قراءات في المشهد الأردني ” الليبراليين والأصوليين “
الثلاثاء , 5 اذار 2013 - 00:43 الناشر : بانوراما الشرق الاوسط
م. علي الجازي
لنتمكن من قراءة المشهد السياسي الأردني بصورة صحيحة وواضحة علينا أولا أن نتعرف على مكوناته الأساسية ومدى تأثرها و تأثيرها فيه , كذلك علينا أن نحدد نظرة تلك المكونات الحالية والمستقبلية للدولة الاردنية الحديثة ونظام الحكم فيها , تتكون التركيبة السياسية في الأردن من أربعة أطياف رئيسية هي الأصوليين الأردنيين والأصوليين الفلسطينيين والليبراليين الأردنيين والليبراليين الفلسطينيين .
تعبر الأصولية الأردنية عن الشرق أردنيين الذين يرون في الأردن إمتدادا لحضارات تعاقبت على هذه الأرض منذ بداية التاريخ الإنساني , وهم يرون بأنفسهم الإمتداد التاريخي والطبيعي لتلك الحضارات ومن هذا المنظور تتشكل نظرتهم لمشروع الدولة الحديثة , وهم كغيرهم من الأطياف السياسية ينقسمون الى يمين ويسار , فاليمين يرى أن الدولة الحالية لا تعبر عن هويته وتاريخه وهو يبحث لهاعن شكل جديد , يبنى على تعريف جديد للهوية والمواطنة , أما اليسار فهو يقبل بالشكل الحالي للدولة ولكنه يرى أن مراجعة بنود الدستور المتعلقة بصلاحيات الملك هي الضامن الحقيقي لإستمرار الدولة بشكلها الحالي , وبهذا يتفق الاصوليون الأردنيون على مبدأ هوية الدولة ولكنهم يختلفون على شكلها .
يرى الأصوليين الفلسطينيين أن الأردن هو جزء من جسم كبير هو الأمة العربية والإسلامية وأن الشكل الحالي للدولة جاء نتيجة مؤامرة غربية ارادت تقسيم الأمة وزرع جسم غريب فيها يهدد وحدتها وإستقرارها , وهذا الجسم هو السبب الرئيس لوجودهم على الأرض الأردنية , وهو وجود إضطراري ومؤقت ينتهي بإنتهاء الإحتلال وعودة اللاجئين .
أيضا ينقسم هؤلاء الى يمين ويسار , فاليمين يرى أن قضيته الأولى هي تحرير فلسطين أما القضايا الأخرى كشكل الدولة هي بنظره قضايا ثانوية لا تعنيه , لكنه يفضل الدولة التي تدعم أهدافه وترعاها , أما اليسار فهو يرى أن تحرير فلسطين هو جزء من برنامج إصلاحي تحرري شامل يعيد للأمة وحدتها وقوتها وموقعها بين الأمم , وهو يرى أن العمل السياسي جزء من ذلك البرنامج وأن الملكية الدستورية هي الطريقة الأفضل والأمثل لتحقيق ذلك , وهكذا نجد إتفاق الأصوليين الفلسطينيين على القضية وإختلافهم بالأسلوب .
تتشابه الليبراليه الأردنية والفلسطينيه إلى حد كبير في تشكيلها ونظرتها للدولة فكلاهما نشأ مع بداية الدولة الحديثة وشكلا لعشرات السنين الجسم الحقيقي للدولة بشقيها الرسمي والخاص , وكان الإنسجام والتوافق وتبادل الأدوار من أهم ملامح العلاقة بينهما , إلا أننا في العقدين الأخيرين بدأنا نلاحظ الخلافات الداخلية تطفو على السطح والسبب في ذلك يعود الى محاولة كل منهما الهيمنة على مفاصل الدولة وإقناع النظام بقدرته على إدارة البلاد والحفاظ عليها بشكلها الحالي , في البداية نجح الليبراليين الأردنيين في ذلك لكنهم تراجعوا سريعا أمام التوسع الكبير لليبراليين الفلسطينيين اللذين تمكنوا من إقناع النظام بقدرتهم وكفاءتهم , ولكنهم وبعد إطمئنانهم لثقة النظام بهم أعادوا تشكيل الدولة هيكليا وإقتصاديا وإجتماعيا بصورة تضمن سيطرتهم على الدولة وعلى النظام , معتبرين ذلك بداية مهمة نحو تحقيق أهدافهم الحالية والمستقبلية .
هذه الزوايا الأربعة وعلى الرغم من تباين موقفها من مشروع الدولة الأردنية شكلت ولقرن من الزمان الركائز الأساسية لنظام الحكم الذي عمل ولعقود على فصلها عن بعضها مع الإحتفاض لنفسه بموقع الرابط والمحرك والموجه لها مع عدم السماح لأي منها بالتوسع والهيمنة على المشهد السياسي الأردني .
واليوم وبعد أحداث الربيع العربي وما سبقه وما تبعه من إحتجاجات في الشارع الأردني يجد النظام نفسه أمام إختلال في معادلة التوازن بين هذه الأطياف والتي حافظ من خلالها على وجوده لعشرات السنين , ففي الوقت الذي نرى فيه تباعد وتنافس بين الليبراليين نجد تقارب وتفاهم بين الأصوليين , وهذا وضع النظام أمام خيارين الأول أن يعمل على إصلاح المعادلة القديمة وإعادة الأوضاع الى سابق عهدها , والثاني هو البحث عن معادلة جديدة تتيح له فرصة العودة الى دوره المحوري , ولكن وبسبب عدم رغبة النظام بالمخاطرة بوضع معادلة جديدة قد تفقده بعض صلاحياته , بقي مصرا على الخيار الأول , وبرايي الشخصي أرى أن مستوى الخلاف بين الليبراليين ومستوى التقارب بين الأصوليين هما العاملان الرئيسيان اللذان سيحددان خيارات النظام في الحاضر وقد يحددان أيضا شكل الدولة في المستقبل .