لا خيار سوى الحوار..بقلم احمد حسن

تؤكد تقارير موثوقة واعترافات موثقة بأنه "القاعدة"، ما يفرض على "البعض" القطع مع سياسة "النأي بالنفس" عن الحوار، التي ينتهجونها منذ بداية الأزمة، والمسارعة إلى الإقدام على خطوات سياسية جريئة، تعيد الخيوط إلى الداخل السوري، ربما كان أبعدها أثراً، اليوم، رفع مستوى أهمية الحوار في الوعي الجمعي، من مرتبة الضرورة، إلى مرتبة "فرض عين" على الجميع.
ولتبيان خطورة ما يحاك حولنا ولنا، لا بد من الانتباه إلى تزامن أحداث عدة في الآونة الأخيرة، تبدو للوهلة الأولى غير مترابطة فيما بينها، لكن القراءة الدقيقة لها توضح أنها مترابطة بصورة أكبر مما يعتقد البعض، منها تحول شمال لبنان قاعدة للجهاديين، ومنها بدء مسرحية "الخطف ثم الإفراج" بعد تدخل جهات معينة، وليس آخرها الإعلان عن انعقاد اللجنة الوزارية العربية الخاصة بسورية في الدوحة بدل القاهرة.
والحال فإن الأمر لم يعد يحتمل المراوغة واللعب على حبال الكلمات والمواقف، وانتظار تحقق الوعود الخارجية، التي رأينا بعض نتائجها في ليبيا، ما يمنح جموع السوريين حق القول بوضوح مطلق: إن كل من يرفض الحوار الوطني، أو يتأخر عن موعده، مهما كان موقعه أو تموضعه، يعتبر مسؤولاً أمام الأجيال المقبلة، ليس فقط عن منع التدخل الخارجي، بل عن مصير وطن، ودماء نساء وأطفال، لن تكون مجزرة "تلدو" آخر مآسيهم، ويصبح من الضروري التذكير بما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف منذ أيام قليلة: الآن على كل فريق اختيار جهته من الأزمة، إما الانخراط في الحل السلمي، وإما دعم السلاح والمسلحين.
بهذا المعنى فقد أصبح من الضروري للبعض مغادرة خنادقهم التي تمترسوا فيها منذ بداية الأزمة في البلاد، والإقلاع عن استخدام "لغة خشبية" لا تعترف بأن ما حدث، بعد نحو خمسة عشر شهراً، يفرض عليهم التعامل معه وفق أساليب جديدة، على رأسها ملاقاة كل خطوة بمثلها، لا مجرد التمسك بمواقف وقرارات، ربما كان أغرب نتائجها، انتفاض البعض "كالملسوع" لينفي عن نفسه "تهمة" قبول الحوار، وكأنما المقابل هو عدو وليس شريكاً في الوطن له مطالبه وهواجسه، كما لك مطالبك وهواجسك!..
والمعضلة أن بعض من كان السوريون يراهنون على وعيهم الوطني، ما زالوا يمارسون السياسة، باعتراف بعض منهم، وفق مبدأ الرأي الواحد الذي يجب أن يسود، والحزب الواحد الذي يجب أن يحكم، وهو للغرابة ما كان يسوؤهم في الآخرين، لذلك فإن مواقفهم تفصح عن إنكار مستغرب لحقيقة بدهية تقول: إن الحوار في معناه الحقيقي، ليس سوى صراع بين عقول مختلفة ومتباينة للوصول إلى توافقات معينة، يتنازل فيها كل طرف عن بعض ما يعتقد أنه حقه المكتسب، لصالح الجميع، وهو، أي الحوار، يفصح في أحد جوانبه عن عقلية مدنية تعترف بحقيقة بدهية أخرى تقول: إن الحقيقة لا يملكها أحد بذاته، ولا فريقاً بعينه، وأن نتائج الحوار لا تصادر قبل إجرائه، وليس لها من هدف سوى حفظ البلد من جهة، وشرعنة الاختلاف، وتنظيم سبل التعبير الحر عنه، من جهة أخرى، وفي المحصلة، فإن الحوار هو الخيار الوحيد الآمن.

أحمد حسن

[/b]