الأخطاء القاتلة للإخوان المسلمين

الأخطاء القاتلة للإخوان المسلمين

محمد السوري
تبدو تجربة الإخوان المسلمين في الحكم هي التجربة الاكثر جدلاً في عالمنا العربي ، ورغم نهوضها بقوة خلال الربيع العربي إلا أنها سرعان ما همدت وعادت إلى نقطة الصفر ، فما السبب وراء انهيار صرح الإخوان السياسي في الحكم وهو في مرحلة التأسيس ؟
لا شك أن هذا سببه اخطاء استراتيجية وداخلية كبيرة اقترفها الإخوان وقد كلفتهم هذه الاخطاء سنوات مديدة من النضال المشبوه وغير المشبوه ليصلوا إلى هذه النقطة التي وصلوا أليها ، ولعل أبرز الاخطاء التي علينا ذكرها للإيضاح هي :
1- تبني خطاب غير وطني : لقد تبنى الإخوان في مصر تحديداً خطاب ينطلق من منطلق العشيرة أو التنظيم أو الحزب أو حتى الطائفة والدين ولا ينطلق من منطلق مصر ككل ، فمحمد مرسي لم يكن ينطق عن مصر كلها وإنما كان ينطق في خطاباته عن الإخوان في مصر وعن منهج تنظيم الإخوان في مصر ، فلم تكن خطاباته خطابات يشعر بها المواطن المصري مهما كان انتمائه السياسي او الطائفي او الديني او العرقي أنها تمثله وتمثل بلده ، فعلى سبيل المثال إن رأينا خطابات قادة الدول المتحضرة والتي سبقتنا بكثير في تجربة الديمقراطية نرى أن قادتها يتكلمون بكلام وطني جامع بل إنهم يخطبون بكلام ينطلق من منطلق امة بأسرها لا الحزب ولا الطائفة ولا العرق وإنما ينطقون عن فئات الشعب كلها في الداخل بلدانهم، فلا يتبنون خطاب تمييزي أبداً فهل رأيتم أحداً من قادة العالم الديمقراطي المعاصر يتبنى خطاب تمييزي او عنصري ؟ ، حتى لو كانوا يخفوه إلا انهم لا يظهروه أبداً على الإعلام كما حدث مع الإخوان الذين فضلوا أن ينتهجوا النهج الأردوغاني الفاشل والمعروف أنه فاشل ، فأردوغان ما وصل إلى ما وصل إليه في تركيا لولا فتح العلاقات مع سوريا وإيران ، وتسكين المشكلات الداخلية لا حلها ، وهاهي اليوم تنفجر في وجهه كدليل اكبر على فشل هذه السياسة
2- تبني مشروع خاطئ وأدلجته فيما يسمى مشروع الخلافة : تبني الإخوان لمشروع ما يسمى بالخلافة يعد أحد أبرز أخطائهم الاستراتيجية ، فالتفكير بهذا المستوى في عصرنا هذا هي حماقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، فالخلافة هو نظام حكم مستوحى او مستورد من زمن قديم يمتد دهراً وأكثر ، فيكف يريد من يفتن به أو يغر بنجاحه اليوم أن يضرب بعرض الحائط وبجهالة قرون من التطور النثروبولوجي للحضارات ! ، وكأن هذا الفارق الزمني الهائل لا يعد ذا أثر على عصرنة أو إيجاد هكذا نظام في هذا العصر الذي تفكر فيه الامم الكبرى والمتزعمة للعالم ببناء مستعمرات بالفضاء او إنشاء مزارع على سطح القمر!
أنا هنا بالطبع لا أنتقد نظام الخلافة في العصر القديم ، بل هو قد يكون الأفضل في عصره وفي ظروفه المحيطة به وفي عالمه الذي كان يعيش فيه والذي يختلف تماماً عن عالمنا هذا في زمننا هذا ، فمن يعشق ذلك النظام ويعشق أن يعيش في ظله ليس أمامه إلا ان يبني آلة للزمن ويعود إليه ليعيش فيه فهذا الخيار الأكثر واقعية ومنطقية من نجاح ما يسمى بالخلافة في عصرنا هذا !
ودعونا ننبه لأمر آخر في طرح مصطلح الخلافة في هذا الزمن ، وبغض النظر عن أن التطور الانثربولوجي ، ولنسأل سؤال خلافة من يريدون أن يخلفوه : محمد رسول الله (ص) أم علي بن أبي طالب عليه السلام ورضي الله عنه وأرضاه آخر الخلفاء الراشدين؟
فمن هو هذا الشخص المغوار الشجاع والحكيم العالم والصادق الأمين الذي هو بمنزلة أن يخلف رسول الله أو أهل بيته وصحابته (ص)؟
نحن جميعاً نعلم أن في زمننا هذا لا وجود لهكذا شخص في منزلة الصديقين أبداً ، فعلى أي أساس يطرح مشروع الخلافة إذاً ولا يوجد خليفة ؟
يريدون خلافة دون وجود الخليفة! ، هذا يعني أنهم يريدون إنشاء نظام ملكي بالمعنى الدقيق وليست الخلافة بالمعنى الدقيق ، ونظام ملكي ليس شكلي كما في بريطانيا والدول الديمقراطية وإنما نظام ملكي يتحكم بكل مفاصل السلطة كما في السعودية ، ففي زمن تتوق فيه الشعوب العربية إلى الحرية والديمقراطية والتخلص من الدكتاتورية والاستبداد والالتحاق بركب الأمم الاخرى كأوربا وروسيا واليابان والصين لتزدهر الحضارة العربية ويزدهر معها الإسلام يتبنون هم مشروع يعيد الشعوب إلى أقبية الاستبداد والدكتاتورية ويجعلها تسير معاكسة لكل الامم المتحضرة والمتفوقة علينا بسنين ضوئية في طريق العودة إلى الزمن القديم لا إلى المستقبل الواعد كما يطرحون!
فمن الطبيعي جداً بل إن الفطرة لدى كل إنسان غير مغرم بالعودة بالزمن ليعيش في الزمن القديم أن يرفض وينبذ هكذا مشروع ، وبالإضافة إلى أن مصطلح الخلافة لوحده لا يوحي بمشروع نظام ملكي وحسب بل يؤدلج هذا المشروع ويصوره على انه مشروع ملكية طائفية ودينية استبدادية مما يخيف كل الأطراف العلمانية واليسارية والمتمدنة بشكل عام والطوائف الأخرى ويجعلها تشعر أنها امام خطر وجودي ، ومن الطبيعي أن يقف كثير من الإسلاميين في وجهه اتقاءاً للفتنة وويلات هكذا مشروع على الامة كما حدث في موقف الأزهر الشريف الأخير.
3- الخطأ الأهم بين أبرز الأخطاء (أساؤوا اختيار الحلفاء في ظل وجود البديل) : يعد هذا الخطأ الاستراتيجي لعدم تبصر الإخوان في السياسة وعدم قرائتهم جيداً للتاريخ الحديث ، وسبب عدم التبصر هذا هو أن الغطرسة والحقد أعميا بصيرتهم وخاصة فيما يخص الملف السوري .
كان على الإخوان فك تحالفاتهم القديمة مع الغرب الاستعماري وخاصة أن هناك البديل امامهم الذي كانوا يستطيعون قراءته جيداً من التاريخ الحديث للمنطقة وهو محور المقاومة ، ولكنهم آثروا على ذلك أن يذهبوا إلى أحضان مشيخات الخليج الرجعية والعميلة ، وكانت هي من حفر تحتهم لإسقاطهم ، وكانت هي من وضع الخنجر في ظهرهم ، فليست القضية لدى هذه المشيخات سنة ومصلحة طائفة وإنما القضية هي عروشها وفقط عروشها ، وأي شعور بالتهديد لهذه العروش إن كان وهم أو غير وهم فهم سيتحالفون مع الشيطان وينامون معه لإسقاط هذا التهديد أو ما يثير وهم هذا التهديد.
أما بالنسبة للملف السوري تحديداً ، فقد فتح النظام السوري الباب للإصلاحات السياسية وعرض عليهم المشاركة بالسلطة ، ولكنهم تعاملوا بغطرسة واعمتهم الاحقاد القديمة عن انتهاج المنهج الصحيح والدخول في سوريا بتجربة سياسية تحقن الدماء وتفتح صفحة جديدة ليس أمام النظام وحسب وإنما أمام سوريا والشعب السوري ككل ، فقد كان عليهم انتهاج سياسة غير مؤدلجة ومشروع سياسي يكتسب ثقة جميع فئات الامة لا فئة واحدة دون غيرها ، وتبني خطاب يوحد الأمة ويحمل همومها ويصوب البوصلة التائهة ، ففي سوريا من قال أن النظام السوري لا يمكن مشاركته أو التعامل أو توحيد الصفوف معه ، ها هي حماس الإخوانية ألم تتعامل وتتشارك معه في قضايا الامة طوال هذه المدة؟ ، أولم تستطع أن تحقق إنجازات عسكرية وسياسية مستفيدة من هذه الشراكة في المقاومة مع هذا النظام العلماني او اليساري ؟ ، ألم يكن من الأفضل للإخوان المسلمين أن يمدوا يدهم للمصافحة حين مد النظام السوري يده لها قبل أن تسقط كل هذه الدماء وتصبح المصافحة أمر شبه مستحيل ؟ ، ألم يكن من الأفضل لأحقاد ومشكلات الماضي أن تدفن من أن تفتح احقاد ومشاكل جديدة طمعاً بسلطة و بمشاريع غبية لا يمكنها ان تنجح ؟.
ما هو البديل الذي كان مطروح أمام الإخوان المسلمين إذاً؟
البديل وهو الخيارات الصعبة ولكنها الصحيحة ، فالنفترض معاً أيها السيدات والسادة لو أن الإخوان أنهوا تحالفهم مع الغرب واتجهوا لتبني مشروع المقاومة بعيداً عن الطمع بالسلطة والنفوذ وبعيداً عن الغطرسة والاحقاد القديمة ، وتبنوا الخطاب الوطني الجامع وسعوا لتوحيد الامة على مشروع مدني معاصر فيه مصلحة لكل فئات الامة وللامة كلها لأجل تطورها والتحاقها بركب الحضارات الاخرى ، ولو انهم فتحوا صفحة جديدة مع النظام السوري وقبلوا التشارك معه في السلطة في سياسة وطنية جامعة ووأدوا الفتنة في سوريا في مهدها وساعدوا على إطفاء الحريق فيها ،ألم يكونوا حينها في الجانب الصحيح من التاريخ ؟!
ليس صحيح أن مشروع المقاومة مشروع شيعي طائفي والإخوان يعلمون ذلك جيداً ، وليسألوا حماس الإخوانية التي كانت جزءاً منه وأحد أعمدته ، وليسألوا الجهاد الإسلامي ، وليسألوا جميع الفصائل الفلسطينية المجاهدة والمقاومة عنه فهي جزءٌ منه ، هل فرضت إيران يوماً على حماس أي مشروع أو منهج تشييعي لتنتهجه في قطاع غزة إن كان في التربية والتعليم او في المساجد او في الإعلام التابع لها حتى؟
لنتقي الله ونقول كلمة الحق ، إن مثل هكذا امور لم تحدث لا في غزة ولا في لبنان ولا في سوريا ولا في أي بلد من بلدان محور المقاومة ، لأن مشروع المقاومة هو مشروع امة وليس مشروع طائفة ولا حزب ، وقد نجح في الصمود امام كل التحديات الصعبة حتى الآن ، وأيضاً أليس المفترض من المنهج الإخواني أن يكون غير طائفي ؟ ، أوليس البنا من قال : “اعلموا أن أهل السنة والشيعة مسلمون تجمعهم كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهذا أصل العقيدة، والسنة والشيعة فيه سواء وعلى التقاء، أما الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب فيها بينهما” ؟، فكيف ينتهج أتباعه مناهج تكفيرية إقصائية وطائفية مقيتة؟! .
من المؤكد أن الربيع العربي فتح للإخوان أبواب فرص ذهبية لتعديل منهجهم والعودة لسلوك الصراط المستقيم في السياسة ، ولكنهم أساؤوا تقدير الأمور ، وبالغوا في اعتمادهم على الداعم والراعي الغربي الاستعماري ، ولم يستطيعوا إيجاد مشروعهم السياسي الخاص القادر فعلاً على اجتياز خنادق الأزمات والتحديات الصعبة بنجاح ويوصلهم إلى بر الأمان بسلام ، بل إنهم اختاروا سلوك طريق محفوف بالمخاطر وفي مركب قديم بالي لا يصلح لسلوكه في زمننا هذا ، فما كان إلا أن انهار هذا المركب وتركهم في العراء يواجهون هذه المخاطر.

» الناتو المصري وحرب المسلمين على المسلمين واقالة قادة الجيش في مصر ..وما هو الرد السوري اذا تدخلت مصر عسكريا بسورية ؟
» ديلي تلغراف: ميليشيا مسلحة تابعة للإخوان المسلمين تشن هجمات داخل سورية
» ديلي تلغراف: ميليشيا مسلحة تابعة للإخوان المسلمين تشن هجمات داخل سورية
» ما هي نقطة ضعف «داعش» القاتلة؟
» فيلم جنسي لأحد قادة لواء التوحيد يهز ويصعق اللواء التابع للإخوان المسلمين بحلب