ما ورائيات المشهد السورينبيه البرجي – صحيفة الديار
«خنزير وذبحناه»!
مفاخراً قال ذلك ابو اسد البغدادي على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي, وقد نشر صوراً راعبة لعملية قطع رأس مثنى الحسين، قائد لواء المدفعية والصواريخ في «حركة احرار الشام» والذي يعتبر من ابرز القادة الميدانيين في المعارضة السورية.
التهمة انه خنزير. ليس مسيحياً ولا رافضياً (شيعياً) ولا نصيرياً (علوياً) بل هو سني, سني متشدد، ولطالما قال بدولة الخلافة التي لا مكان فيها للزنادقة ولأهل الشرك. في هذه الحال كلنا خنازير وكلنا تقطع رؤوسنا..
لا بل ان الرجل الذي قطع رأسه هو ايضاً من قاطعي الرؤوس. لكن اجهزة الاستخبارات التي تبذل المحاولة تلو الاخرى من اجل تشكيل جبهة مركبة، وبطبيعة الحال على نحو عجيب، تحاول ان تضع اقنعة حريرية على وجوه الذئاب.
ثمة من يتحدث الآن عن 75 مليون دولار دفعت لـ«فصائل الاتحاد الاسلامي لجند الشام» «والجبهة الاسلامية»التي تضم عدة جماعات من بينها «احرار الشام»، و«الوية الفرقان» و«جيش المجاهدين» و «فيلق الشام» للانضواء تحت راية واحدة، وهي مسألة معقدة للغاية اذا ما اخذنا بالاعتبار ان هذه المشتقات الفوضوية لتنظيم القاعدة، انما تدار من اجهزة مختلفة، كما عرف عن بعض قادتها الهذيان الايديولوجي، والازدواجية في الميدان، بالنظر الى التنافس الفلولكلوري على من يمتلك مقاعد اكثر في الجنة.
في الشمال السوري يتندرون، لا بل انهم يتناقلون الفتاوى التي تصدرعن مراجع شرعية لدى الفصائل اياها، فثمة درجة اولى ودرجة ثانية ودرجة ثالثة داخل الجنة، وبحسب الفصيل الذي ينتمي اليه القتيل بعدما كرس هذا المفهوم الفقهي ابو بكر البغدادي الذي بدا كمن يتحدث عن لاس فيغاس في العالم الآخر، فالفنادق والكازينوات هناك، وكلها من خمسة نجوم واعلى، مخصصة تحديداً لنزلاء تنظيم دولة الاسلام في العراق والشام (داعش).
لا مجال للتفريق بين «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات التي تبدو وكأنها استخرجت للتو من خاصرة العصر الحجري، فالهدف الاستراتيجي واحد، وهو اقامة دولة الخلافة، وبتلك المفاهيم التي قد لا تليق، او هي لا تليق فعلاً، بالقردة.
لكن اجهزة الاستخبارات تحاول تقديم صورة مختلفة عن تلك الفصائل التي طالما وصفت «الائتلاف الوطني السوري» بـ «معارضة الكعب العالي»، ساخرة من احمد الجربا الذي يتنقل الآن من بلاط الى بلاط، وقد بدا عليه الاعياء، من اجل الحصول على اسلحة نوعية لتوزيعها على هؤلاء الذئاب.
لسنا نحن الذين نقول هذا، بل انه مسؤول كبير في الاستخبارات الاردنية اضطلع بدور محوري في اعادة ضبط المسار السياسي والامني في بلاده، وبعدما لاحظ ان اللعب العشوائي في الداخل السوري انما يفضي الى تفجير الداخل الاردني لان الفيروس الايديولوجي لمشتقات القاعدة قد يكون اشد هولاء من فيروس الكورونا. قال ضاحكاً لمسؤول استخبارتي عربي آخر ان هذا الفيروس وذاك ظهر بين «اخواننا الابل».
اشياء كثيرة تحدث وراء الستار، فيما يتسكع الجربا وبالكعب العالي، فها ان الجيش السوري يستعيد المبادرة في درعا بعدما بذلت جهود هائلة للاندفاع منها نحو دمشق. كيف؟ ولماذا؟
لربما كان الجواب في منطقة جبال القلمون. اذ لم يعد خفياً ان مسؤولاً عربياً بارزاً هدد باشعال الوضع في لبنان ان حاول النظام في سوريا، بالتعاون مع «حزب الله»، تغيير الوضع القائم هناك والذي يمتد الى الداخل اللبناني. فجأة تراجع التهديد واكتسح جنود النظام ومقاتلي «حزب الله» البلدة تلوالاخرى والتلة تلوالاخرى ليجري تنظيف المنطقة بكاملها، وليهرب عدد من مقاتلي المعارضة الى الجرود ويمارسوا مهنتهم كقاطعي طرق. حتى ان اصحاب اللحى التي يتطاير منها الشرر في بعض المناطق اللبنانية والذين هددوا بالويل والثبور لم يعودوا يظهرون لا على الشاشات ولا في الساحات. ما الذي حدث وأسكت كل هؤلاء بالرغم من انهم ينتمون الى ثقافة «خنزير وذبحناه..»
لا ريب ان لدى المراجع المعنية في لبنان كل المعلومات وكل التفاصيل حول ما كان يعد لتحويل النازحين السوريين الى «قنبلة عنقودية» لتمزيق لبنان ارباً ارباً، ودون ان يعني ذلك، حتما، تواطؤ كل النازحين مع ذلك السيناريو الذي بدأ بمحاولات تشكيل الخلايا القتالية التي على اهبة الاستعداد بانتظار من ينفخ في الابواق، ابواق جهنم…
لا نتفاءل الى حد القول ان الازمة في سوريا ستقفل ابوابها بين ليلة وضحاها، لكن المشهد يتبدل تدريجياً. ولعل رجب طيب اردوغان سيكتشف ما اكتشفه الآخرون. الم يكتب التركي جنكيز تشاندار: حين تزغرد الحرائق؟.