مصير المبادرة العربية بعد إنتصار الأسد - بقلم/علي بن مسعود المعشني

مصير المبادرة العربية بعد إنتصار الأسد - بقلم/علي بن مسعود المعشني

تفاجئت دول الربيع العربي بإتفاق الكبار في موسكو على الحل السلمي للأزمة في سوريا ، وبإقرار مؤتمر جنيف 2 لتأطير هذا الإتفاق وإخراجه بصورته النهائية ، بينما كان تيار المقاومة يراهن على أن المآل الطبيعي والنهائي سيكون كذلك طال الزمن أو قصر ، ويُراهن كذلك بأن أغرار السياسة والكومبارس السياسي سيخرجون إلى أرشيف التاريخ وهامشه كعادة الصغار ونصيبهم في لعبة الأمم .
ماسُمي بالربيع العربي بات خريفًا حزينًا بائسًا للشعوب العربية ، وجعلهم يترحمون – كالعادة – ليس على كل جميل فقدوه ، بل وعلى كل قبيح عايشوه كذلك ، لأن هذا القبيح وعلى مرارته ، كان أرحم بكثير من القُبح الذي وُلد من رحم الثورات المسخ التي عشناها . وخريفًا حزينًا كذلك لصُناع وأدوات الربيع ، من ساسة ورجال إستخبارات ومنظري الحروب القذرة ، وتجار السلاح ، ومجاهدي الإسلام الأمريكي ، والقنوات الفضائحية التي تذاكت على الشعوب حين من الدهر ، وأتت بثياب الواعظين ، فسقطت كجلمود صخر حطه السيل من عل .
الغرب وجد في ربيع العار العربي فرصة تاريخية لإعادة إنتاج نفسه في المنطقة العربية ، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من مزبلة التاريخ ، بفعل تراكم الكراهية وتعاظم الوعي لدى الشعوب ، والحدثين المفصليين وهما حرب تموز 2006م وحرب غزة 2008م ، واللذين بينا حجم إرادة الشعوب ورصيد المقاومة في وجدانهم ، ونشوة الإنتصارات والتي كانت في عداد المستحيلات في قواميس عرب زماننا ، وحجم المُمكنات الهائلة المهدورة في حياتنا ، وقبل كل ذلك حقيقة أن ضعفنا خيارًا وليس قدرًا .
خاض كيان العدو أرخص حروبه على الإطلاق بفضل ربيع العار العربي ، حيث الدمار العربي إختلط بالمال العربي والدم العربي ، لحماية أمن الكيان الصهيوني ، في سابقة تاريخية ، إقتتل فيها المظلومين وأصحاب الحق ، لنصرة الظالم وأصحاب الباطل . فبعد أن كان العرب يقاتلون من أجل فلسطين ، أصبحوا بفعل ربيع العار يقاتلون من ينتصر لفلسطين!!
جميع هذه القذارات والإنكسارات والألاعيب لم يكن لها أن تطفوا على السطح ، ويراها كل أعمى وبصير ، لولا إستعصاء دمشق وتحطم المؤامرة الكونية على أسوارها ، فبدأ الحديث عن الحل السياسي من موسكو ، ليُصرح نبيل العربي من القاهرة بأن مقعد سوريا لم يُمنح للمعارضة وأن سوريا عضو مؤسس للجامعة العربية ، بعد إن كان قبل أيام يستقبل معاذ الخطيب رئيس الإختلاف السوري ، لتدارس آثار الضربة الصهيونية على دمشق ، بعد تنديد خجول بذلك من جامعة العربي .
ويخرج تصريح بعيد المدى من الإدارة الأمريكية مفاده إمكانية ترشح الرئيس اليمني "المتواري" علي عبدالله صالح للرئاسة في اليمن في الإنتخابات القادمة ، وجميعنا يعلم بأن السيناريو اليمني كان ذات يوم مقياس وحل إلزامي من قبل دول الربيع لسوريا . ويتجدد الحديث عن المُبادرة العربية للسلام مع الكيان الصهيوني والتي أقرتها قمة بيروت عام 2004م ، ومضمونها الأرض مقابل السلام أي العودة إلى حدود الرابع من يونيو 1967م .
يمكن الجزم بأن الشق المُسلح في الأزمة السورية قد إنتهى ، وسيراهن تيار الربيع على ملفات أخرى مستقبلية ، منها الإنتخابات ودور المال السياسي ، وكذلك الإختراقات عبر الإصلاحات السياسية والإقتصادية والمجتمع المدني ، تلك الأدوات التي أسقطوا من خلالها نظام العقيد القذافي ، وإستباحوا ليبيا .
الروس بطبيعة الحال هم أذكى وأقوى اللاعبين على الساحة الدولية اليوم بعمل دؤوب وفاعل ، وبدون صخب أو ضجيج أو إستعراض عضلات من أي نوع كانت ، كما يفعل الغرب ، فالروس كما قال فيهم بسمارك موحد المانيا : "الروس يُبطئون حين يسرجون خيولهم ، ولكنهم ما إن يمتطون صهواتها تجدهم في مقدمة الركب" ، لهذا وضع الروس عمر ستة أعوام للأزمة السورية ، لتنتهي بجميع مخططاتها ومراحلها ، العسكرية والسياسية والإستخباراتية والإقتصادية وتداعياتها كذلك ، والروس كذلك يعلمون بأن الجعجعة لا تنتج طحين ، لهذا يواصلون إنكبابهم على تحقيق الرقمين المصيريين في حياتهم ولبلادهم والعالم كذلك ، وهما 2016 و 2022م ، ففي العام الأول سيتم الإنتهاء من تحديث القوة العسكرية الروسية بجميع وحداتها ومكوناتها البشرية والتسليحية ، وفي العام الثاني ستصبح روسيا القوة الأولى في العالم وبلا منازع ، عسكريًا وإقتصاديًا .
لهذا فهم غير قلقون بعد اليوم على مصير مصالحهم أو حلفاءهم ، كما أنهم غير مكترثين بما يدور حولهم من جعجعة وغثاء ، لأن الخراج سيأتيهم لا محالة ، ونصيبهم محفوظ في كل قضية ومحفل . وبما أن الروس يُبطئون في سرج خيولهم ليكونوا في مقدمة الركب على الدوام ، فقد وجدوا ضالتهم في النظام السوري ومنذ الأسد الأب ولغاية اليوم ، لهذا أبرم الرئيس بوتين إتفاق إستراتيجي مع الرئيس بشار الأسد عام 2007م ، وهو بمثابة شراكة بين البلدين للتموضع في مفاصل النظام العالمي الجديد والذي يتشكل من دمشق اليوم . وليس سرًا أن القيادة السوفيتية – ومن واقع تجاربها وتحالفاتها في المنطقة - كانت تعتبر دمشق على الدوام شريكًا إستراتيجيًا يُمكن الإعتماد عليه والوثوق به ، كونها تحظى بنظام شديد الرسوخ وذو نظرة ثاقبة للأمور ، ودقة متناهية في حسابات الكسب والخسارة من كل موقف ، والأهم من كل ذلك أنه نظام غير هوائي ولا يبني سياساته على ردود الأفعال ، وليس سرًا كذلك أن الروس تعلموا الكثير من الدروس من النظام السوري ، لهذا تيقنوا بأن مصالحهم مع سوريا أكبر بكثير من مصالحهم فيها ، فعضوا عليها بالنواجذ .
صحيح أن نظام الأسد لم يُطلق رصاصة واحدة في الجولان منذ إحتلاله عام 1967م ، ولكنه جيش العُدة والعتاد لفصائل المقاومة ضد العدو لتصبح تلك المقاومة اشد وأمضى من أية رصاصة تُطلق من الجولان ، ومن يقرأ ملحمة غزة الأخيرة بعين العقل ، يُدرك أن إشغال دمشق بالإرهاب لم يشغلها عن دعم المقاومة بأحدث الأسلحة والخطط ، ويكفي أن نعترف بأن تلك المنازلة برهنت بأن غزة لم تعد حماس وحماس لم تعد غزة ، كما كان عليه الحال عام 2008م ، فالمقاومة بأطيافها وتلاحمها وتعددها ، تجعلنا لا نخاف ولا نأسف على المقاومة نهجًا وثقافة ، سواء رحلت حماس أو رحل مشعل وهنية وغلبوا إخوانيتهم على قضية وطن وأمه .
وبالعودة إلى المبادرة العربية ، فإن مجرد بعثها يعني صراحة اليأس والإعتراف بالهزيمة من قبل تيار الربيع ، والذي راهن على إنكسار دمشق أولًا للتسويف بالقضية والمتاجرة بها من جديد بما يحقق مصالح الكيان ويحمي أمنه ، ويضمن تفرده ، بعد أن يُصبح العرب بلا جيوش أو مقاومون!! حينها – وفق تصورهم ومخططهم – سيقبل الرفيق عباس بمزرعة من بضعة أفدنة تُسمى الوطن البديل.
اليوم تنتصر المقاومة وللمرة الألف ، وتنتصر إرادة المقاومة وثقافتها ، لهذا يلتف حولها الناعقون لتحقيق إنتصارسياسي كالعادة ، يُفرغ هذا الإنتصارمن مضامينه ودلالاته ونموذجه ، ويبقى السؤال ، هل مازالت المبادرة العربية – وبكل بنودها وتفاصيلها - صالحة حتى في زمن الإنتصارات العربية!؟ كان الصهيوني كيسنجر يسكب في عقولنا مقولة " لاحرب بلا مصر ولا سلام بلا سوريا" فهل مازلت عند مقولتك ياكيسنجر، وهل خروج مصر من المعادلة أراح كيانكم اللقيط من الحروب والمواجع!؟ لقد أصبحت سوريا اليوم مفتاح السلام والحرب ، وقبلة الكبار بفعل المقاومة ونهجها وفضيلة الصراع وأسراره العظيمة ، بينما أصبح دعاة التطبيع و"الإعتدال" كالمخطوطات البالية بفعل رذيلة السلام . أفلا يعقلون!!
بشار اليوم ليس ببشار عام 2004م ، فبشار اليوم تيقن أكثر من أي وقت مضى بأن مصير الأمة في عرينه ، فهل سيتنصل بشار ويتنكر لكل هذه الدماء الطاهرة التي سالت على أرض الشام العزيزة؟ وهل سيتنكر لقوافل الشهداء من أجل الأرض والعرض والعزة والكرامة؟ وهل سيتنكر لشرف أمة كانت ومازالت خير أمة أخرجت للناس ؟ وهل سيتنكر لصلوات كبارنا وآمال صغارنا بأن نعيش بكرامة تليق بنا فوق الأرض وتحت الشمس؟ وهل سيتنكر لمحاريب الجوامع وأجراس الكنائس والتي تتعانق منذ فجر التاريخ كأخوة في التراب والمصير؟ وهل سيخذل حملة مفاتيح ديارهم المسلوبة من حق العودة؟
كل هذا يجعل بشار يقول : لكم مبادرتكم ولي مبادرتي ، فخذوا عني سلامكم ، لإن دمشق الغد لن يُملي عليها أحد كيف تتعامل مع الكيان الغاصب ، وتحت أي مسمى كان ، فكما تحدد دمشق علاقتها بموزمبيق ستحدد علاقتها بكيان العدو بلا أدنى شك ، لقد أصبحت الإنتصارات أمامنا والهزائم خلفنا بفعل المقاومون من شرفاء الأمة والذين لم تُلهيهم تجارة ولا بورصة ولا نفط ولا غاز عن شرف الأمة وكرامتها ، وسقطت وإلى الأبد مقولة زعماء عصابات شتيرن والهاجاناة والذين إغتصبوا فلسطين ذات يوم ثم قالوا : لقد أدخلنا في عقل الحاكم العربي أن إسرائيل لا تُهزم!! فلقد برهنت دمشق كذبة كبرى إسمها إسرائيل ، هذا الكيان المسخ والذي يتآكل عبر الحرب والسلام معًا الأيام بيننا .

» مصر ومُرسي والكُرسي - بقلم: علي بن مسعود المعشني
» صراع المُقاومون والمُقاولون - بقلم/علي بن مسعود المعشني
» حزب الله يُفتت حزب الشيطان مُجددًا - بقلم/علي بن مسعود المعشني
» إيران... وغباء السياسة الأمريكي بقلم/علي بن مسعود المعشني
» المبادرة التي أغضبت إسرائيل والغربان والعربان !! بقلم: الإعلامية مها جميل الباشا