قراءات في المشهد الأردني (2) “الهوية والمواطنة”
الثلاثاء , 5 اذار 2013 - 00:46 الناشر : بانوراما الشرق الاوسط
م. علي الجازي
يقول رئيس وزراء بريطانيا تشيرشل : في يوم من أيام الصيف الجميلة , وبجرَّة قلم , خلقت الأردن .
عندما قرأت هذه العبارة لأول مرة ظننت أنها مجرد كلمات أراد كاتبها أن يعبِّر عن عقلية الغطرسة والهيمنة التي طغت على قادة المعسكر الغربي بعد الحرب العالمية الاولى , ولكنني وبعد البحث وجدت أن هذه الجملة شكلت ولعقود من الزمان المنطلق الرئيسي في تعريف الهوية والمواطنة لدى الكثير من الاردنيين فهل حقا خُلقت الأردن بجرة قلم ؟ وهذه الأرض ماذا كانت قبل ذلك القلم ؟ هل كان لها هوية ؟ وما هي تلك الهوية ؟ وهل تنسجم تلك الهوية مع مفهوم المواطنة الحالي؟ .
كان للعرب الأدوميين دولة مزدهرة في جنوب الأردن إمتدت حدودها من سيناء جنوبا وحتى وادي الموجب شمالا وكانت العقبة من ابرز مدنهم الساحلية , كما أسس المؤابيين دولتهم في منطقة مؤاب ( الكرك ) وكانت ذيبان من ابرز وأهم مدنهم , والى الشمال أسس العمونيون حضارة لهم لا تزال آثارها موجودة في جبل القلعة والمدرج العموني وسط العاصمة عمان , كذلك سكن العرب العموريون شمال الأردن وبسطو نفوذهم وسيطرتهم على مساحة واسعة من بلاد الشام , كل هذه الحضارات العربية سكنت الأردن وكان لها تاريخ ومدن وعلوم وعلاقات سياسية وإقتصادية مع الحضارات المجاورة , ثم جاء بعدهم العرب الأنباط الذين أسسوا دولتهم على أنقاض تلك الحضارات فإمتدت حدود دولتهم من الحجاز و سيناء جنوبا الى الشام شمالا ومن نهر الفرات شرقا وحتى البحر المتوسط غربا , وكغيرهم من حضارات البحر المتوسط تعرض الأنباط لغزو الرومان الذين قاموا بتشويه معالم وتاريخ المنطقة خدمة لمصالحهم وتعززا لنفوذهم , فتحولت المنطقة الى جزء من الإمبراطورية الرومانية , وبقي الحال كذلك حتى دخل الإسلام ومعه عادت الصبغة العربية للمنطقة ولكن بقالب أسلامي , ومع تعاقب الدول الإسلامية وإختلاف البوصلة السياسية من المدينة المنورة الى دمشق فبغداد فالقاهرة فإسطنبول ظلت الأردن نقطة التقاء وتواصل بين أقطار الدولة الأسلامية .
إهتم الإنجليز مبكرا بالإردن وعرفوا من خلال مستشرقيهم ورحالتهم أن الأردن يشكل النقطة الأهم في جسم الدولة السياسي وأن السيطرة عليه تعني ضمان عدم توحد الأمة وبالتالي ضعفها وتراجعها سياسيا وعسكريا وبعد دراسات وأستشارات طويلة قاموا بوضع مخطط أستعماري للسيطرة على الأردن بشقيه الشرقي والغربي , فقاموا أولا بدعم إنشاء إمارة شرقية ضعيفة الإمكانات والمقومات , ثم قاموا بنقل مجموعات من مرتزقة الحرب العالمية الى السواحل الغربية , وبعد ذلك إخترعوا أكذوبة الأرض المقدسة لليهود التي تم ترويجها بين معتنقي الديانة اليهودية من أبناء القوميات الأشكنازية والكازاكية وغيرها من القوميات الغير مرغوبه بأوروبا , وبين العامين 1920- 1945 عملوا على ترسيخ مفهوم الهوية الأردنية بين سكان الإمارة الشرقية , فأصبح الأردني هو الشخص الذي يتبع إداريا وقانونيا للحكومة المركزية بعمان , وبعد الإحتلال البريطاني الصهيوني عام 1948 ظهر مصطلح ” لاجئ ” وبدا وكأن هناك دولة غربية مُحتلة واخرى شرقية مُستقلة يلجأ اليها المواطنين هربا من القتل والتنكيل , ثم تكررت الحادثة عام 1967ومن جديد تعامل الجميع مع الوضع بنفس الطريقة , ومع الوقت أصبح الجميع يتقبل فكرة الدولة الشرقية المُستقلة والدولة الغربية المُحتلة , ووصل هذا الإعتقاد ذروتة عام 1988 عندما اُعلن فك الإرتباط السياسي وتشكَّل للدولة الغربية كيان سياسي تعامل مع الوضع على أساس أن له دولة مُحتلة وأن من يحتلها هي دولة إسرائيل التي إعترف ياسرعرفات بوجودها وحقها بالحياة , وخُتمت القصة بخروج الدولة الشرقية نهائيا من دائرة الصراع عام 1993 عندما وُقعت إتفاقية وادي عربة والتي تم بموجبها وضع اللمسات الأخيرة على المشروع الإنجليزي وأصبح هناك دولة معترف بها دولياً وإقليميا هي إسرائيل .
واليوم وبعد مرور قرن على المخطط الإنجليزي وبعد التغيرات الأخيرة التي طرأت على الخارطة السياسية للمنطقة بدأ مفهومي الهوية والمواطنة يُطرحان بقوة في الأوساط الشبابية التي نشأت في دولة قائمة على مبدأ التساوي بالمواطنة بين أبناء القسمين الشرقي والغربي , فمنهم من يري أن الهوية والمواطنة هما إسمان لنفس الشئ وأنهما تشكلا معا مع تأسيس الدولة الأردنية الحديثة , فيما يرى آخرون أن لا وجود للهوية الأردنية وما الأردن سوى أرض بلا شعب اُعطيت لشعب بلا أرض , وأن ما كان قبل ذلك لا يتعدى عشرات الآلاف من البدو الرُّحل مجهولي النسب والأصل والهوية وهي أقليات كغيرها من الأقليات الموجودة كالشيشان والشركس وغيرهم , ولعل هذه التعريفات والتقسيمات تضع الطرفين أمام التساؤلات التالية :
إذا كانت الدولة الأردنية قد تأسست في عشرينيات القرن الماضي أي قبل الإحتلال الإسرائيلي ألا يعني ذلك أن الأردني هو ساكن هذه الأرض قبل عام 1946 وأن من تم تهجيره اليها قسرا هو لاجئ إضطراري ومؤقت وعليه فإن منحهُ صفة المواطنة يجب أن تكون مؤقته أيضا , وبذلك فإن تلك الصفة المؤقته لا يجوز أن ترتقي الى مستوى التمثيل السياسي والمشاركة في الحكم .
ومن جهة اًخرى إذا قبلنا أن المواطنة هي تعريف موحد أي أن الجميع هم أردنيون بغض النظر عن اُصولهم ومكان تواجدهم قبل عام 1946 ألا يمكن القول بالمقابل بأن الأراضي المُحتلة هي أراضي أردنية , وعلية لا يجوز لاي كيان سياسي أن يتحدث بإسم الأردنيين وأرضهم غير نظام الحكم الأردني , وبالتالي فإن كلمة فلسطين تتحول من تعريف سياسي الى مجرد اسم تاريخي لأراضي أردنية مُحتلة .
أيضا ألا يعني التوطين الكامل لأصحاب القسم الغربي في القسم الشرقي تذويبا لهويتهم و إنهاءاً لقضيتهم وبالتالي تحويل نشاطهم السياسي من العمل على إسترجاع أرضهم وهويتهم الى الخوض بقضايا فرعية تنسيهم قضيتهم الأساسية .
كذلك لماذا يغالي كلا الطرفين في النظر الى الهوية والمواطنة وكأن القضية قضية نزاع وصراع ووجود وينسى كل منهما أن الوضع الحالي هو نتيجة مشروع إستيطاني بدأ ولكنه لم ينتهي بعد وأن الحلم الإسرائيلي بالدولة الكبرى لا يزال قائما , ولا يمكن أن ينتهي إلا بتحقيقة أو إلغاءه .
وأخيرا أقول أن الهوية الأردنية هي مفهوم عابر للزمان لكنه مرتبط دائما بالمكان , وهي هوية أصيلة نقية راسخة لها صفاتها ومعالمها ودلائلها وليس لأحد أن يشكك فيها أو أن يعيد تعريفها , والمواطنة هي تعبير متغير يحدده الشكل السياسي للمكان ويعززه الوضع الإجتماعي له , فمن تحصَّل عليها اليوم أو غدا لسبب إضطراري أو إختياري له أن يتمتع بإمتيازاتها لكن دون التعرض الى الهوية ومن يمثلها شرعيا وتاريخيا .
الأحد أغسطس 09, 2015 7:15 pm من طرف النائب محمد فريد زكريا
موضوع: قراءات في المشهد الأردني (2) “الهوية والمواطنة” 
