مصر: سقوط الإخوان- حميدي العبد الله
ما يجري في مصر ليس مجرد ثورة ثانية من أجل استعادة الثورة المصرية من الجماعات الانتهازية التي ركبت موجتها ولم تشارك بفعالياتها وظلت تحاور جماعة حسني مبارك حتى اللحظة الأخيرة, وعلى رأس هذه الجماعات «الإخوان المسلمين». ما يجري في مصر يتخطى ذلك وكرّس واقعاً سياسياً ستكون لـه تداعيات عميقة في مصر, وعلى امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي.
منذ عام (1928) عندما تم تشكيل تنظيم الإخوان المسلمين في مصر في مواجهة مد الثورة الوطنية الذي أطلقته ثورة عام (1919) بقيادة الزعيم المصري الوطني الشهير سعد زغلول, كانت وظيفة الإخوان التشويش على الحركة الوطنية المصرية، وصرف انتباهها عن محاربة الاحتلال البريطاني لمصر، وتغيير أولوياتها، وإلهائها بقضايا أخرى حول الموقف من الدين, وكأن الشعب المصري ليس شعباً مسلماً, ويحتاج من جديد إلى دعوة إسلامية, ولهذا كان كتاب محمد قطب شقيق سيد قطب «جاهلية القرن العشرين» لتبرير التركيز على الدين بدلاً من تحرير مصر من الاحتلال والهيمنة الاستعمارية.
منذ عام (1928) دأبت جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفي البلدان العربية والإسلامية التي امتدت إليها وأسست فروعاً فيها على إرجاع سبب كل كارثة وكل إخفاق من قبل الدولة إلى الابتعاد عن الإسلام, علماً أن دساتير مصر, ولاسيما في عهد ما بعد ثورة (23) تموز، كانت جميعها تستند إلى التشريعات الإسلامية, وعندما جاء الإخوان إلى الحكم لم يضيفوا الكثير على هذه الدساتير, وفي ظل تلك الدساتير تحققت نهضة مصر في القرن العشرين, ولم تلعب مصر دوراً عظيماً، إقليمياً ودولياً وعربياً، إلا في عهد عبد الناصر التحرري, ولم تستقل مصر استقلالاً كاملاً منذ مئات السنين، إلا في عهد عبد الناصر, ولم يحصل الشعب المصري على العدالة الاجتماعية، والتعليم المجاني, وتكافؤ الفرص، إلا بعهد عبد الناصر التحرري الذي ناصبته جماعة الإخوان المسلمين العداء بقوة عداء العدو إسرائيلي وأميركا لـه.
اليوم انكشفت حقيقة الإخوان المسلمين, وتأكد ملايين المصريين وملايين العرب والمسلمين, إن هذه الجماعة لا تملك ناصية حلول المشاكل, وجل ما تطمح إليه الوصول إلى الحكم لخدمة السياسة التي أسست من أجلها، وهي إلهاء الشعوب بمعارك جانبية، وصرف الأنظار عن عدوها الحقيقي, الدول الاستعمارية والعدو الإسرائيلي والتخلف ونهب ثرواتها من قبل الدول الأجنبية.
الثورة الشعبية المتجددة في مصر اليوم والتي تطالب بسقوط حكم الإخوان, ما كانت لتقوم لولا اتضاح إفلاس هذه الجماعة وتبنيها للسياسات ذاتها التي كانت معتمدة في عهد مبارك, ومخطئ من يعتقد أن تداعيات هذه الثورة الجديدة ستكون محصورة في مصر, فالأردن تأثر بذلك وأقبل المواطنون على المشاركة في الانتخابات، وبلغت نسبة المشاركة (56%) في حين لم يشارك في الانتخابات في مصر بعهد الإخوان أكثر من (32%) وهذا الإقبال على الانتخابات في الأردن ليس إيماناً بالحكم القائم, بل رداً على دعوة الإخوان للمقاطعة، والشعب السوري الذي يشاهد كل ذلك سيكون لـه الموقف ذاته من جماعة الإخوان المسلمين في سورية الملطخة أيديها بدماء السوريين.
حميدي العبدالله