بالتفاصيل: عقيد سوري منشق يروي قصة حياة الذل التي يعيشها بعد انشقاقهفي إحدى المدن الأردنية اضطُر عقيد ركن منشق عن الجيش السوري إلى العمل في “قطاف الزيتون” هو وجميع أفراد أسرته، بعد أن ترك أولاده المدرسة لعدم تمكّنه من دفع تكاليف الدراسة وأعباء الحياة في ظروف اللجوء الصعبة.
الضابط الذي اختار اسم”حسين الحمصي” لأسباب شخصية، روى “أنه كان يخدم في اللواء 38 في درعا وكان يتعامل مع الثوار وهو لا يزال مع النظام قبل انشقاقه”.
وأضاف:”بقيت على هذه الحالة إلى أن أبلغني صديق ضابط بأن بعض زملائي الضباط بصدد رفع تقرير أمني أنني أتعامل مع الجيش الحر”.
وأردف الحمصي: “عندها خرجت من الدوام الرسمي كعادتي عصر كل يوم، ولكنني بقيت في “حوران” متخفياً، واستطعت بعدها أن أدخل مع عائلتي إلى الأردن لاعتقادي أن الحياة مؤمنة فيها للضباط المنشقين، لكنني فوجئت عندما وصلت إلى الأردن بالتجاهل التام “ماحدا تعرّف علينا، ولا حدا قرّب منا، ولا حدا سأل عنا”، وما زاد من الأمر صعوبة -كما يقول العقيد المنشق- أنه لا يتقن أي عمل ولا أي مهنة، وكذلك أولاده”.
ونظراً لغلاء أجور البيوت، وتكاليف المعيشة، ومصاريف المدارس، كان لابد للعقيد الحمصي أن يضحي بمستقبل أطفاله في التعليم “اضطرت أن أُخرج أولادي من المدارس، وتركت واحداً منهم يشتغل في “صب الباطون” ويتعلم في آن معاً”
ويستطرد: “لجأت مع باقي أسرتي للعمل في قطاف الزيتون، ولكن هذا العمل “لا يغني ولا يسمن من جوع، لأنه عمل موسمي ولشهر واحد في السنة، وباقي السنة بلا مورد مادي”.
ويروي العقيد الحمصي إنه اختار العمل في قطاف الزيتون لأنه لا يتقن أي عمل آخر نظراً لأنه قضى شطراً كبيراً من حياته في المجال العسكري:”بقيت فترة طويلة لا عمل لي حتى وصلت لحالة من الإفلاس، ولم يبق عندي أي مبلغ أصرفه على عائلتي، فبدأت أفتش عن دخل يقيني ذل الحاجة والسؤال، رغم أنني كنت أمتلك في حمص أراض زراعية ومنها 50 دونم زيتون ومداجن للدجاج والفروج شرقي حمص، والآن اضطررت للعمل في مزارع الآخرين وفي بلد غير بلدي، من أجل تأمين معاشي بعد أن وصلت إلى وضع مزر”.
وحول فكرة عمله في قطاف الزيتون وهل كان متهيّباً من هذا العمل يقول العقيد المنشق: “لي صديق أردني كان ضابطاً متقاعداً ويعرف وضعي فطرح علي العمل في مزرعة له فيها شجرات زيتون لأقوم بقطافها، وفعلاً قبلت بهذا العمل الذي شاركني فيه زوجتي وأولادي، ويشرح العقيد الحمصي أن:”العمل في قطاف الزيتون ليس بالسهولة التي يتصورها البعض وليست “نزهة” بل هي ذل وعار، وتلتصق بها كل الصفات غير اللائقة، وخصوصاً إذا كان من يعمل بها غير مهيأ نفسياً أو اجتماعياً لهذا العمل.
ويردف العقيد الحمصي بنبرة مؤثرة: “ما زاد الأمر وطأة على المستوى النفسي أن صاحب المزرعة وعائلته يقومون بالتنزه في المزرعة، وأنا وعائلتي نقوم بتعبئة “الشوالات” وحملها إلى أمام بيته أيضاً، عدا التعب الجسدي حيث يتطلب هذا العمل أن تظل متعربشاً على الأشجار أو فوق “السلّم” طوال النهار لتقطف الزيتون بيديك مقابل الحصول على عشرة قروش للكيلو غرام الواحد.
ومشكلة العقيد “حسين الحمصي” ليست خاصة به، كما يوضح، بل إن “أغلب الضباط المنشقين في الأردن يمارسون أعمالاً غريبة عن حياتهم، لا أحد يعمل بها، من أجل تأمين مصروفهم الشهري، فمنهم من يعمل مثله في قطاف الزيتون، أو جني الخضار والفواكه كالبندورة والخيار، وهناك–كما يقول– “ضباط يعملون في محلات لبيع الجملة كحمالين ومنهم من يعمل في الباطون والبناء والإكساء”.
ويردف بلهجة يائسة: “لم أكن أتوقع يوماً أن تصير الأمور بهذا الشكل، أو أن تصبح الثورة السورية على هذه الحالة المؤسفة”.
مسؤولية من..؟
ويحمّل العقيد الركن “حسين الحمصي” من يسميهم “مسؤولي الثورة” مسؤولية ما وصل إليه الضباط المنشقون، وأغلبهم -حسب قوله- “يركضون وراء مصلحتهم الشخصية فقط، إلا من رحم ربي”.
ويكشف الحمصي: “إن رئيس الائتلاف “أحمد الجربا” عندما جاء إلى الأردن العام الماضي أعطى كل ضابط برتبة عميد ألف دولار”من أجل كسبهم والتقرب منهم” وترك ما دون هذه الرتبة، رغم أن الكثير من العقداء المنشقين كان النظام قد أوقف ترفيعهم لأسباب معروفة، ومنهم أنا، ويضيف متسائلاً: “ما ذنبنا أن نُحرم من حقوقنا بعد الانشقاق، وهل الذين خاطروا بأنفسهم وانشقوا هم من العمداء فقط”.
ويلمح العقيد المنشق إلى أن الائتلاف الوطني “تحول إلى مكان للمحسوبيات والواسطة، وكل عضو أو موظف في الائتلاف أتى بحاشيته وعيّنهم، أو في الحكومة المؤقتة برواتب عالية، في حين أن الضباط المنشقين مشردون مذلولون يعملون بأي عمل من أجل تأمين لقمة أسرهم.
باب الائتلاف مسدود
وعندما سألناه إن كان قد تواصل مع أحد ما في الائتلاف لشرح وضعه ووضع الضباط المنشقين في الأردن أجاب بحدة: “لم نستطع أن نقابل أياً منهم أو نتواصل معه، بأي طريقة أونأخذ رقم جواله، لأنهم بصراحة يعيشون في ابراج عاجية”.
وروى الضابط الحمصي في هذا السياق إنه ذهب إلى مكتب الائتلاف الوطني في عمان بعد شهر من البحث والسؤال عنه، وهناك -كما يقول-“وجدت أكثر من خمسين موظفاً، بنات وشباب فقلت لهم أنا العقيد الركن “فلان” وكان معي مقدم منشق من الحرس الجمهوري فقالوا لنا:”ليس لنا علاقة بكم ولا نستطيع تقديم أي شيء للضباط المنشقين”.