كتب خليل قانصو: جيش المونترا ...وجيش سورية

كتب خليل قانصو: جيش الكونترا.. و جيش سورية

تذكرك الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية على سورية منذ آذار 2011 ، بما لها من سابقات في مجال التدخل في شؤون دول العالم الثالث لقلب نظم حكم تعاندها أو أستهلكت أو أفتضحت فلم تعد قادرة على أداء ما يـُطلب منها من أجل بسط وتقوية نفوذ المستعمرين الجدد . غني عن البيان أن تبـِعة ذلك على الشعوب المعنية كانت دائما كارثية . تجسدت بالتقهقر ثقافيا و إنمائيا و سياسيا .
وفي هذا السياق يرتجع العدوان على سورية بواسطة صنائع الولايات المتحدة الأميركية من أمراءالنفط و حلفائها في الدول الغربية و عملائها في البلاد المجاورة ، أمام الذاكرة عدوانا مماثلا تعرضت له النيكاراغوى بإيعاز من الرئيس الأميركي ريغان في العام 1981، أستمر عشر سنوات . حشدت الولايات المتحدة الأميركية أستعدادا له ألاف المقاتلين ، من المرتزقة من نيكاراغوى نفسها و من خارجها أيضا . فحولت تنظيما سياسيا يمينيا الكونترا ، إلى " جيش " يكاد أن يكون " الجيش السوري الحر" نسخة طبق الأصل عنه ، بأستثناء الفرق بينهما المتمثل بتصنيف هذا الأخير في خانة " الثورة " و تأييده من قبل بعض اليساريين و المفكرين العرب طبعا ، الذين لم يعد يحرجهم أن يقدموا تغطية إعلامية و دعائية لحملة أستعمارية ، يتزعمها أمراء الخليج ، غايتها أسقاط الدولة السورية كونها العقدة التي تعيق قبول كيان الإستعمار الإستيطاني الصهيوني كأمر واقع ، وتصفية القضية الفلسطينية بعد أن تم عزلها و فصلها عن بعدها السوري العربي .
كانت الحرب ضد نيكاراغوى نموذجا عن حرب تخوضها الولايات المتحدة الأميركية ضد عدو لها ، دون أن يطأ جنود جيشها أرض المعركة . فلقد أستطاعت تشكيل جيش بديل من المرتزقة ، وتجهيزه ، وتمويله بواسطة اصحاب الشركات المتعددة الجنسيات و مساهمات الدول التابعة والصديقة . و حددت له الأهداف و رسمت الخطط لبلوغها . أما على الصعيد الميداني فأقتصر دورها على فرض العقوبات الإقتصادية لتجويع الناس و منع الدواء عن المرضى . بالإضافة إلى الحصار و زرع الألغام في الموانئ البحرية ، و حرق المحاصيل الزراعية .
تكفـّل جيش الكونترا في نيكاراغوي الذي كان السلاح يأتيه من الولايات المتحدة الأميركية بطرق مباشرة و أحيانا ملتوية ( أيران ـ غيت 1986) ، بضرب المرافق الإقتصادية في البلا د ، وقطع الطرقات و تخريب البنية التحتية ، و مهاجمة المباني الحكومية ، و تعطيل العمل في الإدارات الرسمية والمدارس المستشفيات و غيرها من المصالح الخدماتية . ناهيك عن القتل و الأختطاف الذي طال أيضا الخبراء الأجانب ، والسطو على الأملاك الخاصة و العامة .

يحسن التذكير هنا بأن عدد الجنود المرتزقة الذين جلبتهم الشركات الأمنية الخاصة إلى العراق كان يفوق عدد جنود جيش الغزو الأميركي الرسمي . شركة بلاك ووتر والجرائم التي أرتكبها مرتزقتها في العراق من مقتلة ساحة الفردوس في بغداد إلى الهجوم الوحشي على مدينة الفلوجة و أستخدام " الفوسفور الأبيض " ضد سكانها (نفس الفوسفور الذي أمطره المستعمرون الإسرائيليون فوق قطاع غزة في 2009) ، هي من العناوين و الوقائع التي يستدل منها على نوعية الحروب التي تقوم الولايات المتحدة الاميركية بتلزيمها جزئيا أو كليا إلى شركات أمنية بقصد تجنـّب المساءلة أمام مؤسساتها الشرعية و "ديمقرطيتها" .
لقد قاومت حكومة نيكاراغوى و شعبها و قواتها المسلحة العدوان الاميركي و جيش الكونترا طيلة عشر سنوات . نجم عنه تضحيات كبيرة فرضت على شعب لا يزيد تعداده عن ثلاثة ملايين ونصف المليون . شُلّ إقتصاد البلاد ، و توقفت المشاريع الإنمائية و الإصلاحية التي كان الناس ينتظرون تنفيذها بعد أنتصار الثورة التي قادتها جبهة التحرير الوطني (Sandinista) سنة 1979واسقاط نظام الديكتاتور سوموزا. لم تتوقف حرب الكونترا قبل أن تـُستنفد طاقة الشعب على الإحتمال ويضطر إلى التسليم بأن الظروف تحتم عليه البقاء تحت الوصاية الأميركية. كون بلاده تقع في أميركا الوسطى بالقرب من قناة بنما. سهـّل ذلك فوز عملاء الولايات المتحدة الأميركية في إنتخابات 1990 فعادوا إلى رأس السلطة .
لأعد من بعدُ ، إلى مسألة الحرب ضد سورية . لا أدري كم من الأشهر أو السنوات سوف تطول و ما إذا كان السوريون سينجحون في أصلاح حالهم و تطوير قدراتهم ورفع مستوى وعيهم ويقظتهم بموازة تصديهم لمقاومة عصابات جندتها الولايات المتحدة الأميركية لقتالهم و هدم دولتهم تكرارا مرة أخرى لنموذح عصابات الكونترا التي جيّشتها ضد نيكاراغوي في تسعينيات القرن الماضي.
لا منأى في هذا السياق عن القول بأن ما يعنيني في هذا البحث هو سورية الوطن و موضع الأمل في بعث نهضة تؤسس لحركة تحرر تضيئ الطريق أمام الإنسان العربي ليسترد كرامته وحقوقه و حريته ، ويدحر المستعمرين عن أرضه.
وفي مضمار البحث ، ظهرت منذ أن أبتدأ العدوان الأميركي معطيات كثيرة ، فضلا عن أراء بعض المحللين والمفكرين الذين ينشطون لكشف الحقائق و تبيان الأخطار من هذا العدوان، بعكس آخرين أختاروا عمليا ، تحت حجج سخيفة ، الوقوف كمثل أمراء النفط إلى جانب الأعداء ، وتحولوا إلى توظيف أقلامهم و أقوالهم في مجال التعمية الدعائية فملئوا أعمدة الصحف تغنيا بالحرية والديمقراطية و أحتلوا شاشات قنوات المشيخات . و تأسيسا عليه تجوز الملاحظة بأن أصحاب المفاسد الذين نخروا بنية نظام الحكم في سورية ، يسارعون إلى التخلي عن مواقعهم ووظائفهم مقابل رشى يأخدونها من أمراء الخليج . ومن المحتمل أن يكونوا ، أو أمثالهم ممن لم ينشقوا ولم يهاجروا حتى الأن إلى العاصمة القطرية " هانوي الثورات العربية"، مسؤولين عن الثغرات الأمنية والأخطاء الفادحة، المذهلة ، كتلك التي أتاحت إدخال متفجرات إلى مركز أمني ، او التي جعلت طواف شاحنة صهريج معبأ بالنفط ألصقت بها عبوة ناسفة ، بوسط دمشق ،في وضح الصبح ، أمرا ممكنا . يستحيل أن ترى كمثل هذه الشاحنة ، حتى لو كانت لا تحمل قنبلة لاصقة ، تجول في شوارع مدينة أوروبية . فمقتضيات السلامة العامة لا تسمح بذلك .

ولكن يبدو في مقابل هذا كله ، أن الجيش العربي السوري فاجأ المعتدين وأبطل توقعاتهم. فلقد أظهر جنوده و ضباطه دائما في الأوقات الحرجة حرصهم على وطنهم وتفانيهم في الدفاع عنه ، رغم ما قيل عن ترهل بعض قادته وما تنامى الى العلم عن سوء تصرفهم. فهو جيش جميع السوريين و العرب وليس جيشا لطائفة أو لفئة.

و مهما يكن ، فالرأي عندي ، ان الحرب على سورية لا تعني السوريين فقط وأنما تعني جميع أهل بلاد الشام أيضا . مثلها كمثل القضية الفلسطينية . أن أنتصروا فيها صاروا أحرارا يقررون مصيرهم بأنفسهم و أن هزموا أسْكنهم الذل تحت وصاية المستعمرين قانعين خلف مشايخ الخليج .

» كتب خليل قانصو: امير قطر اشتراكي!
» كتب خليل قانصو : لمـَحات عن الربيع العربي
» كتب خليل قانصو - أيها السوريون أما آن الآوان لتثـوروا ؟
» كتب خليل قانصو: المقاتلون الاجانب و "ثورة " المستعمرين على الطغاة
» كتب خليل قانصو: الإخوان المسلمون وسط مشروع الشرق الأوسط الجديد !