سعودية وعشقي سوريا مراقبة عامة
عدد المساهمات : 29420 تاريخ التسجيل : 17/05/2012
| موضوع: رسالة إلى قاتلي ... اهداء لروح الشهيد محمد رافع - كميل زيادة السبت نوفمبر 10, 2012 12:39 am | |
|
رسالة إلى قاتلي ... اهداء لروح الشهيد محمد رافع - كميل زيادة
لا شك وأنك حين تقرأ كلماتي هذه سأكون قد غادرت هذا العالم مكرهاً , غادرته بإرادتك لا بإرادتي , غادرته تاركاً لك جثة هامدة ملقاة بين قدميك تثخنها الجراح وتحيطها بركة من الدماء .
كم كنت أتمنى أن أعيش لدقائق أخرى كي يتسنى لي أن أقول لك هذه الكلمات ... أنا يا قاتلي انتظرتك طويلاً انتظرتك منذ أن صارت الأرواح في بلدي أرخص شيء عندكم , منذ أن صار التفظيع في الجثث عادة دارجة في مفاهيمكم , انتظرت لقاءك منذ أول رسالة وصلتني منك انتظرتك حتى أنني اعتقدت أنك لن تأتي انتظرت لقاءك لا لأنني ارغب في ذلك فمما لا شك فيه أن لقياك لا يسر أحداً في بلدي انتظرت لقاءك لأسألك بعض الأسئلة التي كانت تلح علي كلما رأيت جثث شهدائنا منكلاً بها أردت أن أعرف فيما إذا كنت من بني البشر ؟ أردت أن أعرف بماذا تدين ؟ وبماذا تؤمن ؟ وبماذا تكفر ؟
لكنني حين التقيتك لم تدع لي الفرصة لذلك , ومع أنه كان لقاء سريعاً إلا انه كان كفيلاً لأحصل خلاله على أجوبة دون طرح أسئلتها عليك .
لم أعد أذكر أين كانت وجهتي وماذا كان علي أن أفعل يومها لم أشعر بنفسي إلا وأنا في ذلك المكان البارد المظلم التي تملؤه رائحة الرطوبة , مستلقٍ على جانبي , معصوب العينين مقيد اليدين والقدمين , الأرض تدور بي وصداع شديد يثقب رأسي.
هي دقائق مرت كانت كساعات من الانتظار لم أكن أعلم أين أنا ولا كيف وصلت إلى ذاك المكان ولا من أتى بي إليه , دقائق مرت قبل أن أرى سحنتك يا قاتلي .
كنت تحقق معي دون أن أستطيع الاجابة عليك وأنا مغلق الفم أنت تسأل وأنت تجيب لم أكن أعبأ بأسئلتك بقدر ما كنت مهتماً بتفادي اللكمات والضربات والصعقات الكهربائية كنت كمن يتسلى بتعذيبي لمجرد أن منظر دمائي كان يشعرك بالسعادة .
غبت بعدها لدقائق عن السمع والنظر قبل أن توقظني مياهك الباردة وضحكتك التي تملأ أرجاء المكان الخاوي والتي ظل صداها يثقب أذناي لفترة .
لم اعلم كيف ومتى انتهى التحقيق حتى أنني لم أعلم ما كانت تهمتي , أحلت إلى المحكمة خلال ثوان وأي محكمة تلك فقد كنت فيها المدعي والشاهد والقاضي بذات الوقت , ثم صدر الحكم وأحلتني إلى المفتي ولم اكن بحاجة اكثير من العناء لأعرف أنك المفتي .
نوبات الصرع هذه التي انتابتك في لحظاتي الأخيرة والتي فجرتها فيَ طعناً ولكما وصفعاً كانت كفيلة بجعل جسدي وملابسي يتضرجان بالدماء , الألم الفظيع الذي كان ينتابني إثر كل ضربة كان كفيلاً بجعلي أتهاوى أرضاً .
آخر صورة طبعتها عيناي في اللحظات الأخيرة من استضافتك لي هو وجهك الضاحك بعدها أخذ الغباش يملأ عيناي ولم اعد أرى بوضوح فآخر ما شعرت به طعناتك النافذة وأنت توجهها إلى صدري وبطني معلناً تنفيذ الحكم , عندها شعرت بغزارة الدم المتدفق بشدة على الأرض .
قبل أن أهوي صريعاً خفق قلبي خفقة أو اثنتين ثم احسست بنفسي ارتفع إلى الأعلى أعلى وأعلى وأعلى تاركاً جسداً طريح الأرض حول بركة من الدماء وقاتل يشعر بالحزن لأنني غادرته قبل أن يفرغ كامل حقده أجل غادرت جسدي الذي حملني لسنين ولم يعد صالحاً لذلك الآن ... إليك عني فهذا جسدي خذه لم أعد أريده .
لا أدري بعد مغادرتي ماذا حل بهذا الجسد هل شوهت وجهي ؟ هل قطعت أوصالي ؟ هل انتزعت أعضائي ؟ كل هذا لم يعد يهمني ما اعرفه أنني الآن في مكانٍ لا يوجد فيه من هم كأمثالك فويل لمن أعطى لنفسه الحق في انتزاع روح من جسد وضعها خالقها فيه فهل تتحدى بذلك عظمة الله ؟ فهو يحيي وأنت تميت .
لم يحزنني أنني غادرت هذا العالم فسنواتي الثلاثون التي قضيتها فيه كانت كافية لي كي أعرف أناساً أحزن فقط على فراقهم كان لي في عالمك أهل وأصدقاء وأحبة حزنت لفراقهم وحزنوا لفراقي وهم من سيبحث عنك وتأكد أنهم سيجدونك وسيرسلونك إلى حيث أنا علمتني تلك العقود الثلاث أن لي وطناً لن أتوارى برهة في وضع نفسي أمام سكينك وأمثالك في سبيله .
ذاك كان موعدنا الأول ولكنني وُعدت حيث أنا بأن لي معك لقاءٌ آخر وهو قريب بمقدار قرب سكينك من صدري , موعد لن يكون لك فيه حرية اختيار الزمان والمكان فهناك من سيفعل , فإن استطعت ألا تموت فافعل , أنا أنتظرك حيث انا الآن والوقت عندي يمر بسرعة أكثر مما تتخيل فهنا يوجد من أشتكي إليه يوجد هنا من أحتكم إليه فينصفني فإلى ذلك الحين انتظرني لأنني سأزورك بين الحين والآخر في منامك لا لكي اطمئن عليك بل لأذكرك بالموعد الذي بيننا فانتظرني .
وفي النهاية أعلم أن رسالتي هذه قد لا تساوي عندك شيئاً فمن لم يعباً بجسدي لن يعبأ برسالتي أعلم أنك لا تجيد القراءة ولن تفهم هذه الكلمات مطلقاً ولكنني أعدك بأنك ستدرك معناها قريباً .
فإلى اللقاء يا قاتلي
ضحيتك محمد
| |
|