دام برس:
أي دولة تمتلك سلاحاً استراتيجياً نوعياً أيّاً يكن نوعه، من الحصافة السياسية والعسكرية والدبلوماسية، أن لا يتم لا تلميحاً ولا تصريحاً بامتلاكها له، والسبب ببساطة أنّه سلاح استراتيجي يجيء استخدامه في سياقات استراتيجية عسكرية تاريخية هجومية.
في 23 تموز من العام الذي انقضى للتو وقبل ساعات، عندما سمعت الناطق السابق باسم وزارة الخارجية السورية جهاد المقدسي، يصرّح علناً بامتلاك الجمهورية العربية السورية للسلاح الكيماوي، ذهلت والتزمت الصمت ورحت في رحلة تفكير عبر الزمن الماضي لثوان معدودة وأنا مدهوش وقلت في نفسي:- حتّى ولو تمتلك دمشق ذلك السلاح اللعين، يجب أن لا يقال ذلك، بعد ذلك قلت علناً للبعض المؤثر في القرار السياسي والأمني والعسكري السوري، أنّ دمشق قد ارتكبت خطأ استراتيجي له ما بعده من تداعيات، سيصار الى خلقها وتخليقها لأنشاء (سلّة) من التبريرات لتشريع أي هجوم عسكري لاحق.
سورية لن تستخدم أي سلاح كيماوي أو بيولوجي ضد شعبها، كل ما هنالك أن إدارة أوباما تعيد ثانية الأقوال التي استخدمتها ضد دمشق في الماضي القريب، وهذه التصريحات مخادعة و جوفاء و يمكن بسهولة تحليلها و إثبات أنها مجرد خطابات، و كل ما نحتاجه هو النظر إلى التاريخ الحديث.
ألم توجه في عام 2011 تهم مشابهة ضد دولة عربية أخرى؟ ألم يدّعوا أن الزعيم البدوي العربي الراحل معمر القذافي كان سيستخدم أسلحة كيماوية ضد شعبه؟ بل ألم يدّعوا سابقا أن القذافي و الجيش الليبي استقدموا مرتزقة أفارقة بشراتهم سوداء لقتل المواطنين الليبيين؟ أو أن طائرات الجيت الليبية كانت تقتل المحتجين الليبيين؟ ماذا حدث للمذبحة في بنغازي؟ و الآن لا يوجد أي شيء سوى الصمت و ذكريات مهملة.
نعم لقد أطلقت الادعاءات، و تم استنهاض الأخلاق و الشعور بالمسؤولية، و من ثم قصفت دولة عربية صاعدة رغم الأخطاء في الحكم، وأخرج محرك التطور الاقتصادي في إفريقيا عن مساره بين ليلة و ضحاها و تم نهب مجتمع بأسره، عبر أذناب وبيادق شركة الحكومة الأمريكية الديمقراطية – ادارة أوباما رقم (1 ).
تتذكر الشعوب العربية والأسلامية وقادة وملوك العرب والعربان، قضية العراق السابقة لذات الكذب المتعلق بالجماهيرية الليبية. ألم يقم كل من جورج بوش الابن و توني بلير و حلقتهما من مجرمي الحرب في عام 2003 بخداع المجتمع الدولي بأسره و القول بأن العراق يملك أسلحة نووية و أسلحة دمار شامل؟ ماذا حدث لهذه الأسلحة؟ انه أمر لا يمكن الاستهزاء به بسهولة، فقد مات أكثر من مليون عراقي بسبب الكذب الذي لفقه الثنائي الأنغلو- سكسوني. هذا و لم نتحدث عن الأضرار البيئية و الإبادات الفكرية التي استهدفت المفكرين و الخبراء في العراق.
و لنتحدث بوضوح، في 23 تموز 2012هدّدت دمشق باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد أي قوة معتدية: أولا: هذا التصريح كان في سياق دفاعي. ثانيا: كان موجها ضد التهديد العسكري، و هذا يختلف كثيرا عن التخطيط لاستخدام الأسلحة الكيماوية ضد مواطنيك و خاصة المدنيين.
و ليس من المصادفة أن كل من أوباما و الناتو ينشدان نغمة التهديد ذاتها ضد الجمهورية العربية السورية. و بشكل مشؤوم تستخدم كل من الإدارة الأميركية و الناتو نفس نقاط النقاش. و بالطبع هناك سبب لذلك، و لا يتعلق بأي قلق إنساني على الشعب السوري.
صدرت التهديدات في وقت قيام الناتو بنشر صورايخ باتريوت على الحدود التركية مع سورية بذريعة حماية سماء تركيا من أي هجوم سوري، لكنها - الباتريوت - في حقيقتها ليست موجه للداخل السوري، بقدر أنّها موجه ضد الفيدرالية الروسية وايران والصين، و آخر شيء يمكن أن تفعله الحكومة السورية هو مهاجمة تركيا. و رغم أن إسرائيل استثناء، فان دمشق منهمكة جدا بمحاولة تنظيف داخلية بشكل لا يمكنها حتى من تشكيل أي تهديد لجيرانها. و الأكثر من ذلك أليست تركيا هي من استضاف علنا الميليشيات المعادية للحكومة و سلّحتهم في أراضيها؟ إذن من يهدد من فعليا الآخر؟ تركيا أم سورية؟ انّها تركيا من تهدّد سورية وأمنها القومي والأستراتيجي.
عبر الخطابات المتتالية والتصريحات البلاغية، تم رسم خطوط حمراء على رمال الشرق الأوسط المتحركة. و حذر كل من أوباما و الناتو من أنهما لن يحتملا أو يسمحا باستخدام الحكومة السورية الأسلحة الكيماوية ضد شعبها. و هددا بتحميل دمشق المسؤولية.
حقا؟ حسنا ، يجب أن تبدأ أيها الرئيس أنت و الناتو باعتقال أولئك المسؤولين الأميركيين و البريطانيين و الإسرائيليين الذين وافقوا على أسلحة الدمار الشامل و استخدموها ضد المدنيين في العراق و لبنان و غزة. هل تذكر الفوسفور الأبيض في الفلوجة؟ لقد هاجمت القوات العسكرية الأميركية و البريطانية سكانا مدنيين بترسانتهم من الأسلحة الكيماوية عام 2004م. و خلافا للولايات المتحدة و المملكة المتحدة، فانّ سورية واحدة من دول قليلة لم توقع على معاهدة الأسلحة الكيماوية, و لكن ماذا حدث بالتزامات الولايات المتحدة و المملكة المتحدة بالمعاهدة؟.
و من المضحك كيف أن المقاومة في الفلوجة في وقته اعتبرت عصيانا. إذن الولايات المتحدة و المملكة المتحدة اعتبرت العراقيين المقاتلين لجيشين غازيين "متمردين"، بينما اعتبرت ميليشيات في سورية مدعومة من الخارج "ثوّار" أو "مقاتلي حرية" انّها مفارقة عجيبة غريبة مضحكة مبكية محزنة.
و إسرائيل أيضا ارتكبت جرائم الحرب ذاتها. بل ان الوزير الإسرائيلي جاكوب ايديري أقر عام 2006م بأن تل أبيب استخدمت الفوسفور الأبيض بعد توجيه تهم من الصليب الأحمر و منظمات حقوق الإنسان ضد إسرائيل حول استخدام أسلحة كيماوية ضد مدنيين. و ليست دمشق بل تل أبيب وواشنطن من تضم كهنة و مسؤولين يتحدثون باستمرار عن "أسلحة يوم الحساب" و "خيار شمشون" حين الإشارة لأسلحتهم في الدمار الشامل.
نعم أيها السيد الرئيس، حاسب الأشخاص الذين استخدموا الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين.
هل تعرض للمساءلة أي من القادة الأميركيين أو البريطانيين أو الإسرائيليين المتورطين في هذه الجرائم و المزدرين لالتزامهم القانوني بالاتفاقيات؟ أم أن المساءلة كلمة تستخدم كهراوة أو قضيب حديدي لمعاقبة أي حكومة تجرؤ على امتلاك رؤية أو سياسة خارجية مختلفة عما تملكون؟ أم أنك أيها السيد الرئيس تستخدم المعيار المزدوج، العلامة الفارقة في سياسة الولايات المتحدة الخارجية؟ سؤال جدلي يستحق أن تفكر فيه.
يحاول السوريون منع وقوع أسلحتهم الكيماوية في يد الميليشيات المعادية للحكومة المدعومة من مجلس التعاون الخليجي و الناتو و التي تهدد الريف السوري. هذا ما يفعله الجيش السوري حاليا، و اوباما و الناتو يعلمان ذلك جيدا علم اليقين، تماما كما كانا يعلمان أن ليبيا لم تستخدم طائرات الجيت لقتل المحتجين الليبيين.
القانون الدولي مجرد طريقة للملائمة. فالدول ذاتها التي تتصرف بشكل سلبي ضد سورية وفق أرضية أخلاقية قد فقدت بوصلتها الأخلاقية. فالولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و الناتو لم ترفض فقط الالتزام بسياسة (No First Us e) (التزام من قبل القوى النووية بعدم استخدام الأسلحة النووية كوسيلة في الحرب إلا إذا تعرضت للهجوم من قبل خصمها المستخدم للأسلحة النووية)، بل انها احتفظت لنفسها بحق استخدام الأسلحة النووية في أي حرب أو صراع كوسيلة لضمان نصرها، بما فيها الصراع مع دولة غير نووية.
بل إن الولايات المتحدة و حلفاءها اعتبروا معاهدة عدم نشر الأسلحة النووية باطلة و فارغة في سيناريو حرب رئيسية. ما يعني أن هذه المعاهدة و القانون الدولي يطبقان فقط بشكل يلائم الولايات المتحدة و حلفاءها في الناتو. فهم لن يترددوا باستخدام أسلحة نووية في اللحظة التي يشعرون بأنهم يحتاجونها، و مع ذلك يتعاملون مع سورية بمعايير مختلفة تماما.
سواء اتفقنا أم لم نتفق، سورية احتفظت بحق استخدام الأسلحة الكيماوية في سيناريو الهجوم عليها. هل يمكن لوم دمشق للتهديد باستخدام أسلحة كيماوية لحماية نفسها من تدخل أجنبي؟ و خاصة في ضوء استخدام الولايات المتحدة لها، أي من أجل ضمان النصر لها و لحلفائها؟ لماذا هذا المعيار المزدوج؟
كل من يعتقد أن حكومة الولايات المتحدة معنية بصالح الشعب السوري يحتاج الى درس في التاريخ. و الأكثر من ذلك، يحتاج الى مراقبة كيف قام شركاء أوباما في البحرين والسعودية و المشيخات النفطية بمعاملة شعوبهم، فهؤلاء الدكتاتوريون العدائيون ردوا على الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية و الحقوق المدنية الأساسية بالرصاص و نيران الدبابات.
باراك أوباما، المدير التنفيذي لشركة الديمقراطية، يريد تصدير قصة نجاحه الديمقراطي من ليبيا إلى سورية. و لأكثر من سنة تحاول إدارته ذلك دون نجاح. دعك من المقاتلين الأجانب المصدرين الى سورية من ليبيا. دعك من الأسلحة التي جمعتها ال CIA و ارسلتها الى سورية و لبنان من قاعدتها السرية في بنغازي العاملة تحت غطاء وزارة الخارجية الأميركية. و الآن تريد شركة أوباما للديمقراطية أن تنهمر الديمقراطية على كل سورية مثل القنابل، بالمعنى الحرفي للكلمة.
ما نراه الآن تقنية تسويق جديدة. أولا كان هناك مزيج من الديمقراطية و حقوق الإنسان. ثم أصبح الأمر يتعلق بمنع مذبحة، و الآن تستمر فكرة المذبحة و لكن مع اضافة أسلحة الدمار الشامل – السلاح الكيماوي السوري.
تشد الحبال حول سورية، و كل الكلام عن الأسلحة الكيماوية يستخدم لتبرير انتشار صواريخ الناتو على حدود سورية وصواريخ الأخير موجه الى موسكو وطهران وبكين. وانتشار صورايخ الباتريوت يأتي في وقت تتحدث فيه تقارير عن هجمة عدائية جديدة لأجل إعادة تسليح القوى المعادية للحكومة في سورية. و "منطقة حظر جوي" أو ما تطلق عليه الولايات المتحدة و الناتو للتضليل "ممرات انسانية"حول حلب و شمال سورية على قائمة أمنيات أوباما. إذن المؤامرة تتكثف وشركة الديمقرطية الأمريكية (تشحن) اعلامياً عبر البروباغندا على موضوع السلاح الكيماوي السوري، من أجل تسويق جديد لسيناريو قد يكون عسكري جديد أيضاً.
المحامي محمد احمد الروسان*
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com