قراءات في المشهد الأردني (3) “الوطن البديل”
بعد الحديث عن الهوية والمواطنة – ضمن قراءات في المشهد الأردني – أكتب اليوم هذه القراءة بعنوان “الوطن البديل” والتي سأحاول من خلالها توضيح العلاقة بينه وبين المشروع الإنجليزي الصهيوني وفق سياق تاريخي سياسي بهدف ترتيب الأفكار لدى الشباب الأردني ليكون قادرا على تحديد بوصلته السياسية بنظرة شمولية واضحة محددة الأسباب والأدوات والأهداف .
وقد إستعنت بمجموعة من الخرائظ أرفقتها بهذا المقال وهي على النحو التالي :-
1. دولة إسرائيل الكبرى ( الحلم الإسرائيلي) .
2. مشروع الشرق الأوسط الجديد ( المخطط الغربي) .
3. دولة إسرائيل القديمة (دولة النبي داوود) .
4. دولة الأنباط .
ينطلق اليهود في أفكارهم وخططهم من ثلاثة قواعد أساسية هي:
- اليهودي هو مركز الكون وكل شئ مسخر لخدمته .
- التاريخ الصحيح هو الذي يكتبه اليهودي .
- أفضل الثوريين شباب مجرد من الأخلاق .
فاليهودي يرى أن هذا العالم هو له وأن غيره من البشر ليسوا سوى أدوات يستخدمها في رسم الأحداث بما يتوافق مع وجوده ومصالحه , ثم يقوم بتدوين تلك الأحداث بطريقته وينقلها الى الأجيال التالية لترسم أحداث جديدة , والشباب المنسلخ عن هويته وتاريخه وحضارته هو العنصر الأهم والأفضل بين تلك الأدوات .
إن ما يسمى بالوطن البديل هو حدث رسمه وخطط له اليهود وأعوانهم الغربيين ضمن مشروع اليهود التوسعي بالمنطقة والهادف الى إقامة دولة عالمية علمانية هي إسرائيل الكبرى , وهذا الحدث (الوطن البديل) يمكن وصفه ببساطه أنه عملية توسعة سكانية وجغرافية للدولة الأردنية المُجاورة لإسرائيل ونقل العنصر العربي من فلسطين اليها , ثم تحقيق الإستقرار السياسي والإقتصادي لتكون مقبولة للسكان الجدد ولسكان المناطق الجديدة التي سيتم ضمها للأردن من الدول المجاورة , ثم تأتي المرحلة التالية بإحتلال إسرائيل للدولة الأردنية وضمها لفلسطين وهكذا يكتمل المشروع ويتحقق الحلم .
إن هذا المشروع على خطورته هو مشروع قديم يمكن فهمه ببساطه شديده , فبالنظر الى الخارطة رقم (3) نرى باللون الأزرق دولة إسرائيل الكبرى زمن النبي داوود عليه السلام , حيث وصل اليهود بتلك الفتره الى أوج قوتهم وسطوتهم , لكننا نلاحظ أن تلك الدولة لم تتجاوز حدودها بعض المناطق التابعة للدول العربية القديمة المجاورة لها , فكيف إذا يدَّعي اليهود أن الرب وعدهم بعودة دولتهم العظيمة التي وهبها ليعقوب الذي هو إسرائيل كما جاء في اكذوبتهم الشهيرة ” أرضكَ يا إسرائيل من الفرات الى النيل ” .
إن الجواب على ذلك موجود في الخارطة (4) فالدولة التي يتحدث عنها اليهود اليوم ويسعون لإقامتها ليست سوى دولة العرب الأنباط ولو قارنا الخارطتان (1) و(4) لوجدنا تطابقا بينهما , فاليهود إذا يريدون دولة على حدود دولة العرب الأنباط , والسؤال هنا لماذا دولة الأنباط بالتحديد ؟ لماذا لا تكون إسرائيل أكبر أو أصغر من ذلك ؟ الجواب أيضا موجود بالخارطة رقم (1) فبالنظر الى حدود دولة اليهود نجد الأدوميين والمؤابيين والعمونيين والعموريين يحدونها من الجهات الثلاث , وفي تلك الفترة غزا نبوخذ نصر المنطقة وعندما وصل الى مفترق الطرق بين ربةعمون (عمان) وأورشليم (القدس) وضع سهمين ليختار أي الدولتين سيحتل فكان الدمار من نصيب دولة اليهود وبذلك إنتهى وجودهم السياسي , بعد ذلك إزداد نفوذ الأنباط وإتسعت دولتهم فشملت جميع المناطق بما فيها دولة اليهود , فصار اليهود يحلمون بتلك الدولة العظيمة بحدودها وتقدمها وقوتها , فأدخلوا ذلك الحلم إلى كتبهم المقدسة ثم حولوا ذلك الى وعد من الرب لهم .
إن تعريف الوطن البديل هو تعريف يهودي قديم لدولة الأنباط , فهو الوطن الكبير القوي البديل عن وطنهم الصغير الضعيف , وأما ما يُقال عن وطن بديل للفلسطينيين في الأردن وما يُروَّج له من صفقات وضغوطات كل ذلك ليس سوى حَرفٌ للبوصلة وتشويه للأفكار , ولعل السؤال الأخير في هذا المقال هل سينجح هذا المشروع وهل ستقوم دولة إسرائيل الكبرى ؟
الجواب أيضا موجود في الخارطة رقم (4) فالأنباط أسسوا مع جيرانهم العرب دولة العلم والعمل والعدل فجنوا ثمار ذلك تقدما وتطوُّرا ورقي , ثم أراد أولئك الجهلة الكسالا أن يقطفوا تلك الثمار دون تعب أو عناء لكنهم لم يقدروا , ومع ذلك لم ينسوا ولم يتوقفوا , ولعل أكثر ما كان وما يزال يخيفهم هو عودة ذلك الشعب للحياة من جديد , وهم يعرفون يقينا أن ذلك سيحصل , فعباد الرحمن اُلي البأس الشديد هم أبناء اُلئك العرب الذين تحدوا الغزو اليوناني والروماني ولكنهم سلَّموا لمحمد حبا وكرامة , إنهم يعرفون أن هذه الأرض يسكنها إنسان قاسِ كجبالها , غامض كصحرائها , حادٌ كصقورها , قوي كجمالها , يعرفون أن سكونه وبساطته ليست سوى ليلة من ليالي الصحراء التي قد تُخفي وراءها حمَّى الغزو التي لا يتمنون تجربتها مرة اُخرى .
وهم يعرفون يقينا أن عودة الشباب لجذورهم وهويتهم ومعرفة عدوهم هي الحد الفاصل لنجاح مشروعهم أو فشله , هم يعرفون أن هذه الأرض كخيلها يمر بها الجميع ويتمناها الجميع لكنها لا تدين إلا لخيالها التي تعرفه ويعرفها وتستحقه ويستحقها , إن الصراع اليوم هو صراع خضارات , صراع بين من يملك الأرض ومن يدَّعي ملكيتها , صراع بين من له وطن ومن يبحث عن وطن بديل .