صراع المُقاومون والمُقاولون - بقلم/علي بن مسعود المعشني

صراع المُقاومون والمُقاولون - بقلم/علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com
حين تولى الرئيس الراحل أنور السادات الرئاسة في مصر ، وفي إطار سياسة الإجتثاث وحرق المراحل والبناء على الأنقاض والتي أبتليت بها الأمة في تاريخها الحديث ، عمد إلى تجفيف الناصرية تدريجيًا من مصر وكانت تلك سياسة بريطانية/أمريكية ، لخلق بُنية تطبيعية مع كيان العدو تبدأ لبنتها الأولى بحرف الأمة من الشرف إلى العلف .
فكان التهويل من أخطاء العهد الناصري منهجًا ، والجيش الذي لايُقهر عقيدة ، وتجاهل منجزات دولة الكرامة العربية الناصرية هدفًا ، وشاعت نظرية"إن عهد الزعامات قد ولى وإنتهى" لتكريس القُطرية والتشبث بالكراسي وبناء دول السوبر ماركيت في أرجاء الوطن العربي ، والتي تستورد وتستهلك كل شئ من الغرب عداء الهواء الذي تستنشقه .
من المعلوم بأن الإقتصاد هو اللاعب الأكبر والأخطر في تشكيل الشعوب وتطلعاتها ووعيها الجمعي ، فبقدر رفاهيتها تنزع نحو الهدوء والسكينة والوداعة للحفاظ على تلك المكتسبات وترقب المزيد ، وتزداد تلك الوداعة هشاشة وتدجين وإنبطاح ، في ظل خواء تلك المُجتمعات من الأبعاد الأخلاقية والقيم والرسالة والتي تجعلها سيدة للمال لا خادمة له ، وتأخذ في المقابل المجتمعات الفقيرة نزعة التمرد والإستعداد للتضحيات من باب أنه لا يوجد ماتخسره سوى العدم الذي تمتلكه . والمسألة هنا نسبية وليست مٌطلقة ، حيث أن عقيدة النضال ودفع المظالم ونُصرة الحق ، لا علاقة لها بالغنى والفقر ، بقدر علاقتها بقيم الشعوب وزادها الأخلاقي .
بدأت ثقافة "المقاولون" تنتشر تدريجيًا بُعيد رحيل الزعيم الخالد جمال عبدالناصر ، وتعاظمت تلك الثقافة تدريجيًا ، لتصبح قضية فلسطين قضية لاجئين ومعونات وإغاثة في أذهان الأجيال التي نشأت وترعرعت في أحضان ثقافة المقاولون ، بعد أن خبرنا التاريخ القريب بأن 12 ألف تونسي شدوا الرحال عام 1948م للجهاد في فلسطين ، ولنُصرة شرف الأمة وكرامتها ، قضت أعدادًا منهم في الطريق جوعًا وعطشًا ، وكذلك حال الآلاف من ليبيا والجزائر والمغرب والسودان ، ناهيك عن بلدان المشرق العربي ، وللعلم فإن حي المغاربة بالقدس ليبي بكامله وسُمي بذلك كون من أنشأه وقطنه أتى من الغرب ، وهم أحفاد مجاهدين من عهد صلاح الدين الأيوبي ، والذي طلب من واليه بطرابلس حينها شرف الدين قراقوش إرسال مقاتلين من ليبيا إلى فلسطين ، وشرف الدين يختلف عن بهاء الدين قراقوش والذي إشتهر بظُرف أحكامه ونوادره في الموروث الشعبي العربي والذي جمع بين الحماقة والغفلة .
عندما أراد السادات تمرير معاهدة كامب ديفيد في نفوس شعبي الأبي قال عبارته الشهيرة : "أنا عايز كل مصري يأخد مفتاحين ، مفتاح شقة ومفتاح عربية ، كفايه دماء وإستنزاف لموارد مصر"
إلا أن هذا التذاكي من قبل السادات على شعبه لم بمر مرور الكرام ، فقد بقي وقود المقاومة حيًا بداخل أغلب أفراد الشعب المصري الأبي ، وتجلى ذلك في ولادة كامب ديفيد ميتة ، بفعل مقاومة الشعب المصري لها ، حيث تعطلت إقتصاديًا وثقافيًا وعسكريًا وأمنيًا إلى حد كبير ، ولم ينجح سفير صهيوني في ولوج عتبة جامعة مصرية إلا من خلال خطاب أوباما عام 2008م بجامعة القاهرة!!بل ولم يجروء الرئيس مبارك على جرح كبرياء المؤسسة العسكرية المصرية بذريعة كامب ديفيد فسمح لها مرغمًا بممارسة بعض دورها الوطني المعهود عبر اللواء الراحل عمرسليمان والذي تولى ملف المقاومة وغض النظر عن الأنفاق بين رفح وغزة ، وربما ستكشف الأيام أسرار أدهى وأكبر لهذا الرجل إن لم تكن رحلت معه . كما أن فتح ملف إغتيال السادات قد يدفع بوقائع وحقائق جديدة تخفى على الكثير ، وتنصف الرجل في قبره من مثالب كثيرة .
في حرب تموز عام 2006م بين حزب الله وجيش العدو ، تجلى بوضوح الصراع بين المقاولون والمقاومون ، حيث رثى المُقاولون الحجر والشجر وإنتصروا لها ، ورثى المُقاومون الأرض والعرض والكرامة والشرف وإنتصروا لها ، ثم ولول المُقاولون كالنائحات والثكالى في مواجهتي غزة عامي 2008م و2012م ، حيث أتت تلك المواجهات الملاحم في زمن إعتقد فيه المُقاولون بأنهم وأدوا المقاومة والنضال وناصر 56 وغرسوا بدلًا عنها طوابير المكدونالد والهمبورجر وتيتانيك والشات والفيس بوك، فكانت صدمتهم لا توصف وبقدر مساعي أربعة عقود من التضليل وتزييف الوعي وحصار العقل . لهذا لانستغرب إستبسال المُقاولون اليوم في دمار سوريا ، وبوحشية ووقاحة غير مسبوقتين ، فقد تعروا كثيرًا بفعل المقاومون ، ولم تبقى سوى هياكلهم العظمية والتي تكشفت اليوم في المؤامرة على سوريا وليبيا قبلها وهو بلا شك الفصل الأخير والنهائي من فصول غيهم ودجلهم وعُهرهم الحضاري والسياسي .
في عام 2008م أجرى معهد جيمس زغبي(الأمريكي) لإستطلاعات الرأي ، إستطلاعات رأي في (6) أقطار عربية "حليفة" لأمريكا ، فكانت النتائج مُذهلة ومُرعبة لتيار المُقاولون العرب ، حيث قال أكثر من 84% من المُستطلع رأيهم بأنهم يكرهون أمريكا ويعتبرونها عدوة للعرب والمسلمين ، وقال أكثر من 85% بأن إسرائيل هي العدو الأول تليها أمريكا، وقال أكثر من 84% بأنهم يؤيدون حصول إيران على السلاح النووي ، وأن في ذلك قوة للعرب والمسلمين . وفي إستطلاع بداخل مصر عام 2010م ، فاز رمز المُقاومة وزعيمها سماحة السيد حسن نصرالله بالشخصية الأولى المُحببة للمصريين ، تليها شخصية الرئيس بشار ثم الرئيس محمود أحمدي نجاد!! فهل نستطيع اليوم فك شيفرة طفرة أسعار النفط تزامنًا مع أزمة الغرب المالية وتزامنًا مع نشر وثائق ويكيليكس وحصادًا لربيع العار العربي!؟

» مصر ومُرسي والكُرسي - بقلم: علي بن مسعود المعشني
» إيران... وغباء السياسة الأمريكي بقلم/علي بن مسعود المعشني
» حزب الله يُفتت حزب الشيطان مُجددًا - بقلم/علي بن مسعود المعشني
» مصير المبادرة العربية بعد إنتصار الأسد - بقلم/علي بن مسعود المعشني
» في أوج صراع محورين بالمنطقة ..ماهي اسباب تفجير الضاحة الجنوبية لبيروت بقلم سامي كليب