ما يميّز جوبر عن غيرها أنّها شكّلت رأس الحربةِ في كلّ المحاولات التي قامت بها الجماعات المسلّحة لاختراق العاصمة دمشق، لذا عمدت هذه الجماعات الى اعتماد أسلوب الأنفاق تحت الأرض للتسلّل الى ساحة العباسيين، كبرى ساحات العاصمة وأكثرها رمزيةً، وقامت بأكثر من محاولة منيت جميعها بالفشل. لا تختلف عمليات التحصين والحفر تحت الأرض في جوبر عن مثيلاتها في المليحة، إلّا لقرب خطوط التماس في جوبر مع الجيش العربي السوري لدرجة تتداخل فيها الأنفاس أحياناً. فالقتال في المليحة جرى في بيئةٍ متنوعةٍ تشمل البساتين والخنادق والسواتر والشوارع والأنفاق في المرحلة الأخيرة من القتال قبل تحرير المليحة، التي كان لسقوطها وقع الصاعقة على مقاتلي جوبر. والقاصي والداني يعلم أهمية سقوط المليحة التي سميّت بخط الدفاع الأول عن الغوطة الشرقية وبالتحديد عن دوما أكبر معاقل الجماعات المسلّحة. دوما التي تجري فيها هذه الأيام أكبر عملية تحصين وإعداد استعداداً للمعركة الفصل، فدمشق لن ترتاح نهائياً إلا بسقوط دوما آخر وأكبر معاقل المسلحين، والتي سيكون سقوط جوبر بدايةً للمعركة النهائية فيها. عمليات الجيش السوري ليست محصورة في جوبر أبداً، فبينما تقوم وحداتٌ من الجيش وتحديداً من وحدات المهام الخاصّة بقضم الكتل السكنية ضمن عملية مدروسة حقّقت حتى اللحظة إنجازات هامة، تقوم وحدات أخرى بإستكمال المهمة اللاحقة من معركة المليحة التي طوّر الجيش السوري هجومه فيها بإتجاه جسرين وكفربطنا، فيما تستكمل وحدات أخرى مهمة السيطرة على وادي عين ترما وعين ترما أحد الممّرات التي كانت تربط جوبر بالمليحة. الهجوم على جوبر يتمّ من أكثر من إتجاه، وفي معلومات مؤكدة أنّ الجيش السوري حقّق إنجازات مهمة في محيط جامع طيبة ومنطقة البيوت العربية وفي منطقة المناشر أيضاً. أما عن طبيعة المعارك التي تتّم في جوبر فهي معارك فوق الأرض وتحتها، حيث أصبحت وحدات المهام الخاصّة وخلال فترات القتال السابقة قادرة على فهم تكتيكات وأساليب عمل الجماعات المسلّحة سواء في القتال بين الشوارع والأبنية أو القتال من خلال شبكات الأنفاق التي يُطلق عليها اسم الأنفاق العنكبوتية نظراً لتعقيدها وتداخلها. وحدات المهام الخاصّة تخوض قتالاً متداخلاً في الأبنية يصل حد القتال من غرفةٍ الى أخرى، وصار واضحاً لدى هذه الوحدات الكثير من الأساليب التي تستخدمها الجماعات المسلّحة في الرماية والتفخيخ والكمائن وحتى طرق وأساليب القنص وإطلاق النار. وبنتيجة هذا الفهم الدقيق لأساليب قتال هذه الجماعات طوّر الجيش السوري أساليبه بحيث بات يحقق انتصاراتٍ متتالية على هذه الجماعات، ولذلك صار التعاون بين سلاح الجو والمدرعات ووحدات الهندسة والمهام الخاصّة فاعلاً لدرجة لم تكن موجودة في الأشهر السابقة، وكل ذلك بسبب إنكشاف أساليب هذه الجماعات. في اليومين الماضيين استخدم الجيش السوري قذائف جو – أرض جديدة للمرّة الأولى، وهي من النوع الذي يستخدم ضد الملاجئ المحصنّة ومدارج الطائرات، وهذا ما يدّل على نيّة الجيش تسريع تحرير جوبر وإجبار المسلّحين إما على الإنسحاب أو الإستسلام. وهذه القذائف قادرة على اختراق ملاجئ حصينة وتنفجر بعد إختراقها لطبقة سميكة من التراب والسطوح الإسمنتية لتحدث إنفجاراً جوفياً هائلاً، وقد أكّد بعض سكان الأحياء القريبة من جوبر أنّهم شاهدوا قذائف تسقط من الجو تحملها مظلات لتنطلق بشكلٍ سريعٍ على ارتفاعات معينة وتكمل طريقها الى الأرض. جوبر الخاصرة الرخوة للعاصمة دمشق، لن تطول أيامها كثيراً، فالجيش الذي استطاع أن يكسر خطوط الدفاع الأولى للجماعات المسلّحة وتقدم من أكثر من إتجاه يبدو أنّ حركته الهجومية لم يعد في حسبانه التراجع عنها خصوصاً بعد فقدان المسلّحين الكثير من الأنفاق التي يعتمدون عليها في حركتهم، وبعد أن حدّ الجيش السوري كثيراً من قدرتهم على المناورة. إذا استمرت الوتيرة الهجومية بنفس الزخم فخيار الإنسحاب الى زملكا وعين ترما هو الخيار الوحيد لمسلحي جوبر، وهذا الخيار هو المرجّح الاّ اذا اختار المسلّحون القتال حتى الرمق الأخير، وهذا ما لم يحصل في أيّ مكان على امتداد كل المواجهات بينهم وبين الجيش العربي السوري. ومن المفيد التذكير أنّ لجان المصالحة التي تعمل بشكل دؤوب في أكثر من مكانٍ في ريف العاصمة وتحديداً في حرستا وبالتوازي مع تظاهرات للأهالي في أكثر من قرية محيطة بدوما سيكون لها فاعلية أكبر، فسلسلة الهزائم التي تتعرض لها الجماعات المسلّحة والملل الذي يعيشه أهالي الغوطة الشرقية سيكون لهما دورٌ كبير في التملّص من سلطة هذه الجماعات، وعليه فسيكون تحرير جوبر محطة انتقالية ستسرّع في حسم المعارك في الغوطة الشرقية وفي الكثير من مناطق سورية. ختاماً، باعتقادي أنّ معركة الغوطة لن تطول كثيراً وستشكل مع حسمها بداية الانهيار الكبير لهذه الجماعات على كامل الأرض السورية، فمنذ سنة يحقق الجيش السوري انتصاراتٍ متواصلة بينما تعيش هذه الجماعات هزائم كبيرة مدوية، إنه زمن سيادة الجيش العربي السوري وزمن أفول نجم هذه الجماعات. سلاب نيوز |