كثيرة هي المعارك التي يخوضها الجيش السوري هذه الأيام،فلا يوجد جبهة هادئة من الشمال الى الجنوب، وعلى مدار الساعة تحصل العديد من المتغيرات في خرائط السيطرة العسكرية. ففي الوقت الذي يخوض فيه الجيش السوري معركة ضد الجماعات المسلّحة كلها، تخوض هذه الجماعات فيما بينها معارك نفوذ وتصفية حسابات يبدو أنها ستكون لمصلحة الجماعات الأكثر تشدّداً كـ”داعش” و”النصرة” وخصوصاً في الشمال السوري، بينما تسير الأمور بنفس الإتجاه ولكن ببطء في الجنوب السوري لمصلحة جبهة النصرة على حساب الجماعات التابعة لـ”الجيش السوري الحر”.وفي نظرة سريعة لطبيعة المعارك على كامل الأرض السورية نتبيّن التسارع الكبير في وتيرة المعارك وخصوصاً بعد تحرير يبرود وأغلب مناطق القلمون لمصلحة الجيش السوري بمعزل عن بعض الإنجازات للجماعات المسلّحة في الجنوب السوري والتي تكلمنا عنها اكثر من مرة، وهي معارك لم تصل بعد الى حد تشكيل معالم يمكن أن تغيّر في طبيعة النصر الإستراتيجي الذي حقّقه الجيش السوري.
ففي الشمال السوري وتحديداً في حلب تذهب الأمور ميدانياً باتجاه تحوّل نوعي لمصلحة الجيش السوري رغم العديد من الهجمات اليومية التي تشنّها الجماعات المسلّحة على صفحات التواصل الإجتماعي والمواقع الإخبارية، وهي معارك تدخل في باب شد العصب ورفع المعنويات بعد دخول هذه الجماعات مرحلة مقدمات الإنهيار الإدراكي وهو مصطلح يعني وصول المسلحين الى قناعة داخلية بعدم قدرتهم على المتابعة وتحقيق النصر، وهذا الأمر هو فعل تراكمي ينشأ بعد تعرض هذه الجماعات لسلسلة من الهزائم.
الهجمات التي تشنها هذه الجماعات في هذه الفترة تتركز في جنوب حلب بالقرب من معامل الدفاع وهي محاولات شبه يومية تهدف الى السيطرة على معامل الدفاع ومنطقة السفيرة لما تشكل من موقع استراتيجي هام للجيش السوري ويأتي بمثابة الرد من هذه الجماعات على تقدم الجيش السوري في ريف حلب الشمالي وحي العامرية على مدخل مدينة حلب الجنوبي.في حلب نحن أمام مشهد المتحكم الرئيسي في تفاصيله هو الجيش السوري، حيث بات الجيش يسيطر على عِقَد الإندفاع الأساسي في كل الإتجاهات ومنها قدرة الجيش السوري على تحديد ساعة الصفر لبدء معركة الحسم.
في حلب أيضاً وبموازاة المعارك العسكرية تخطو المصالحة الوطنية خطوات لا بأس بها يمكن في حال تحققها أن توفر الكثير من الدم والدمار وتفتح المجال باتجاه إعادة عجلة الحياة الإقتصادية وتفعيل قطاع الصناعة الذي تعرض لضربة كبيرة بعد سيطرة الجماعات المسلحة على المدينة الصناعية عصب سورية الصناعي والإقتصادي.
لأسباب عسكرية وأمنية وسياسية وإقتصادية تشكّل معركة حلب نقطة التحول في سير المعارك في كل سورية.
ومن هنا نستطيع أن نلاحظ الهمّة الكبيرة للجيش السوري في ريف حماه وريف حمص وفي محيط حقل شاعر الذي أعاد الجيش سيطرته عليه ولم يكتفي بإعادة السيطرة بل تعداها الى البدء بعمليات عسكرية تستهدف نقاط تموضع “داعش” في المحيط المباشر للحقل وفي القرى المنتشرة على امتداد المنطقة وصولاً الى عقيربات التي تعتبر من المعاقل الأساسية لداعش.
وفي ريف حمص وتحديداً في تلبيسة والرستن وحي الوعر باشر الجيش السوري بعمليات ذات نمط مختلف عن عملياته السابقة من المؤكد أنها عمليات التمهيد للسيطرة الكاملة في سياق عمليات كبرى بعد تحقيق الإنهاك في صفوف الجماعات المسلّحة.
هذا الأسلوب الذي يستخدمه الجيش السوري بإتقان مصحوب بعملية إحداث صدمة هي نتيجة الصب الناري لحظة البدء بالإندفاع.
في ريف حماه نحن أيضاً على مشارف مرحلة جديدة ترتبط هذه المرة بريف إدلب وليس بحماه فقط لتؤدي الغرض الأكبر وهو توسيع نطاق السيطرة بإتجاه وصل حلب بشكل مريح بالمنطقة الوسطى والساحل وصولاً الى العاصمة دمشق.
طبيعة المعارك الدائرة أيضاً في القلمون الشرقي تؤسس لمرحلة قادمة تهدف الى إبقاء التواصل البري مع بغداد آمناً وتقريب المسافة مع المنطقة الشرقية في خط موازي لهذه المنطقة انطلاقاً من السخنة بالقرب من تدمر ومن هنا ندرك السير باتجاه حسم معارك جبل شاعر وارياف حمص.
مسألة هامة ستعجّل في تحقيق الحسم هي طبيعة النزاع القائم بين جبهة النصرة والفصائل الأخرى وتحديداً في ريف إدلب ستريح الجيش السوري من أعباء كبيرة كانت ستترتب عليه فيما لو قاتل النصرة وهذه الجماعات مجتمعة، وكذلك سيكون الأمر عندما تصل النصرة وداعش الى التماس المباشر بعد حسمهما المعارك ضد الجماعات الأخرى حيث ستكون المعارك الأكثر ضراوة التي ستشهدها معارك الإخوة الأعداء، وهنا نحن لا نتكلم عن تصور خيالي إنما نتكلم عن مشهد تكرر كثيرًا وسيحصل قريبًا خصوصاً أنّ المعلومات تفيد عن مغادرة جمال معروف الى تركيا بعد هزيمته بمواجهة جبهة النصرة، في نفس الوقت الذي أكدت فيه المعلومات مغادرة قسم من قادة الجماعات المسلحة في داخل مدينة حلب أيضاً الى تركيا، بينما ينقسم القسم الباقي من هذه الجماعات بين مؤيد للمصالحة ورافض لها.
إنّ النماذج التي قدّمتها الجماعات المسلحة لم تكن هي النموذج الذي حلم به بعض فئات الشعب السوري التي انساقت تحت الشعارات الجميلة للثورة، فمن المؤكد أنّ الكثير من هذه الفئات تعتبر نفسها في حالة تضليل وبالتالي فهي ستكون الى جانب العودة الى حضن الدولة التي تجهد لتقديم نموذج يساعد في حسم المعارك والتخلص من حالة الحرب وهو أمر تلاقيه بعض الفئات التي تشكل حجماً تمثيلياً بنوايا طيبة وصدر مفتوح.
عندما نتكلم عن الحسم فلا يستطيع أحد تحديد مدة زمنية لارتباط الأمر دائمًا بتعقيدات ميدانية وسياسية وغيرها، ولكنه من المؤكد أننا أمام صورة هي كما وصفناها تماماً.
ضابط سابق (خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية)- سلاب نيوز