سوريا ستبقى مشتعلة رغم تقدُّم واشنطن باتجاه المفاوضات .

سوريا ستبقى مشتعلة رغم تقدُّم واشنطن باتجاه المفاوضات ...جوني منير

حظي خطاب الرئيس السوري بشار الأسد باهتمام دولي بالغ كونه جاء بعد فترة احتجاب عن الإعلام ناهزت الستة اشهر، تخللها تطورات عسكرية وميدانية طالت العاصمتين السياسية والاقتصادية وشهدت مباحثات اميركية – روسية حول الوضع في سوريا وسط ضغوط إعلامية تركزت حول انهيار وشيك للنظام.

وبدا للديبلوماسيين الغربيين أنّ الرئيس السوري تعمّد توجيه اشارة قوية لصالحه من خلال اعلانه المسبق عن مكان وزمان كلمته وسط دمشق وهو ما حصل من دون تسجيل اي “تشويش” امني عليه، ما يعني للذين يراهنون على “معركة دمشق” بجزئها الثالث انه يمسك جيداً بالوضع العسكري للعاصمة.

وفي معرض قراءتها لخطاب الاسد، فإن هذه الاوساط تدرك ان توقيت حصوله انما له دلالاته المعبّرة. فهو جرى بعد زيارة نائب وزير الخارجية السورية الى موسكو، وبعد وصول قطع بحرية روسية الى الشاطىء السوري، وصفت بأنها الاكبر في المنطقة منذ اربعة عقود. وكذلك بعد المناورات الايرانية والتي شهدت اسلحة صاروخية نوعية هذه المرة.

وانطلاقاً من ذلك تعتقد هذه الاوساط ان خطاب الاسد لا بد من ان يكون قد حظي على تفاهم مسبق ما بين دمشق وموسكو وما بين دمشق وطهران.

ذلك انّ كلمة الرئيس السوري والتي تضمنت مشروع تسوية، انما ستشكل ارضية انطلاق روسية للتفاوض مع الولايات المتحدة الاميركية على انقاض ما كان جرى طرحه سابقاً وهو ما اعلنته موسكو مستبقة اجتماعها المقبل مع واشنطن في جنيف في حضور الاخضر الابراهيمي هذه المرة.

لا بل ان كلمة الاسد لحظت معادلة جديدة وهي الانتقال من مرحلة ترتيب تسوية، انطلاقاً من وجود او عدم وجود الاسد الى مرحلة انجاز تسوية يشرف او لا يشرف عليها الاسد كما تضمن خطابه.

وعلى رغم ردود الفعل الدولية السلبية حيال خطاب الاسد الّا ان موسكو تسعى لان تبدأ تفاوضها مع واشنطن، انطلاقاً من الحد الاقصى والذي طرحه الاسد وهو يحصل خلال ايّ مفاوضات.

ذلك ان الرئيس الاميركي باراك اوباما والذي يكاد ينتهي من انجاز تعيينات فريق ادارته، سيباشر تحركه وطرح الخطة التي وضعها بدءاً من 20 الشهر الحالي وهو موعد تسلم فريقه لمهامه الرسمية.

وبات واضحاً ان اوباما المتحرر من أيّ التزامات له تجاه اسرائيل بسبب انحياز حكومة نتنياهو ضده خلال المعركة الانتخابية، انّما حرص على انتقاء فريقه الجديد على اساس قاسم مشترك بينهم وهو انجاز تسوية في الشرق الاوسط على اساس المفاوضات وليس على اساس الضغط العسكري والمواجهات الحربية، وهو ما تعارضه اسرائيل.

فوزير الخارجية جون كيري، الكاثوليكي المحافظ والذي يتمتع بنفوذ واسع لدى المجموعة الاميركية الكاثوليكية التقليدية، معروف عنه خبرته الواسعة وانجازاته في المفاوضات حول الملفات الشائكة في المنطقة.

وينقل عن كيري عبارة شهيرة يرددها لدى التطرق الى ملف العلاقات مع اسرائيل “نحن ندرك مصلحة اسرائيل الحقيقية اكثر من الحكومات الاسرائيلية”.

كذلك فإن وزير الدفاع تشاك هيغل والذي احدث قرار تعيينه صدمة قاسية لدى الشارع الاسرائيلي المتطرف فانه سيشرف على انجاز الانسحاب العسكري الاميركي من افغانستان، وعلى تطبيق سياسة عسكرية جديدة لبلاده تقوم على اساس تأمين المصالح الاميركية في العالم وخصوصاً في الشرق الاوسط من خلال التعاون مع الجيوش والقوى العسكرية في بلدان المنطقة، وهي السياسة التي كان معمولاً بها قبل وصول جورج بوش الابن في العام 2000 حيث استبدلت هذه السياسة بسياسة التدخل المباشر.

لذلك مثلاً، ستسعد واشنطن لإعادة تحصين وضع الجيش التركي والذي سيشكل ركيزة اساسية لحماية مصالحها في المنطقة.

والواضح ان وضع الجيش التركي تأثر سلباً من خلال الاحداث الجارية في سوريا، لا بل أن التصدعات المذهبية وصلت الى قلب الواقع التركي ما بين حكومة تشكل رأس حربة الهجوم ضد النظام السوري، وجيش يسيطر على معظم مفاصله ضباط من الطائفة العلوية ويرفض هذه الهجمة ضد انسبائه في النظام السوري، وادى ذلك الى حصول مواجهات عدة بين اسلاميي الحكومة و”علمانيي” الجيش.

وكان آخرها منذ ايام مع تنظيم تظاهرة حاشدة تأييداً للجيش التركي، وضمناً تنديداً بسياسة رئيس الحكومة اردوغان الذي باشر بتنفيذ تراجع في المسألة السورية في الفترة الاخيرة.

وبطبيعة الحال، فانّ ملامح استراتيجية الادارة الجديدة لاوباما ستعني وفق هذا المنطق فتح ابواب التفاوض مع طهران بشكل واسع، مع الحرص على المحافظة على المصالح الاميركية من خلال القوى المحلية في الشرق الاوسط (Bu Proxy).

وفيما تبدي الاوساط الديبلوماسية المعنية تفاؤلها في إمكان تحقيق التقدم المطلوب فإنها تبني تفاؤلها على اساس أن ظروف ايران الاقتصادية الصعبة نتيجة العقوبات انما ستلزمها برد التحية الاميركية بالمثل.

الّا ان مراكز الدراسات المتخصصة بأوضاع المنطقة لا تجاري المتفائلين نظرتهم. ذلك ان القيادة الايرانية والتي تشعر بأنها حققت انجازاً كبيراً في سوريا ونجحت في صياغة اصطفاف دولي جديد من خلال الازمة السورية يجمعها بروسيا والصين وبعض دول البريكس، انما لا تبدو مستعدة للدخول الآن في مفاوضات مع واشنطن من خارج الدول الست. وهي بذلك لن تدخل في مفاوضات ثنائية مع واشنطن حول سوريا، الّا بعد تحقيق تقدم ميداني افضل لصالح النظام، ما يجعل قاعدة المفاوضات مختلفة.

فإيران التي حققت اختراقات نوعية في اليمن بالقرب من السعودية باتت تدرك (حسب مراكز الدراسات المتخصصة) بأن الوقت يعمل لصالحها، ما يعني انتظار بعض الوقت لحين حصول انجازات ميدانية في سوريا ان في حلب او في ريف دمشق يُسمح عندها بالشروع بمفاوضات تؤدي الى نتائج افضل.

» معهد واشنطن .. قطر توفر الدعم الدبلوماسي والعسكري لبعض المقاتلين الجهاديين المتشددين في سوريا ممن تحاول واشنطن عزلهم
» واشنطن تستعد للاستدارة ..موسكو تريد استئناف المفاوضات السياسية بين السوريين
» عمران الزعبي: سوريا ستبقى قوية
» خيوط اللعبة | أين سوريا في المفاوضات الأميركية الإيرانية؟
» سوريا تربك خصومها فلا المفاوضات كبلت يدي جيشها ولا التهديد نفع