الرياض تخلت عن نظرّية «غسل اليدين» دون أوهام فهل تنجح في تجنب تكرار الأخطاء؟

الرياض تخلت عن نظرّية «غسل اليدين» دون أوهام فهل تنجح في تجنب تكرار الأخطاء؟

«الواقعيّة» السعوديّة المستجدّة لمراجعة
ملف «الربيع العربي» فتحت الأبواب أمام رئيس الحكومة

ابراهيم ناصرالدين
رغم «ارق» الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري وهروب النوم من عينه في الليلتين الماضيتين، ورغم الصداع المؤلم المصاحب لقيادات 14 اذار، لا يغالي احد بتفاؤله ازاء ان يحل آل ميقاتي بشخص الرئيس «النجيب» مكان آل الحريري الممثلين برئيس الحكومة «المنفي قسريا» سعد الحريري، فالعلاقة بين الاخير والمملكة ليست ظرفية او مرحلية وهو يشكل امتدادا لارث والده الشهيد رفيق الحريري الممثل الشرعي والوحيد للمشروع السعودي في لبنان، وهذه المعادلة لم ولن تتغير رغم الكثير من الملاحظات القاسية التي وجهت الى الحريري الابن على القصور في ادائه وفشله في ادارة «البيت الداخلي» في تيار المستقبل وهفواته «القاتلة» في الكثير من المحطات المفصلية والتي ساهمت في الكثير من الاحيان بالاحراج للمملكة ابان شهر العسل بين «السين السين».
وبحسب اوساط سياسية متابعة لهذا الملف فان ميقاتي لا يمكن ان يشكل في اي من الاحوال بدلاً عن ضائع عن الحريري، فالسقطات الكبرى في السياسة على الساحة اللبنانية لا يتحمل رئيس الحكومة السابق مسؤوليتها بل كان منفذا امينا للسياسات والتوجهات السعودية التي ثبت جهلها بالوقائع الدقيقة للحياة السياسية اللبنانية وارتباطاتها الاقليمية والدولية، وقد دفع الحريري ثمن تلك القراءات الخاطئة ولم يكن هو المسبب بها، ولذلك ليس في اجندة السعوديين اليوم اي نية لمعاقبته على ذنب لم يقترفه، بل كل ما تهدف اليه هو البحث عن الطريقة المثلى لاعادته من «الشباك» بعد ان تم اخراجه من السلطة من «الباب العريض»، كما ان ميقاتي بتشعب علاقاته السياسية والمالية لا يمكن ان يشكل حليفا صافيا للسعودية ودائما ما يكون هناك شريك مضارب مع المملكة يسهل على رئيس الحكومة ممارسة سياسة «تدوير الزوايا» او كما يحلو للبعض ان يسميها سياسة «المراوغة البناءة» التي تهدف في نهاية المطاف الى ارضاء كافة الاطراف، ولذلك لا يوجد على جدول اعمال السعوديين في الوقت الراهن اي مشروع لاعادة صياغة قيادة سنية جديدة في لبنان تعوض الخسائر «الحريرية» المتراكمة منذ نحو عامين. اذا لماذا قررت السعودية فتح ابوابها المغلقة امام ميقاتي؟
على خطى المثل الفرنسي «ان تأتي متاخراً خير من ان لا تأتي ابدا»، فان المملكة العربية السعودية باعطائها «صك» الشرعية السنية لرئيس الحكومة، تحاول تصحيح خطأ سياسة «الحرد» التي لا يوجد لها مثيل في العالم الا في دول الخليج حيث تأخذ الامور عادة ابعاداً شخصية تتفوق على «المصالح»، ودون التعويل كثيرا على هذه الخطوة فان مجرد اتخاذ القرار في المملكة بالاستماع الى وجهة نظر الرئيس ميقاتي، يعد تطوراً نوعياً في اداء المملكة التي تجري جردة حساب للملفات الساخنة في المنطقة وتراجع التطورات دون ان تكون قد حسمت بعد بشكل نهائي الاتجاهات الفعلية لسياستها في المنطقة.
وقد املت الواقعية السياسية «المستجدة» في سياسة المملكة ازاء ملف «الربيع العربي» برمته وخصوصا الازمة السورية، تعديلاً في التعامل مع الواقع اللبناني، وكان لا بد من الوقوف عند رأي الرجل الذي ظلمته الاحقاد الشخصية واقفلت في وجهه ابواب المملكة طوال هذه المدة، فالقيادة السعودية تعرف ان المهمة المقبلة لها في لبنان هي الحفاظ على ما تبقى لها من تأثير على الساحة اللبنانية دون ان تطمح بتحقيق الكثير من الانجازات، وهي بفعل التجربة على مدار العامين المنصرمين تعرف ان ما تحقق في عهد الرئيس ميقاتي في الملفات التي تعنيها لم يكن ليتحقق اكثر منه لو كان الحريري في السلطة، فقد نجح ميقاتي في تقديم نفسه كمدافع امين عن حقوق السنة، ولم يخجل في الحديث علنا وسرا انه اولا ممثلا لطائفته قبل ان يكون رئيسا للحكومة في بلد يقوم على نظام طائفي بامتياز، وهو بذلك راهن على الوقت ونجح في رهانه بعد ان اكتشفت السعودية ان المكابرة في تجاهل الموقع السني الاول في البلاد ينعكس عليها سلبا بعد اخفاقها في ممارسة ضغوط جدية تؤثرعلى رئيس الحكومة «المحظوظ» الذي خدمته التطورات السورية وعملت لمصلحته حتى بات بقاؤه في السلطة حاجة اقليمية ودولية.
ولذلك فان القلق لدى الحريري من الاعتراف السعودي بوجود «ثنائية» سنية، غير قائم لدى اوساط الاكثرية، ولا يوجد اي بحث فعلي عمّا ما يمكن ان يكون قد دار في كواليس اللقاء مع وزير الخارجية سعود الفيصل، ففي الشكل تشكل هذه الخطوة المتأخرة اعترافاً بخطأ سياسة التضييق عليه وعلى حكومته، وهي على المستوى الديبلوماسي يعد هذا اللقاء خطوة تراجعية سعودية تحتاج الى المزيد من الوقت لمعرفة حدودها، اما على مستوى المضمون فان غياب القلق لا يتعلق بمعرفة ما يريده السعوديون من ميقاتي في هذه المرحلة وانما في قدرته على تنفيذ ما يريدونه منه، وفي هذا السياق تبدو الهوامش ضيقة امام الطرفين فهما يعرفان ان خيارات الجميع محدودة وكافة الاطراف تعرف الحدود التي لا يجب تجاوزها للحفاظ على الاستقرار اللبناني «الهش»، ووفقا للمعطيات والمؤشرات المتوافرة لا تبدو القيادة السعودية في وارد المغامرة بالوضع اللبناني او محاولة تغيير موازين القوى القائمة اليوم، ورئيس الحكومة غير قادر على القبول بمهمة مماثلة سبق وان رفضها في ظروف كانت ملائمة اكثر.
ومن ناحية اخرى لا خوف من اي تغيير قد يطرأ على سياسة الرئيس ميقاتي لتصبح اكثر ملائمة مع السياسة السعودية، فهو اتخذ من «الوسطية» مظلة لتنفيذ اجندة لا تغضب قيادة المملكة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ابقى ملف المحكمة الدولية على قيد الحياة، وحافظ على «رجال» السعودية في المواقع القضائية والامنية، وهو يشكل اليوم «الحامي» الاول للتيارات الاسلامية المحسوبة على السعودية، اكان افرادها خارج السجن او داخله، ومن استمع بالامس الى المسؤول عن سجن رومية وهو يتحدث عن «الامارة» القائمة بذاتها خلف الاسوار، يدرك جيدا الحماية السياسية التي يتمتع بها هؤلاء، وفي الملف الانتخابي يعرف الجميع ان ميقاتي يقف سدا منيعا امام اي قانون يمكن ان يؤدي الى اضعاف السنة او التأثير على صلاحياتهم التي حصلوا عليها في الطائف، وليس مصادفة ان يكون رئيس الحكومة هو اول الاصوات التي خرجت للتحذير من خطر القانون الارثوذكسي واعتباره مقدمة للمثالثة مع الشيعة. اما بقاؤه على رئاسة الحكومة فهو امر لا يحتاج السعوديون الى الكثير لاقناع ميقاتي بالمغادرة، وهو كان فعلها لو كان الامر متاحا، ولكنهم يعرفون كما يعرف هو جيدا ان الفراغ ليس بديلا مناسبا في المرحلة الراهنة، ولم يعد بقاء الحكومة من عدمه اولوية مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي وتحول قانون الانتخاب الى «ام المعارك». ولذلك لم يحتاج الرئيس ميقاتي الى كثير من العناء لشرح مواقفه للفيصل وكان صيته قد سبقه الى المملكة التي قررت في الشكل ان تغفر «للابن الضال» خطيئة المساهمة في اخراج الحريري من السلطة.
والى ان تتضح كامل الصورة التي املت على المملكة هذه الخطوة،يبدو جليا ان سياسة «غسل اليدين» السعودية ازاء لبنان، والتي كان الفيصل احد كبار المنظرين لها، قد انتهت، وتوحي المؤشرات بان الرياض تسعى الى اعادة الاعتبار لدورها على الساحة اللبنانية، واذا كانت جلسة «الاستماع» لميقاتي تعد مؤشرا ايجابيا، فان الخطوات العملية ستحدد مدى التغيير الحاصل في المملكة، وهذا الامر يترجم تغييرا في المواقف الخليجية السلبية من الحكومة، ومن خلال حصول تغيير جذري في مواقف الحلفاء في الداخل، واذا لم يحصل ذلك فان القيادة السعودية تعيد تكرار اخطاء الماضي القريب والبعيد، وسيدفع حلفاؤها في لبنان ثمن رهاناتها الفاشلة؟

» الأخطاء القاتلة للإخوان المسلمين
» بليكس : حذار تكرار خطأ شن حرب في إيران
» «النصرة» تخلت عن سياسة الاحتفاظ بالأرض الى حرب العصابات
» هل تخلت الولايات المتحدة عن المعارضة السورية و سلمت ببقاء الأسد ؟
» سوريا… تكرار لليبيا ؟