دام برس:
صحيح أنّ السياسة تعني فن الممكن, لكنها الآن ونحن نعيش في الألفية الثالثة للميلاد, تعني بالمعنى الأدق هي فن اعادة انتاج الضرورة بمفهومها الشامل, ضرورة أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وحتّى الثقافية الفكرية, بعبارة أخرى السياسة هي منتج أمني وسياسيي واقتصادي واجتماعي وثقافي فكري ولم تعد فقط فن الممكن. والرهان في علم الرياضيات المعاصرة أيّاً كان هو مجرد احتمال فقط, والأحتمال في علم السياسة سواءً كانت سياسة النخب أو السياسة "الشعبوية" هو ليس يقيناً. لقد راهنت النخب السياسية الجورجية وحزب الحركة المتحدة بقيادة الرئيس الجورجي ميخائيل سافاشغيلي, المحامي وحامل الجنسية الأميركية وزعيم الثورة الملونة والتي عرفت باسم الثورة "الوردية" أو القرمزيّة, راهنوا على مفاعيل ارتباطهم بمحور تل ابيب – واشنطن في القوقاز, ومع دول الأتحاد الأوروبي وحلف الناتو من أجل تقدّم وتنمية دولتهم, من خلال العمل على استقطاب الرأي العام الجورجي المعادي والمناهض للحقبة السوفياتية السابقة, كي يحصل الرئيس وحاشيته على المساعدات والدعم الغربي اللاّمتناهي لبناء دولة جورجية على الطراز الأوروبي الحديث, خارجاً من جلدته الجورجية التاريخية وضارباً بعرض الحائط ودون أن يلتفت الى جواره الروسي, وقد أوغل الرئيس في رهانه ومعه نخب مجتمعه السياسية, على هذا المحور الخارجي, محور واشنطن – تل أبيب بآثاره على الداخل الجورجي بشكل خاص, وعلى الداخل القوقازي الشامل بشكل عام ومهدّداً جواره الروسي والقوقازي, والرهان كما أسلفنا هو احتمال, والأحتمال في السياسة ليس يقيناً. وفي المعلومات أيضاً، تتحدث بعض وسائل الميديا الدولية مستندة الى تسريبات، من أجهزة استخبارات اقليمية وأممية، ترصد الدور الجورجي السلبي في الحدث السوري، حيث تقول المعلومات أنّ جورجيا تمارس سياسة مزدوجة حيال المكوّن الشركسي لديمغرافية شعبها، والمكوّن الشركسي لشعوب القوقاز، حيث هي تدعم حقوق الشعب الشركسي في القوقاز لتقرير مصيره في أماكن تواجده ونيل حقوقه الشرعية من زاوية تبليسي، وفي ذات الوقت والسياق العام تقوم، بارسال مجموعات شركسية جورجية وغير جورجية مسلّحة الى سورية، لتقاتل بجانب المجموعات الأرهابية الوهابية المسلّحة وغيرها من المجموعات المسلحة الأخرى، ضدّ النسق السياسي السوري وحكومته الشرعية، وذلك بالتنسيق والتعاون مع المخابرات التركية والأمريكية والفرنسية والبريطانية. وكما هو معلوم ومعروف للجميع، أنّ المكوّن الشركسي السوري يشكل قوام نوعي ولا بأس به ضمن هيكلية الجيش العربي السوري وقوامه العام، وفي الأجهزة الأستخبارية السورية المختلفة، وأنّ هؤلاء الشركس السوريوون هم مع دولتهم سورية وحكومتها الشرعية، ويقاتلون بقوّة وشراسة الجماعات الأرهابية الوهابية المسلحة وغير الوهابية أيضاً، وبالتالي فانّ وجود جماعات شركسية جورجية وقوقازية مسلّحه، تم ادخالها الى الداخل السوري عبر المخابرات الجورجية، وبمعرفة وتعاون مع المخابرات التركية والأمريكية والفرنسية والبريطانية وغيرها، يمكن اعتباره نوع عميق من الفتنة بين المكون الشركسي السوري الذي يقف مع دولته سورية في مواجهة الأرهاب المدخل، والمكون الشركسي الجورجي القوقازي والمتواجد في قوام الجماعات المسلّحة، الذي يقاتل بجانب ما يسمى بالجيش السوري الحر. وتقول المعلومات, أنّ الرئيس الجورجي وحزبه ونظامه عملوا, على عقد اتفاقيات التعاون العسكري – الأمني مع الدولة العبرية, وقد شاهدنا الأسلحة الأسرائيلية لدى القوّات العسكرية الجورجية في الحرب الروسية الجورجية الأخيرة, وأنّ معظم الأسلحة الأميركية المتطورة الموجودة لدى "اسرائيل", صار بعضها متاحاً للأستخدام في جورجيا بفعل التزام "اسرائيل " ببذل المزيد من الجهود في تدريب وتأهيل وتسليح القوّات الجورجية, كما حمل الرئيس وحزبه ونظامه على عاتقهم, ملف تقديم التسهيلات المختلفة للقوّات الأميركية, ويبذل جهود غير عادية ليجعل من جورجيا "مصنع ومعمل" لأعداد التقارير السياسية والأمنية الأستراتيجية, وتقديم نسخ من الثورات الملونة الى الحدائق الخلفية للفدرالية الروسية, بما في ذلك روسيا نفسها وعبر محاولات نقل نسخ ما يسمى بالربيع العربي ان لجهة الداخل الروسي (المتفولذ) وان لجهة الخارج الروسي – المجال الحيوي، بمساعدة السي أي ايه والأم أي سكس، ومجتمع المخابرات الإسرائيلية، والمخابرات الفرنسية، والمخابرات الكندية والمخابرات التركية. وتذهب ذات المعلومات أيضاً للقول: انّه سعى لجعل جورجيا قاعدة متقدمة للعمليات السريّة للسي أي ايه ولجهاز الموساد, في مناطق القوقاز الجنوبي والشمالي على حد سواء وفي جل دول آسيا الوسطى, مهدّداً أمن واستقرار القوقاز الكبير, وأمن واستقرار روسيا ومجالها الحيوي وهو جزء من أمنها القومي. وتستمر المعلومات بالقول: أنّه سعى ويسعى هذا النظام الجورجي بنسخته "الورديّة القرمزيّة" الى عقد اتفاقيات تعاون استراتيجي مع واشنطن, كي يؤدي ذلك الى اقامة علاقات خاصة أميركية – جورجية على غرار العلاقات الخاصة الأميركية – الأسرائلية, كي تتمكن تبليسي بأن تجعل من جورجيا " اسرائيل القوقاز الكبير"!. السؤال الذي يدغدغ خلايا العقل ويحثّها على الأعمال والأجابة الآن هو: ما بعد عودة ( بيتر العظيم) فلادمير بوتين الى الحكم, ما موقف الأدارة الأميركية الحالية من نظام الرئيس ميخائيل سافاشغيلي؟!وما هو موقف الاتحاد الأوروبي أيضاً؟. تتحدث المعلومات والتقارير السياسية والأمنية الأستراتيجية, أنّ الرد الأميركي الديمقراطي كان واضحا,ً حيث واشنطن تسعى الى توثيق علاقاتها الأستراتيجية مع موسكو, كون أميركا تدرك بشكل جيد وجدي وكبير أنّ علاقاتها مع موسكو, أكثر أهمية لمصالحها من علاقاتها مع نظام الرئيس ميخائيل سافاشغيلي في جورجيا, وهذا يشي بالمعنى السياسي من الزاوية الأميركية, بأنّه على جورجيا أن تسعى لتنقية الأجواء مع جارتها الكبيرة روسيا الفدرالية. وكذلك الحال مع الأتحاد الأوروبي الذي أوصل, معظم رسائله الى تبليسي بضرورة دخولها في علاقات عملية وحقيقية وجادة لتأمين المصالح الجورجية – الروسية, وعلى النظام في جورجيا أن يسعى الى اعادة ترتيب علاقاته الأقليمية والدولية بشكل أكثر واقعية واقناع. لقد تم اعتماد تفاهمات ادارة أوباما والأتحاد الأوروبي, لسياسة جديدة تعطي الأولوية للتفاهم مع موسكو, وتخلّى عملياً أوباما والأتحاد الأوروبي عن نظام الرئيس ميخائيل سافاشغيلي والأكتفاء الآن بالنصح فقط. وعلى هامش مفاعيل موقف الأدارة الأميركية الديمقراطية الحالية، وموقف الاتحاد الأوروبي الجديد من نظام الرئيس الجورجي, نرى أنّ "اسرائيل" ما زالت تقدّم الدعم السري له, بما يتيح لها الأحتفاظ بهذا النظام لحدوث تحولات جديدة في الساحة الدولية, من شأنها أن تؤدي الى تخلي ادارة أوباما عن توجهاتها الجديدة في مناطق القوقاز الشمالي والجنوبي، اذا ما عادت الى السلطة من جديد، ونجح باراك أوباما بالأنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة, وبالتالي الارتداد إلى توجهات إدارة بوش السابقة والمحافظين الجدد بنسخهم الجديدة, بما يتيح ويفسح المجال لتوظيف وتوليف واستغلال نظام الرئيس ساخاشفيلي مرةً أخرى, في القوقاز الكبير وحيال الفدرالية الروسية ومجالها الحيوي وأمنها القومي, فالذي أطلق كلاب الحرب في القوقاز الكبير في الماضي القريب هو الرئيس السابق بوش وادارته! والسؤال الآن هو: هل ستعود كلاب الحرب في القوقاز من جديد؟!. انّ معطيات توازن القوى, تشي الى توجهات وبوادر حدوث المزيد من الأستقطابات, فمن اختلالات التوازنات الخارجية الأقليمية والدولية, في غير صالح نظام الرئيس ساخاشفيلي, لجهة بوادر انفراجات توترات علاقات موسكو- واشنطن حتّى الان، عبر تقارب بينهما لأنجاح مهمة الأخضر الأبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة الى النسق السياسي السوري، لأنّ هذا ما يحتاجه الأبراهيمي, ولجهة مساعي الأتحاد الأوروبي - باستثناء فرنسا - الهادفة, الى عدم السقوط في العداء مع موسكو، إن عبر الساحة الجورجية وان عبر الحدث السوري, خاصةً بعد أحداث قريغيزستان الأخيرة التي آطاحت بنظام الرئيس السابق منذ أكثر من عامين, ومن قبلها صعود نظام رئاسي في أوكرانيا مريح لتوجهات موسكو حيال أوروبا, بالأضافة الى اختلالات التوازنات الداخلية في جورجيا ولغير صالح النظام وحزبه الحاكم, ان لجهة تزايد الأحتجاجات المطالبه باقصائه واعتماد توجهات سياسية تقوم على عدم التورط في أي صراعات بالوكالة عن محور واشنطن – تل أبيب, وان لجهة السعي الى اعتماد علاقات حسن الجوار مع الجميع بما في ذلك الفدرالية الروسية. تتحدث معلومات أخرى ذات مصداقية, أنّه من الممكن أن يتم تفاهم آخر بين موسكو و واشنطن, تمهيداً لعقد صفقة حقيقية تشمل مصير نظام الرئيس سافاشغيلي الموالي للغرب, في بيئة قوقازية ملتهبة لا تشجع أن يكون كذلك, وأيضاً حول ملف منظمة حلف "غوام" ومهامها الأمنية – العسكرية حيث تشارك فيها اسرائيل بالوكالة عن واشنطن, وملف نشر شبكة الدفاع الصاروخي, وملف توسيع حلف الناتو, ملف التعاون الروسي – الأوروبي وفي مجالات النفط والغاز, وملف اتفاقية التعاون الأمني – العسكري الجورجي – الأسرائيلي. وبالرغم من قراءة موسكو الدقيقة للموقف الدولي من نظام الرئيس ميخائيل في تبليسي, تشير تقارير سياسية معتمدة على معلومات تتحدث, عن مبادرات روسية ذات تعاون حقيقي مع محور واشنطن – بروكسل (الأتحاد الأوروبي), وهي رسائل ذات مضمون تتمثل في ابتعاد واشنطن وحلف الناتو والأتحاد الأوروبي, عن أيّة محاولات لاحقة لأستخدام جورجيا وحتّى أوكرانيا – رغم وجود نظام رئاسي موالي لموسكو - كيد طولى أخرى بلون برتقالي أو وردي, أو ما شابه من ألوان الطيف السبعة, لأستهداف أمن واستقرار روسيا الفدرالية أو حدائقها الخلفية في أسيا الوسطى وفي القوقاز الجنوبي والشمالي, أو لأثارة القلاقل والفوضى الخلاّقة في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية وأجاريا وغيرها من مناطق المجال الحيوي الروسي, والتي هي جزء كما أسلفنا من الأمن القومي الروسي بامتياز. وتأسيساً على مجمل الموقف الأممي الجديد حيال نظام تبليسي الآن, والتفاهمات على خط محور موسكو – واشنطن – بروكسل, تشي جل المعلومات بأنّ ادارة أوباما تعارض ضم جورجيا الى حلف الناتو, كما تعارض بقوّة أنقرة, وتمّ حث الأتحاد الأوروبي لجهة عدم سعيه لضم جورجيا الى عضويته أيضاً. وعلى فرض رغب وسعى الرئيس الجورجي, وبدعم وبمساعدة واشنطن والأتحاد الأوروبي, لتنقية أجواء علاقاته مع جاره الروسي الكبير, بعد التخلي عنه والأكتفاء بنصحه أمريكياً وأوروبيّاً, باعتقاد الخبراء الدوليين والأقليميين لن ينجح في مسعاه كشخص وزعيم حزب حاكم أساء بعمق الى جذور العلاقات الروسية - الجورجية, وذلك لجهة تزايد النزعة القومية الجورجية الرافضة والكارهة لجيرانه الروس, وذلك بسبب الرئيس نفسه وبشخصه, ولجهة عدم قدرة نظام الرئيس الحالي على اعادة انتاج نفسه من جديد, وانتاج نسخة من برنامج سياسي استراتيجي حقيقي وجدي يتم التسويق له بدلاً عن برنامج الثورة الملونة, والتي صكّت باسم الثورة "الوردية" أو "القرمزيّة", حيث من أركانها العداء الشديد بعمق لموسكو,والولاء المطلق بعمق لمحور واشنطن – تل ابيب في القوقاز الكبير. وتقول معلومات الخبراء الأمنيين الأستراتيجيين: على أنّ نظام الرئيس الجورجي عمل على الأطاحة بالقوى الوطنية الجورجية ذات التوجهات اليسارية وما زال, وتذهب معلومات هؤلاء الى القول بقسوة : فاذا كان نظام الرئيس ساخاشفيلي قد صنعته ثم اشترته ادارة الرئيس السابق بوش, بثمن غالي ونفيس وبكلفة مادية وسياسية وأمنية وفكرية وثقافية واجتماعية, فانّ ادارة الديمقراطي باراك أوباما وفي سنتها الأخيرة في الحكم، وكما تقول المعلومات, قد باعته بثمن رخيص في أسواق وبورصات السياسة الدولية الأممية, وهذا يؤكد على أنّه لا توجد عدوات دائمة بين الدول ولا صداقات كذلك وما يحكم العلاقات بينها هي المصالح والمصالح وحدها , وما جرى من ارتدادات في الموقف الكوني من نظام الرئيس سا خاشفيلي في جورجيا يؤكد أنّ السياسة مثل " بائعة الهوى" في الشارع العام, حتّى اسرائيل مؤخراً كما تتحدث بعض من معلومات استخبارية أممية, عملت وتعمل على ديناميات مراجعة لموقفها منه, فابتعدت تكتيكياً عنه خوفاً من غضب روسيا التي عادت من جديد, كقوى عظمى فاعلة بسبب سياسات الثنائي الرئيس بوتي ورئيس وزرائه ميدفيدف من الحدث الأحتجاجي السوري, تدافع عن مصالحها الأستراتيجية في أسيا الوسطى والشرق الأوسط وفي الساحة الكونية, وكذلك في خارطة التحالفات في منطقة القوقاز الجنوبي والشمالي وبقية مناطق البحر الأسود, هذه الفدرالية الروسية التي لم تعد قابلة للأحتواء الأميركي – البريطاني – الأوروبي.
المحامي محمد احمد الروسان* *عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*
www.roussanlegal.0pi.com [email=mohd_ahamd2003@yahoo.com][/email]
|