لماذا يزور صالحي الاردن
الثلاثاء، 07 أيار، 2013
أوقات الشام
د.عامر السبايلة
بغض النظر عن الغاية التي تسوقها أي رواية رسمية لزيارة وزير الخارجية الايراني الى عمان, الا أن القراءة السياسية للزيارة قد تظهر نقاط متعددة تتصدر أجندة هذه الزيارة.
التصنيف العام للزيارة يأتي من باب استراتيجية حلف أصدقاء سوريا للتواصل المستمر مع دول الطوق السوري،في محاولة لمنع استمرار انجراف هذه الدول نحو التوغل في الداخل السوري (كما حدث مؤخراً مع تركيا), او الطلب الصريح بعدم التورط بأي سيناريو عدواني قد تفرضه قوى دولية على دول الجوار السوري.
زيارة علي أكبر صالحي الى الأردن لها بلا شك طابع خاص. فبعض نقاط الاجندة الايرانية اليوم تتقاطب – إلى حد ما- في محتوياتها مع المصالح الأردنية. الحقيقة أنه من الممكن اعتبار احدى دوافع هذا الحراك الايراني ترتبط بفكرة تعديل مبادرة السلام العربية و التي يبدو ان واشنطن بدأت التسويق لها عبر المحور السني الجديد (قطر, تركيا, مصر), على حساب المحور السني التقليدي صاحب مبادرة السلام العربية (السعودية يضاف لها الأردن و الامارات). خسارة هذا المحور لدوره الريادي في مبادرة السلام يجعل أعضاءه أكثر عرضة لحالة من التهميش السياسي و بالتالي تحوله من شريك لصياغة المعادلات الى مُستقبل لنتائج هذه الصياغات. الايرانيون يدركون تماماً أن الأردن قد يكون أكثر الدول تعرضاً لمثل هذه النتائج السلبية في حال مضت واشنطن قدماً في مشروع المبادرة المعدلة, لهذا -وفقا لوجهة النظر الايرانية هذه - قد يكون التوقيت مناسب للبدء بفتح خطوط سياسية مع الأردن الحليف الامريكي الذي قد يدفع ثمناً غالياً لحالة الارتهان السياسي و التبعية العمياء للولايات المتحدة. من هنا قد تدفع طهران باتجاه البحث عن مناخات اقتصادية تقدم للأردن مع ضمان هامش من التعويضات الاقتصادية أيضاً, خصوصاُ ان حلفاء الأردن التاريخيين ساهموا في وصول الأردن الى وضع اقتصادي سيء مؤخراً.
على الجانب الآخر, لا يمكن اغفال القلق الايراني من محاولات تفجير الداخل العراقي و التدخلات الدولية و الاقليمية "التركية" التي تهدف الى زعزعة امن العراق و خلق اجواء من الفتن الطائفية و المذهبية التي وصلت حد التلويح بالتقسيم من اجل استمرار التعايش.
الأنبار، اهم الملفات الشائكة في الاقليم اليوم وتشكل البعد الأمني و الاستراتيجي لايران مستقبلاً. و كما هو معلوم فالارتباطات الأمنية الأردنية و العشائرية هي ارتباطات عميقة تؤهل الأردن أن يلعب دوراً مهماً في الحفاظ على استقرار المنطقة و عدم اندلاع نار التقسيم الطائفي. بعض المعلومات تشير أن الدور الأردني في الأنبار اتسم بالغموض, ففي الوقت الذي ساعد الأردن جاره العراقي على فرض حالة من التهدئة في المنطقة بعد زيارة نوري المالكي الى عمان , تشير بعض التفاصيل العراقية الايرانية الى اتخاذ هذا الدور منحىً سلبياً مؤخراً. طهران تدرك ان هذا الدور قد يكون متماهياً مع مطالب حلفاء الأردن (اميركا- السعودية) لكنها ترغب بإنهائه ضمن تفاهمات مستقبلية راسخة مع الأردن.
الملف السوري بلاشك أحد أهم النقاط التي تتصدر الأجندة الايرانية. حيث يسعى الايرانيون للحصول على توضيحات أردنية رسمية لروايات متعددة رشحت على السطح مؤخراً. خصوصاُ, رواية الخطر القادم على الأردن من أحد المواقع الكيماوية السورية القريبة جداً من الحدود الأردنية, الأمر الذي قد يضطر الأردن بمساندة بعض حلفاءه للتدخل المسبق لاحتواء اي سيناريو مفترض لاستخدام هذه الاسلحة او سقوطها بيد الجماعات المسلحة. الرسالة الايرانية ستهدف الى تثبيت المواقف الأردنية و عدم انزلاقها المتماهي مع التوظيفات الأمريكية الهادفة لاستخدام التطورات على الجانب الأردني كأداة تفاوضية ضمن الرؤية الأمريكية لإنهاء الأزمة السورية من جهة, و من جهة أخرى فرض شكل تسوية الحل النهائي الذي يشترط فصل العلاقة بين سوريا و ايران و هذا لا يمكن أن يتم دون تفعيل دور أردني ضمن هذا السياق.
في النهاية لا يمكن النظر الى الأردن اليوم دون اخذ واقعه الجيوسياسي بعين الاعتبار, فضمن التطورات الأخيرة في الاقليم الملتهب يبدو أن الأردن سيتحول الى "محج سياسي" في الايام القادمة, نظرا لوقوعه في النقطة الفاصلة بين الهلالين السني و الشيعي و نقطة ارتكاز جغرافي لأغلب قضايا المنطقة, لهذا فكل الزيارات القادمة لابد ان تحمل في مضامينها كثيراً من رسائل الترغيب و بعضاً من التحذيرات و الترهيب.