سورية و الانتخابات الأميركية
غالب قنديل
يثير بعض المحللين والكتاب نقاشا حول احتمال تبدل السياسة الأميركية تجاه الوضع السوري بعد الانتخابات الرئاسية ومن خلال الإيحاء بأن قرارا أميركيا كبيرا بالتدخل المباشر مع حلف الناتو أو على الأقل بتصعيد عملية تسليح العصابات الإرهابية على الأرض السورية سيكون هو الطبق الرئيسي على مائدة الرئيس المنتخب سواء كان باراك أوباما لولاية ثانية أم ميت رومني منافسه الجمهوري.
أولا: من الواضح لأي عاقل أن الإمبراطورية الأميركية فيها مؤسسة حاكمة تضم ممثلين للاحتكارات الكبرى التي تضم كارتلات المصارف وصناعة السلاح والنفط وحشدا من النخب هو في الواقع خليط من الخبراء الديمقراطيين والجمهوريين الذين تعاقبوا على إدارة السياسة الخارجية و قيادة الأركان و ووزارتي الخارجية و الدفاع و الأمن القومي ، ولكن العنصر المستجد بقوة في تكوين المؤسسة الحاكمة الأميركية التي ترسم السياسات العليا هو ترجيح كفة الجنرالات و القادة الذين ينتمون إلى مؤسسات قيادة الأركان والمخابرات الأميركية.
سر هذا التحول الذي صعد معه الدور المقرر للبنتاغون والمخابرات المركزية هو بالذات حجم الهزائم العسكرية التي مني بها الجيش الأميركي الإمبراطوري في كل من أفغانستان والعراق والهزائم التي انتهت إليها حروب أميركا الكبرى في الشرق فمراكز القيادة والأركان الأميركية هي التي رسمت الخطط وأدارت العمليات في حربي لبنان وغزة وليس فحسب في العراق وأفغانستان.
ثانيا: إن دور المؤسسة الحاكمة يقلص من هوامش التبدل في الاستراتيجيات الأميركية العليا تبعا لشخص الرئيس وهوية الحزب الحاكم في نتيجة الانتخابات ، وبالتالي فأيا كان الرئيس وأيا كانت أطقم الإدارة الأميركية المقبلة ، يشكل خيار التورط في حرب كبرى وعالمية كما قال كيسنجر قرارا تحدد قابليته واحتمالاته حسابات تجريها المؤسسة الحاكمة وليس ما يحسمها مزاج الرئيس أو أركان إدارته.
الجيش الأميركي المنهك والمستنزف والاقتصاد الأميركي المصاب بأعراض الركود والبطالة والذاهب إلى المزيد من التأزم والتراجع ، يشكلان عائقا جديا أمام أي مغامرة حربية للإمبراطورية الأميركية التي نقلت أولويات الاستراتيجيا نحو بحر الصين وأفريقيا بدلا من الشرق الأوسط الكبير أو الصغير ، و بينما تزداد المعادلات المانعة لغزو سورية، قوة على قاعدة التوازن الدولي الجديد و تنامي قوة الردع الإقليمية التي تمثلها منظومة المقاومة والتي تنتج عناصر إستراتيجية متطورة كانت آخرها الطائرة أيوب التي صدمت عقول التخطيط الأميركية والإسرائيلية.
ثالثا: ما يشاع عن قرار بتسليم أسلحة نوعية للعصابات الإرهابية في سورية فهو ينطوي على كثير من الإيهام السياسي بهدف رفع معنويات العصابات المنهارة ولاستعمالها لفترة أطول مدى بينما يركز الأميركيون والأوروبيون معا على ما يوصف بأنه خطر تعاظم قوة ونفوذ جماعة القاعدة وفصائل الجهاد العالمي على الأرض السورية وهذا ما دفع باراك اوباما يوم أمس في المناظرة الأخيرة مع منافسه ميت رومني إلى القول إن إدارته تقوم بالتدقيق في طبيعة الجهات التي يمكن أن تصلها الأسلحة والمساعدات الأميركية وما إذا كانت ستبقى على صداقتها للولايات المتحدة.
إن الطاقة البشرية على حشد الإرهاب في سورية بلغت أقصى مداها فثمة سقوف واقعية للقدرة على الحشد رغم كل ما أنفق على الدعاية التكفيرية و المتطرفة من قبل المملكة السعودية وقطر و بالشراكة مع تركيا و على رغم ما حشد من أجهزة استخبارات وإمكانات وقدرات طالت مختلف بلدان العالم الإسلامي لتجنيد الإرهابيين وإرسالهم إلى سورية.
أما إضافة أسلحة جديدة فليست عنصرا مهما في تعديل التوازن أيا كانت النتائج المترتبة عليها فالأصل هو واقع البنية القتالية لعصابات التمرد والإرهاب والتي تتزايد الوقائع حول نجاح الجيش العربي السوري في زعزعة هياكلها بينما تولدت صراعات ونزاعات داخل صفوفها لا يملك لا الأميركيون ولا شركاهم في المنطقة القدرة على احتوائها رغم كل الجهود التي قاموا بها حتى الآن.
رابعا: إن رسوخ التحول في الموقف الشعبي السوري الذي دلت عليه التطورات الأخيرة يشير وبقوة إلى أن الالتفاف حول الرئيس بشار الأسد كرمز يعبر عن الوطنية السورية وعن خيار الاستقلال والمقاومة والوحدة الوطنية وكرأس للدولة و كقائد أعلى للجيش والقوات المسلحة، هذا الالتفاف تزايد وتصاعد في نتيجة الحرب العالمية على سورية ، والسبب المباشر لذلك هو تكشف الكثير من الوقائع أمام السوريين و ظهور حشد الإرهاب العالمي وخطوط التآمر الاستعماري لتركيع سورية ولتدمير قدراتها وإمكاناتها والنيل من استقلالها.
السوريون المتعبون من نزيف العنف ممن كانت لديهم ولا تزال طموحات تغييرية أو إصلاحية باتوا مقتنعين بأن نهوض الدولة هي أولويتهم و سيطرتها الحاسمة هي ضمانتهم في وجه الفوضى والإرهاب ، والسوريون الذين انحازوا منذ بداية الأزمة إلى الخيار الوطني التحرري والمشروع الإصلاحي للرئيس الأسد باتوا معا يشكلون كتلة صلبة وقوية في المجتمع السورية تتخطى في حجمها الثمانين بالمئة وهي قابلة للتزايد والاتساع كلما اشتدت الهجمة الاستعمارية على سورية .
هذا الخط البياني هو الذي يؤشر إلى هوية المنتصر في نهاية هذه الحرب سواء اختار الرئيس الأميركي المقبل باراك أوباما أو ميت رومني الاعتراف بالفشل والخروج من الحرب على سلم روسي صيني أو غامر باختبار مشاريع وخطط التدخل المباشر أو غير المباشر عبر اعتماد المزيد من البرامج لتسليح و تدريب أفواج الإرهابيين والقتلة واللصوص فالدولة الوطنية السورية اشتد عصبها ونهضت قدراتها والجيش العربي السوري يظهر مزيدا من القوة والتماسك على نحو يثير الإعجاب في كل أنحاء العالم و هو يحقق بالتالي مزيدا من التعاطف داخل سورية.
قد تكون الفروق كمية وجزئية في شكل التعامل الأميركي مع الوضع السوري ولكن الأكيد أن ما كتب قد كتب والحرب العالمية تمنى بالخسارة تلو الخسارة لأن في سورية إرادة مقاومة وشعبا وجيشا وقائدا يشكلون منظومة قوة من الصعب اختراقها أو إخضاعها. |