هل تنتحر دمشق بالكيميائي ؟ محمد أحمد

هل تنتحر دمشق بالكيميائي ؟
محمد أحمد

اعلنت سورية انها لن ترضخ لشروط الامانة العامة للأمم المتحدة بتشكيلها لجنة دولية للتحقيق في مدى استخدام الاسلحة الكيميائية في الصراع ودون تحديد للأماكن.

القرار الذي اعلنته دمشق مدعوم بقوتان اساسيتان، هما قوة الانظمة والقوانين الدولية، التي تهتز الآن نتيجة لاتساع البون شاسعا بينها وبين الواقع، من جهة، ومن جهة أخرى قوة الواقع المعاش، الذي يفرض مواقف وافعال غير اعتيادية، حيث العالم كله يعيش مرحلة انتقالية بين مرحلتين.

اولا؛ من حيث قوة الانظمة والقوانين:
1- سورية لم تنضم بعد إلى اتفاقية حظر الاسلحة الكيميائية، التي من سماتها ان تتعهد الدول الأطراف فيها بان ليس لها الحق برفض عمليات تفتيش في أراضيها في أي وقت، وفي أي مكان.

2- بالإشارة إلى الحدث باستخدام السلاح الكيميائي في منطقة خان العسل بريف حلب، فإن دمشق هي من طلبت من الأمم المتحدة بتشكيل لجنة للتحقيق في هذا الحادث وفي هذه المنطقة تحديدا.

3- لم تعلن دمشق رسميا انها تمتلك اسلحة كيميائية، وانها ملتزمة اخلاقيا وانسانيا بعدم التعامل مع هذا النوع من اسلحة الدمار الشامل.

4- بالنظر إلى ظروف الأزمة والوقائع التي تثبت تواجد إستخبارات معظم الدول الفاعلة، فإن أي من الدول بما فيها الولايات المتحدة الامريكية، لم تثبت استخدام دمشق للسلاح الكيميائي.

5- تجربة الأمم المتحدة الأبرز في هذا المجال ترافقت بعدم مهنيتها، وعدم حياديتها، وعدم إخلاقيتها، وهو العراق عام 2003، والتي استخدمت من جملة ذرائع لتبرير الغزو الأمريكي لها، تعطي لدمشق حقا مكتسبا بالقياس بأن لا تثق بالمفتشين الدوليين عندما تعينهم الدول المهيمنة على مفاصل الامم المتحدة، وتسير تقاريرهم وفق مصالحها الضيقة مهما كانت تتعارض والقيم الإنسانية.

وهنا يجب ان نوضح، ونثبت، ملاحظة هامة وهي:
ان صدام حسين استخدم الاسلحة الكيميائية عام 1988 بنهاية الحرب العراقية الإيرانية وليس عام 2003 أو قبله بقليل، والأهم ما تأكد لاحقا بأن من زوده بالأسلحة الكيميائية هو الغرب الأمريكي عبر ألمانيا، وان الغرب لم يتحرك ساكنا ضد صدام حسين وقتها، وانه عندما قررت الولايات المتحدة غزو العراق تنفيذا لمخطط "القرن الأمريكي"، اتهموا النظام العراقي بإمتلاك اسلحة الدمار الشامل والتي من بينها الكيميائي والذي تبين فيما بعد انه لا يمتلكها في ذلك الوقت.

أي ان التقارير التي اعتمدت لضرب نظام صدام حسين، والذي يجب ان لا ننسى انه كان من صنيعة الغرب نفسه، كانت كاذبة، فكيف الأمر بالنظام في سورية الذي طالما يشكو منه الغرب.

ثانياً؛ من حيث قوة الواقع المعاش:
1- بات من الواضح ان العالم كله يمر بمرحلة انتقالية، وان جميع المنظمات التي تأسست كنتيجة لنهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، والتي منها منظمة الأمم المتحدة، باتت عاجزة، ودول العالم جميعا تقر بضرورة إعادة هيكلتها، أي انه بات مشروعا اليوم لان تصبح قراراتها محل شك وعدم استجابة.

2- تأسيسا على ذلك، ندرك ان منظمة الأمم المتحدة تعيش حالة انقسام حاد بين القوى العظمى التي لن تتفق على دمشق في الأمم المتحدة، وبالتالي تصبح ورقة اضافية بقوة الواقع المعاش لصالح رفض دمشق للجنة وان كانت أممية.

3- ولأن القوى العظمى بحالة صراع في ملفات ساخنة وابرزها الملف السوري، فقد سمح الامر لروسيا والصين وحلفائهما بإظهار إزدواجية الغرب الأمريكي علنا، وفضح مخططاته ليس بعد مرور الحدث، بل اثناء الحدث، وبالتالي اعطاء قوة دفع مباشرة ومحسوبة لدمشق برفض اللجنة الاممية بشأن الكيميائي وفق شروط أملتها امريكا على بان كي مون.

4- الولايات المتحدة متورطة بالإرهاب في سورية عبر تسليحها مجموعات مسلحة تتعاون مع جبهة النصرة، وتقول عن عناصرها بأنهم "اخوة السلاح"، وبالتالي من حق دمشق ايضا ان ترفض وبقوة الوقائع اية لجنة تخرج عن طلبها لتكشف الجغرافيا السورية وتفاصيلها الامنية أمام لجنة كيمون، التي سيكون في تركيبتها حكما، رجال الاستخبارات الغربية لدراسة الاهداف الامنية وليس للتحقيق في استخدام الكيميائي.

ماذا نستنتج ؟
مثلما ان تهديد بيونغ يانغ باستهداف أمريكا وحلفاءها باستخدام الصواريخ البالستية ليس دعاية للاستهلاك المحلي، وإنما التقاط للحظة التاريخية لصراع القوى العالمية حيث إمكانية تحدي المنظمة الدولية العاجزة، وحيث أن العالم يعيش مرحلة انتقالية نحو جديد يولد، فإن دمشق لا تنتحر، بل تقرأ الواقع وتتصرف ..

» هل تشبه دمشق كابول 1992 ...محمد أحمد
» حرب اطلسية على دمشق وحرب نووية على واشنطن محمد أحمد
» سيناريو الهدنة.. محمد أحمد
» بروبغندا المليار ونصف :محمد أحمد
» بين التابع و المتبوع ... بقلم : محمد أحمد