كتب خليل قانصو : لمـَحات عن الربيع العربي

كتب خليل قانصو : لمـَحات عن الربيع العربي
2013-02-25 06:46:41

كيف يكون الأميركيون أمة والأستراليون أمة، ولا يكون السوريون واللبنانيون والليبيون أمما بالمعنى السياسي أو الوطني للكلمة؟ ما الذي يوحد أولئك ويـُفرق هؤلاء. أسئلة تـُلحّ منذ بداية السبعينيات، عندما أتضح أن نظم الحكم العربية التي هزمت في حزيران 1967 ليست قمينة بمواصلة كفاح المستعمرين الإسرائيليين وأنها قررت أن لا تتحمل مسؤولية عجزها وقصورها من جهة، وأن تموه هزيمتها الماحقة بانتصار مزيـّف أدعت أنه تحقق في تشرين/ أكتوبر 1973 من جهة ثانية.

و جملة القول أن هذه النظم تذرعت بانتصار مزعوم على المستعمرين الإسرائيليين، لتطوي صفحة عدواني هؤلاء الأخيرين في 1967، رغم أنهم ما يزالون بشكل أو بآخر يحتلون الضفة الغربية وصحراء سيناء والجولان السوري. المفارقة هنا هي أنه طالما كانت هذه النظم ملتزمة وأكاد أن أقول مقيدة بعقال العروبة، لم تعترف بدولة المستعمرين الإسرائيليين على الأرض الفلسطينية التي اُغتصبت سنة 1948 ولم تتجرّأ مجتمعة أو منفردة، علانية على الأقل، على التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى وطنه. تتوجب الملاحظة في هذا السياق، أنه كان من الصعب منطقيا تحميل نظم الحكم مسؤولية النكبة سنة 1948، استنادا إلى أن ميزان القوى كان يميل لصالح الجيش الذي كان الإسرائيليون قد شكلوه في ظل الانتداب البريطاني هذا من جهة، أما من جهة ثانية فإن الدول العربية المحيطة بفلسطين إما لم تكن مستقلة أو كانت حديثة العهد بالاستقلال، هذا إذا جاز استخدام مصطلح الدولة المستقلة في المنطقة العربية. على العكس من ذلك، تقع مسؤولية هزيمة 1967 على عاتق حكومات الدول التي كانت الأراضي المحتلة خاضعة لسلطتها. الغريب أنه باستثناء الحكومة السورية، اعتبرت الحكومات العربية المعنية مباشرة بالمسألة الفلسطينية وغير المعنية، أن الخلافات الناتجة عن عدوان 1967 قد سويت أو أنها في طريقها إلى التسوية، وخصوصا في موضوع الضفة الغربية. فقبلت تطبيع علاقاتها مع دولة المستعمرين الإسرائيليين. رغم أن هؤلاء أعلنوا أن الجولان السوري ومدينة القدس جزءان من دولتهم، ومن ثم فهما بالنسبة لهم خارج أطار التسوية المنتظرة. مثلما أن قطاع غزة هو خارجها أيضا لأن الإسرائيليين قرروا من جانب واحد، فصله عن الضفة الغربية نهائيا. الرأي عندي هو أنه يمكن إرجاع هذا التحول في مواقف نظم الحكم العربية تجاه المستعمرين الإسرائيليين إلى إفلات هذه النظم من عقال العروبة.
واعتمادي في هذا على العبر التي يمكن استخلاصها من أحداث مفصلية منذ أو وضعت حرب تشرين/ أكتوبر 1973 أوزارها. بدءا من زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى القادة الإسرائيليين في القدس، ومن أتفاق كامب ديفد الذي توصل إليه معهم، مرورا بالحرب في لبنان، ثم في العراق، واحتلال لبنان 1982 و بعد ذلك اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والمستعمرين لأرض فلسطين ! وانتهاء بعدوان الإسرائيليين على لبنان، ثم على قطاع غزة. لنصل إلى الحرب التي تتعرض لها سوريا في الوقت الراهن. أقتضب فأقول أن التضامن العربي ظهر من خلال هذه الأحداث مرة تلو المرة، وهو ليس فقط أكذوبة أو وهما، إنما هو في الحقيقة ضد التضامن، تواطؤ ومعاونة للمستعمرين على نظم الحكم العربية المشاغبة ولو بدرجات دنيا.

لأعد على بدء إلى نظم الحكم التي قاتلت الإسرائيليين في سنة 1973، وأخفت حقيقة ما جرى خلال تلك الحرب، وادعت أنها انتصرت. ولكن على من؟ لأقل أن هذه فضلت البحث عن حل للأزمة الوطنية والقومية المتمثلة بوجود كيان استعماري إسرائيلي مع المستعمرين الإسرائيليين أنفسهم أو مع من ينوب عنهم، أي الولايات المتحدة الأميركية. ذلك دون أن تجد هذه النظم ضرورة للرجوع واستشارة الناس في بلادها.

أنا على يقين بأن مرد إقدام الحكومات العربية على هذه الخطوة، دون أشراك شعوبها، إنما يعود إلى ظنها أنها بذلك تخدم مصلحتها، أي تضمن استمرارية وجودها أطول وقت ممكن، فلا تتحمل عناء مواجهة المعطيات التي ظهرت بجلاء في بداية السبعينيات، وفي مقدمتها أن مواجهة التوسع الاستعماري، يتطلب بناء مجتمع وطني، وأمة. الدولة هي التي تبني الأمة وليس العكس، كما نرى في بلاد العرب حيث يسود الفهم بأن الأمة موجودة وسابقة على وجود الدولة. ولكن التنازع والهزائم أثبتت خطأ هذا المعطى. يستتبع ذلك أن الدولة التي اُحتكرت السلطة فيها لصالح هذه النظم قد أخفقت في مهمة تكوين الأمة الوطنية إخفاقا ذريعا، تجلى في انعدام الثقة بينها من جهة وبين الناس من جهة ثانية. فنحا الحكام نحو المستعمرين أملا بتوقيع صلح أو هدنة معهم، ونحا الناس منحى آخر، إذ صار الكثيرون منهم يستعطون قوت يومهم بأية وسيلة من الوسائل، دون السؤال عن هوية المعطي وعن غايته. وإلا فهل يعقل أن يقود أمراء قطر الثورة في بلاد الشام؟

ولكن إذا كانت الدولة قد فشلت في بناء المجتمع الوطني - الأمة، فهل يكون الحل بإلغاء الدولة أم بمعالجة أسباب الفشل؟ خذ إليك مثل تونس، تتهاوى الدولة فيها تحت معاول الإسلاميين في حركة النهضة. التي تعتبر من يعترض على سياستها كافرا يستحق العقاب. كثيرٌ من هؤلاء نالوا جزاءهم، أضطرب الأمن في تونس وتفاقم الفقر وانقطعت مياه الشفة وتوقفت محطات توليد الكهرباء، وعمت الفوضى في مؤسسات الدولة وتزايد عدد الغرقى في البحر قبل بلوغ الشواطئ الأوروبية.

أما المصريون فليسوا أفضل حالا، تتناقص كمية الخبز وتتكاثر القوانين الفرعونية. ولا تسل عن ليبيا فلقد شرعن الإسلاميون هدم شبه الدولة فيها بواسطة قنابل حلف الناتو. الإسلاميون أنفسهم جاءوا إلى سوريا والتزموا تدمير الدولة أيضا. عطلوا المرافق الاقتصادية وقطعوا الطرقات، وخربوا المدارس وأحرقوا المكتبات والمراكز البحثية، واستخدموا قاذفات الهاون ضد الأحياء السكنية قبل المواقع العسكرية، تمهيدا لدخول قوات الناتو. من السوريين من يقاتل مع الإسلاميين، ومنهم من يقاتل ضدهم أيضا. لا يحق لأحد الآن النطق باسم المجتمع الوطني في سوريا، فلو كان المجتمع الوطني موجودا لما كان المعارضون في الخارج ولما استطاع أمراء النفط وحكام تركيا معاونة أميركا وحلفائها وإدخال ألاف المرتزقة الإسلاميين. ليس الدين عاملا ضروريا في نشوء الأمة، وليست الدولة الدينية سوى سراب. ولن توجد أمة سورية من دون دولة سورية.

» كتب خليل قانصو: امير قطر اشتراكي!
» كتب خليل قانصو: جيش المونترا ...وجيش سورية
» كتب خليل قانصو - أيها السوريون أما آن الآوان لتثـوروا ؟
» كتب خليل قانصو: المقاتلون الاجانب و "ثورة " المستعمرين على الطغاة
» كتب خليل قانصو: الإخوان المسلمون وسط مشروع الشرق الأوسط الجديد !