماذا لا نركز على ما سبق للتحدث في معالجة التقصير معهم وعلى أسس علمية نزيهة؟ ولهذا وحتى لا ندخل في مجال الاتهامات المتبادلة نعيد ونؤكد بأن الحوار يجب أن يكون مخلصاً وصادقاً وموضوعياً وإذا كانت (ما يسمى بالمعارضة الخارجية) قد سقطت في رهانها ودخلت في سراديب المؤامرة المعادية (ونحن نعرف بأنه في القانون يكون بناء الوطن مرتكزاً أولاً على سيادته) وهي تعمل تحت يافطة الديمقراطية لإلغاء السيادة فإنه على المعارضة الوطنية أن تناضل من أجل الديمقراطية تحت سقف السيادة ومبادئ الثوابت الوطنية وعليها الدعوة لمعالجة السلبيات دون تشويه لما تم بناءه. أي أن تعمل في الحوار لمصلحة الوطن دون اصطياد للسلبيات على خلفية براغماتية تستجلب تعاطف الناخبين. كما على الموالاة ألا تستثمر نجاحها في الدفاع عن ثوابت الوطن ونجاحها في عملية البناء الداخلي الذي حصن سوريا ومنحها قدرة الصمود أمام أعتى مؤامرة (ربما عرفها التاريخ)، لجهة الحديث عن السلبيات خاصة وأن السيد الرئيس بشار الأسد، وهو قدوة الوطن، كان واضحاً في كل ما سبق إلى درجة تستحق أن نتعلم منها ودون تردد.
ولكي نتابع في حديثنا يجب أن نؤكد هنا أن الحوار يجب أن لا يقتصر على الدائرة الأولى (الوطن) وإن كانت لها الأهمية الكبرى خاصة في مواجهة المؤامرات التي تحاك على مستوى الوطن والأمة ولهذا علينا أن نستذكر العملية النضالية منذ العقود السابقة عل مستوى الدائرة الثانية (سوريا بلاد الشام) حيث كان العمل جباراً وهو يستند إلى قناعة استراتيجية وطنية بأن (سايكس -بيكو) التي عملت على انتهاك وحدتنا وسيادتنا هي عدو أساسي لمصالحنا. فحماية لبنان وتحمل التضحيات في سبيله ودعم مقاومته حتى وصلت إلى مرحلة الردع الحقيقي للعدوان الصهيوني ودعم المقاومة الفلسطينية والنضال من أجل تعزيز الجهود لأجل هدفي الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة كل ذلك كان من يوميات سوريا وليس على حساب تطورها بل كان فكراً استراتيجياً يعتبر أن السيادة الحقيقية هي الكفيل الوحيد للكرامة والتطور والازدهار والأمان وهذا ما كان يؤسس أيضاً للحراك السوري على المستوى القومي العربي ودعم كل مبادرات التضامن العربي على المستوى الرسمي والشعبي. ولهذا كان السيد الرئيس بشار الأسد واضحاً في مسألتي فلسطين (القضية المركزية) والنضال القومي العربي متجاوزاً كل مؤامرات الأنظمة العميلة (الخليجية والتسووية) وكذلك (اوسلو والإخوان المسلمين الفلسطينيين) بحيث فصل بين مؤامراتهم كأدوات لمشروع معاد وبين أهمية الدور القومي لسوريا كعبة العروبة وحصنها الصامد.
وعلينا هنا أن نعترف وبشفافية بأنه إذا كانت المؤامرة على العروبة فكراً ونهجاً شديدة استعمارياً وصهيونياً وبأدواتها الرجعية والإسلامية التكفيرية فإن التقصير القومي العربي كان واضحاً في أدائه هو الآخر. صحيح أن أعداءنا استغلوا هزيمة (1967) واقتنصوا هزيمة التسوية من انتصار حرب عبر مؤامرة كامب ديفيد ومسلسل التسويات وادي عربة وأوسلو واستثمار الحرب العراقية الايرانية مذهبياً واستثمار احتلال العراق للكويت لنسف الحد الأدنى للتضامن العربي واستبداله بالوجود الأجنبي العسكري. إلا أن ذلك لا يعفينا من التقصير. فحتى الآن مثلاً لم نستطع أن نلتمس تحالفاً قومياً عربياً حقيقياً على المستوى السياسي والشعبي وهذا في الحقيقة لا يتجسد إلا على قاعدة تحالف قومي بعثي/ناصري على عكس ما حصل في السابق من تنافر وتناحر استفاد منه الآخر المعادي. وهذا ما يجي أن نؤسس عليه في سوريا (وتجربة الجبهة الوطنية التقدمية) يجب أن تُفعل فكرياً وثقافياً وعلى أكثر من جبهة وفي بلاد الشام خاصة. ونحن وإن اختلفنا مع القوميين السوريين في كثير من الأفكار ولم نملك تاريخاً جيداً في العلاقات الثنائية وبعيداً عن تحميل جهة المسؤولية دون الأخرى وبعيداً عن توزيع نسبها حتى. المهم تجاوز ما سبق لأن مطباته كبيرة وأمثلة قليلة جداً تؤكد كم هو هام تجاوز الماضي إلى المستقبل الأفضل. فنحن حتى في فكرنا القومي خلطنا ما بين سياسة التعامل مع الأمر الواقع المفروض استعمارياً وصهيونياً وما بين الوجدان القومي العربي وإذا كنا نطرح عملياً ضرورة وحدة التكتلات العربية بلاد الشام، وادي النيل، المغرب العربي، الجزيرة العربية كأساس لدولة مركزية حيث لا وحدة تقفز فوق الجغرافيا فهذا لا يعني أن الحلم القومي المنشود مستحيل! فمثال الوحدة الأوروبية أمامنا وهي تجمع أقوام مختلفة بثقافات ولغات مختلفة تحت شعار وحدة القارة الأوروبية؟ فكيف ونحن نتكامل في كل هذه المجالات إلى مدى بعيد؟ والمضحك المبكي أن (أوروبا) أي (يوروبا) هي أميرة سورية وشقيقة قدموس و كيليكيا ويكاد قلة منا يعرف ذلك وكثيرون آخرون يتجاهلونه عمداً. ولهذا فنحن ندعو للتنسيق المطلوب بين الخط القومي العربي والقوميين السوريين ويكفي أنه يجمعنا الحرص (على وحدة بلاد الشام) ويكفي هذا لنهزم حالة الانفصام بين الوجدان والواقع لأنه أولاً هزيمة لمخطط سايكس-بيكو هذا المشروع الذي أنجب الكيان الصهيوني (ولا فخر). و لهذا فنحن نقول بأن يكون لبنان وفلسطين والأردن أقطاراً عربية هو ربما في الواقع أفضل من الانسلاخ عن جسد الأمة ولكنه في الحقيقة يخالف الوجدان. فهل إذا كانت الجمهورية العربية السورية عضواً في الأمم المتحدة يمكن اعتبار حلب، أكبر محافظاتها مع دمشق العاصمة، عضواً في الأمم المتحدة؟ أبداً فحلب، وهي تقارع مجرمي المؤامرة على سوريا الآن ديدنها ديدن كل مدينة سوريا، هي جزء من سوريا وسوريا هي الدولة العضو في أية منظمة كانت. ونسأل الآن أليست فلسطين وهي قطر عربي وإن منظمتها الممثل الشرعي لها قد سقطت في فخ قيادة أوسلو الإقليمي على حساب (لا للهيمنة السورية) فانزلقت في سراديب التسوية والخيانة؟ وأليس هذا المناخ المشبوه هو ما منح تنظيم الإخوان المسلمين الفرصة في فلسطين ليزجها في متاهات ومجاهل المذهبية والطائفية والفتنة. وأليس هذا ما جعل ساحة المخيمات الفلسطينية في سوريا وغيرها هشة إلى درجة مزرية وما حدث في مخيم اليرموك كان نتيجة حتمية للانزلاق تحت رحى المؤامرة. لا، فلتعلنها بصوت عال فلسطين ولبنان والأردن هم أجزاء من سوريا. وسوريا هي جزء من الأمة العربية. وعلينا أن نعمل جميعاً من أجل انتصار الوجدان القومي العربي على الواقع لا أن يمتثل له تحت مبررات براغماتية. وعلينا في الحوار أن نفصل مبادئنا عن الضرورات الدبلوماسية فهذا شأن وزارة الخارجية وفروعها وهي تعمل لخدمة مبادئ الوطن.
وأخيراً يجب عدم إهمال دور سوريا الهام والفاعل على المستوى العالمي وتحالفها مع قوى التحرر العالمي وتمتين العلاقات مع الدول التي تحترم حقوق الشعب في مواجهة قوى الهيمنة الاستعمارية والصهيونية العالمية.
إن السياسة السورية المرنة والحكيمة وحرصها على قيام أوسع العلاقات الدولية مع جميع الدول لم يسرف إلى درجة السقوط في مستنقعات البراغماتية بل كان مؤسساً على ثوابتها الوطنية والقومية التي ترى في انتصار الشعوب لقضاياها في أي مكان في العالم هو انتصار لكل الإنسانية عموماً وللأمة العربية ولسوريا خاصة. ولذلك نرى أنه من الواجب على المتحاورين وهم يسعون لبناء سوريا المتجددة على أسس الشراكة الوطنية وحتى يستقيم الأمر ألا يغفلوا أياً من الدوائر التي كانت سوريا فاعلة فيها بل أن يفعّلوا الإنجازات بتطوير مستوى الأداء السوري وبالتأكيد على السيادية التي تفتخر بها والتي تشكل حصناً يرسخ مرجعية القرار الوطني اعتماداً على قناعة ثابتة بأنه في الاستراتيجية لا تتجزأ القضايا بل تتكامل. وأن التكتيك هو في خدمتها (أي الاستراتيجيا) ولا يحل مكانها أبداً، ولا يكون على حسابها. وللحديث بقية ...

كمال جميل طهبوب
عربي سوري من فلسطين

» إنه نداء الواجب والمصير: أنا عربي سوري من فلسطين- كمال جميل طهبوب
» سوريا التي إليها الانتماء، ولها العشق حتى الفناء - كمال جميل طهبوب
» قدري جميل: لا حل في سوريا إلا عبر الجلوس الى طاولة الحوار
» لا حوار بشروط ..جميل من موسكو : هناك مبادئ لاطلاق الحوار اهمها رفض التدخل الخارجي
» النائب والوزير قدري جميل في جميل الكلام : لقمة الناس خط احمر