سوريا التي إليها الانتماء، ولها العشق حتى الفناء - كمال جميل طهبوب

سوريا التي إليها الانتماء، ولها العشق حتى الفناء - كمال جميل طهبوب

سوريا، ليست وطني الذي أنتسب إليه وأعشقه حتى العبادة.
سوريا، ليست المكان الذي نشأت بين ثناياه الطاهرة ومهد الولادة.
سوريا، ليست الملاعب التي ترعرعت فيها. ولا المآدب التي تعلمت فيها أبجدية الإرادة.
سوريا، ليست أهلي وعائلتي وحاضري ومستقبلي وأناشيد السعادة.
سوريا هي موطن الرحمة الإلهية وحكمتها الخالقة وكلمتها المقدسة التي تتجسد بكل معانيها الجليلة وسمو تضحياتها وقصائد عشقها البتول.
***
سوريا، أم لنا والأمومة عطاء.
والعطاء لا يمكن تأطيره، ولا يمكن تجييره، فهو للجميع دون استثناء.
سوريا، هي بلد لا يوجد فيه آخر. حيث سرت منها في شرايين و أوردة موكب الإنسان ذات الدماء.
ولهذا فسوريا عصية على العنصرية، حتى وإن تسلل سرطان مذاهب السبي البابلي إلى أطرافها.
ففي سوريا يتجدد النسيج الطاهر، وتتموت الخلايا الأجنبية مهما استوطنت وتنفقئ دماملها من تلاطم غيظها وحتى قبل اقتلاعها بنفحات النسيم العليل.
***
من سوريا أبحر شراع الفينيق يحمل، في صناديقه المصنوعة من خشب السنديان والمكللة بأغصان الزيتون، أبجدية الكلام فاختلطت بذارها بتربة الكون وأنبتت أزاهير التواصل مع أركان الفضاء.
وفي سوريا ترسخت جبال كنعان في الأرض المقدسة إلى أعماق التاريخ ولتتلاعب قممها مع نسائم المستقبل وهي رائحة غادية كعصافير مهاجرة لا بد أن تعود إلى ملاذها الأصيل.
وفي سوريا يتعلم الفاتحون أخلاق الحضارة رغم ما كانوا يخلفونه من خراب.
وفي سوريا ينكفئ الطغيان بعد أن تثلمه حراب المحبة المشذبة بالكرامة والمصابرة وبصلابة الغزل الصادق الجميل.
***
في سوريا، كانت أورنينا تغني عندما لم يعرف الآخرون الغناء.
ومن سوريا أبحرت يوروبا لتدندن بأنغام براءتها أناشيد حضارة الوئام.
وفي سوريا امتطت الزباء فرسها لتؤكد إباء النساء.
وفي سوريا وحدها تجمعت منمنات الزائرين والوافدين والرائحين والقادمين في ملاطها المتماسك لتشكل لوحة فرداتها الفسيفسائية النادرة.
وفي سوريا ارتعش مهد (الحبل بلا دنس) لتنبعث المحبة شعاع نور من رحم بتول العطاء.
ومن سوريا نقل رسل الوفاء إلى روما أقانيم التسامح.
ومن سوريا أقلعت جيوش الفتح الإسلامي لتنشر عدالة السماء.
وفي سوريا يتلو الإمام تسابيحه على منبر بني أمية بينما تجلل محرابه أيقونات المسيح عليه السلام لتتفاعل أجراس الكنائس بنواقيسها السرمدية مع آذان كل فجر يبشر بخيوط الشمس المشرقة تتحدى الظلام.
وفي سوريا هزم الطب العربي جحافل الفرنجة.
وأزهقت مناسك التصوف جيوش التتار.
وفي سوريا ارتشفت السيوف من حبر التضحية لتكتب صفحات الفخار.
وأكملت المولوية مداراتها على وقع السنابك وصهيل الخيول.
***
في سوريا علقت نعوة العثماني المريض. وعزاؤها أنها رعته رغم أنه ولد سقيماً منذ أربعة قرون.
ومن سوريا ركبت الخيبة الفرنسية مراكبها عائدة إلى ديارها بعد أن استباحت مبادئ ثورتها على موائد المصالح الاستعمارية.
ولأن سوريا الأصيلة كانت قادرة على التجدد من رحم معاناتها فقد أبهر المارد أعداءه عندما نفض الغبار عنه منذ خمسة عقود ليستعيد عرشه على سدة القرار رغم التشتت الذي أصاب مفاصل أطرافه بفعل الأجنبي.
ولأن سوريا المقاومة كانت تعالج بتؤدة آفات سايكس بيكو، وكانت حاصر بروية أورام بلفور، وكانت تزيح بصبر عن أحفاد قحطان الموؤدين بحقد بعض الكوفيات ونفاق بعض الجلابيب واستلاب بعض ربطات العنق من أبناء جلدتهم ممن غرقوا في مستنقع السبي الأجنبي.
كان لا بد للذئاب الغريبة القادمة من الجبال والغابات البعيدة وأفواهها تحتشئ بالزبد، أن تتحالف مع ثعابين الجوار والديار الهجينة المستهجنة في نزاعهم الأخير علهم ينجحون في إرهابهم الجواد فيسقط الفارس. ورغم أنهم تدربوا في أوكار الشياطين مستنسخين من أساطيره الوهم الطاغية على المعرفة إلا أنهم جهلوا أو تجاهلوا، ونسوا أو تناسوا بأن النفير ما زال من ميسلون التي احتضنت يوسف العظمة وهو يمهر طوق الياسمين بمشبك الولادة والإرادة والشهادة، يعلن الحراك على أصداء قرع الطبول.
***
وفي سوريا حقيقة يجب أن يدركها الجميع بأن الأسد ليس شعاراً، بل هو رمز وقيمة ومعنى لسوريا الأصيلة المتجددة. فأمام كل معبد لحكمة الحب (وما أكثر المعابد في سوريا) أسد رابض. وفي فناء كل قلعة (وما أكثر القلاع في سوريا) أسد يزمجر.
ولأن كل طفل وطفلة، وكل شاب وصبية، وكل رجل وامرأة، وكل أب وأم، وكل جدة وجدة في سوريا تتناغم خفقات أفئدتهم مع إيقاع جنود الوطن. فعلينا جميعاً أن نواصل نشيدنا لتواكب نغماته المقدسة أرتال مسيرتنا التي يحث القدر خطواتها...
إلى الأمام: حماة الديار عليكم سلام.
فأنتم، وأنتم مرام القلوب... وأنتم سراج العقول.
كمال جميل طهبوب
عربي سوري من فلسطين

» الحوار: هو أصالة وثوابت - كمال جميل طهبوب
» إنه نداء الواجب والمصير: أنا عربي سوري من فلسطين- كمال جميل طهبوب
» أردوغان: الزوال سيكون النتيجة التي سيؤول إليها مصير الظالمين في سوريا
» عنان: الدول التي تنتقد روسيا بشأن الأزمة في سورية ترسل السلاح والمال ولها وزن على الأرض
» الكلمة التي لم تنتبه إليها " الأخبار" و قناة"أوتي في" في تفريغ شريط عقاب صقر رغم أهميتها الحاسمة في تحديد مكان استلام السلاح!؟