سلخ لواء الاسكندرون... (3)

سلخ لواء الاسكندرون... (3)

إعداد: مضر جلال خيربك

10 كانون الأول 1937

انتهت اللجنة التي شكلها مجلس العصبة من وضع قانون الانتخابات القاضي في جملة مواده: أن على كل ناخب تسجيل نفسه أمام لجنة الانتخابات الدولية في الطائفة التي ينتسب إليها، وليس له أن يسجل نفسه في غير طائفته.

واعترضت تركيا على هذه المادة طالبة السماح لكل ناخب تسجيل نفسه في الطائفة التي يختارها، فاستجاب المجلس لطلبها، وعُدَّلت هذه المادة وفق ما رغبت به تركيا التي أرادات من وراء هذا التعديل: استمالة عدد كبير من الطوائف غير التركية وتسجيلهم في قائمة الطائفة التركية عن طريق الرشوة والإغراء والضغط على الناخبين بالاتفاق مع السلطة الفرنسية.

وقد لبت فرنسا جميع المطالب التي من شأنها تسهيل الدعاية التركية، وقيام الموظفين الفرنسيين وضباط الاستخبارات بنشاط واسع في الأوساط غير التركية لضمها إلى الحركة الكمالية.
وسمحت فرنسا لتركيا بفتح قنصلية عامة لها في أنطاكية، وقنصلية ثانية في مدينة الاسكندرونة،وأصبح القنصل العام في أنطاكية هو من يسير دفة الأمور بكل ما يتعلق بشؤون الانتخابات، كما سمحت فرنسا لتركيا بإدخال أكثر من خمسة وعشرين ألف ناخب تركي إلى اللواء، وقامت السلطة المنتدبة بتزويدهم بتذاكر هوية لوائية سورية، يستطيعون بموجبها ممارسة حق الانتخاب.

21 نيسان 1938

وصلت اللجنة الدولية التي شكلها مجلس العصبة إلى اللواء لإجراء الانتخابات فيه، وبلغ عدد أعضائها 26 عضواً، ينتمي جميعهم إلى دول أوروبية محايدة، ليس بينهم فرنسيون ولا أتراك.ويقضي قانون الانتخابات بأن تقوم اللجنة الدولية ضمن المرحلة الأولى بتسجيل الناخبين الذكور الذين بلغوا العشرين من عمرهم، وعند فراغها من إعداد الجداول الانتخابية تباشر بعدها بإجراء العمليات الانتخابية.

3 أيار 1938

افتتحت اللجنة الدولية عمليات تسجيل الناخبين في قضائي الاسكندرونة وفرق خان، وانتهت منها في 30 أيار، وأغلقت مراكزها باستثناء مركز واحد في كل قضاء يبقى مفتوحاً لقيد المتخلفين.
وقد حقق العرب في قضائي الاسكندرونة وقرق خان، تفوقاً كبيراً على الأتراك بعدد الناخبين المسجلين من قبل اللجان الانتخابية الدولية، إذ حصل العرب والأرمن على 11364 ناخباً، بينما حصل الأتراك على 9914 ناخباً (من تقرير اللجنة الدولية المرفوع إلى مجلس عصبة الأمم).

23 أيار 1938

افتتحت اللجنة الدولية عمليات تسجيل الناخبين في قضاء أنطاكية الذي يزيد عدد سكانه على مجموع سكان قضائي الاسكندرونة وقرق خان مجتمعَين، ويشكل الأتراك فيه ربع السكان تقريباً، بينما يشكل العرب والأرمن ثلاثة أرباعهم.

وبعد إعلان نتائج عمليات تسجيل الناخبين في قضائي الاسكندرونة وقرق خان، وانتقالها إلى أنطاكية، أصبحت نتائج التسجيل في اللواء مضمونة لمصلحة العرب، كما إن فشل الأتراك بالحصول على الأغلبية فيه أصبح أمراً مؤكداً لا لبس فيه.

28 أيار 1938

وبعد وصول تركيا لهذه المرحلة الحرجة، أذاع راديو استنبول في 28 أيار 1938 نبأ عن اتفاق سري بين فرنسا وتركيا، عقد في جنيف في 10 آذار 1938 تعهدت فرنسا بموجبه ضمان أغلبية تركية في مجلس اللواء المقبل، وبما أن هذا التعهد لم ينفذ فقد قامت تركيا بحشد قواتها على حدود اللواء، وأنذرت فرنسا باحتلاله إن لم تفِ بتعهداتها.

وإثر هذه التحركات اتخذت فرنسا وبسرعة فائقة إجراءات تنفيذ تعهدها هذا، معلنة صراحة على لسان (غارو) مندوبها في اللواء ضمن اجتماع عقده في دار بلدية أنطاكية لزعماء الطوائف العربية والأرمنية: أنهم يرفضون طلبه ما دامت مراكز التسجيل مفتوحة أمامهم.

فأعلنت فرنسا الأحكام العرفية وطلبت من اللجنة الدولية وقف عمليات تسجيل الناخبين لمدة خمسة أيام بحجة اضطراب أمني، فاستجابت اللجنة لطلبها ثم مددت التسجيل لثلاثة أيام أخرى، حيث اتخذت فرنسا خلال مدة وقف عمليات تسجيل الناخبين عدة إجراءات تعسفية تضمن غلبة العنصر التركي.

9 حزيران 1938

تقدم المندوب الفرنسي (روجيه غارو) باستقالته من منصبه وغادر المنطقة، وأَسَرَّ لأصحابه أن ضميره لا يسمح له بتنفيذ سياسة دولته التعسفية الخداعة، فأسندت فرنسا وظيفته إلى الكولونيل (كوله).

وعندما استأنفت اللجنة الدولية أعمال التسجيل بعد توقف دام تسعة أيام، قامت المليشيات التركية المسلحة بتطويق مراكز التسجيل في الأحياء والقرى العربية، ومنعت الناخبين من الوصول إليها، واعتقلت كل من حاول كسر الطوق الذي ضربته حولها.

فاحتجت اللجنة الدولية على هذا الإجراء القمعي وأذاعت البلاغ رقم 14 تاريخ 9 حزيران 1938، جاء فيه: أن اللجنة أوقفت أعمال التسجيل بقصد السماح باستتباب الأمن، ولكنها وبعد التحقق من مجريات الأحداث على الأرض، تأكد لها أن قسماً من الأهالي كان خلال مدة تعليق التسجيل، موضع اعتقال وإرهاب وتخويف من جانب السلطة، وأنها احتجت بأقصى الشدة لدى المراجع المسؤولة على هذه الأعمال، وأن اللجنة تذكر أصحاب العلاقة أن نظام الانتخاب يعطي الحق لكل ناخب أن يقرر بكامل إرادته وحريته: الطائفة التي يرغب بالانتماء إليها.

يتبع...

الجزء الأول الجزء الثاني

» سلخ لواء الاسكندرون... (2)
» سلخ لواء الاسكندرون... (1) بقلم: مضر جلال خيربك
» سلخ لواء الاسكندرون... (4)بقلم : مضر جلال خيربك
» سلخ لواء الاسكندرون... (5)..اعداد : مضر جلال خيربك
» «لواء التوحيد».. الحكاية الكاملة