دام برس:
مع سحب القوات الأمريكية من أفغانستان خلال الشهود القادمة سوف يتغير احتياج واشنطن لـ "قاعدة العديد الجوية". ويرجح أن ترغب قطرفي استضافة تواجد أمريكي كبير كقوة ردع للمغامرات الإيرانية.
ويلتقي الرئيس أوباما مع الزعيم القطري الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في البيت الأبيض في 23 نيسان/أبريل. وربما تكون هذه القمة إحدى أهم القمم لزعيم إقليمي زائر خلال الشهرين القادمين -- فقد قابل الرئيس الأمريكي بالفعل ولي عهدأبوظبي ومن المقرر أن يستضيف العاهل الأردني الملك عبد الله ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. ويبدو أن سوريا هي الموضوع الرئيسي المشترك الذي يجمع بين هذه الاجتماعات كلها، ويُحتمل كذلك أن تكون إيران إحدى المواضيع التي سيتم تناولها.
الخلفية
تعد قطر حليفاً هاماً للولايات المتحدة، حيث تتيح "قاعدة العديدالجوية" العملاقة استخدامها في المهام الأمريكية في أفغانستان. كما أن الدوحة سمحت لطالبان، بناءً على طلب من واشنطن، بإنشاء مكتب لها في العاصمة بأمل أن يستطيع المفاوضون الأمريكيون إشراكهم في قضية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. إلا أن قطر يمكن أن تكون شريكاً متحدياً، وربما تكون هذه الصفةأكثر تلازماً لها من بين جميع حلفاء الولايات المتحدة.
ففي سوريا على سبيل المثال، تواصل قطر توفير الدعم الدبلوماسي والعسكري لبعض المقاتلين الجهاديين المتشددين ممن تحاول واشنطن عزلهم.
ويبدو أن الدوحة تزداد حيوية ونشاطاً عند وجود خلافات، كما أن وضعها الدبلوماسي تعاظم منذ أن خلع الأمير الحالي والده في عام 1995. ويرجع الكثيرمن هذا النجاح إلى احتياطيات الغاز الطبيعي الهائلة في البلاد -- وهي ثالث أكبراحتياطيات في العالم بعد روسيا وإيران -- فضلاً عن ارتفاع الإيرادات منذ تطويرهذه الموارد. وقطر هي الآن أكبر مصدِّر للغاز الطبيعي المسال في العالم ومورِّدطاقة هام أيضاً للصين واليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا. كما أن بروزها يأتيانعكاساً للطموح الذي أظهره الشيخ حمد، والذي ساعده في تحقيقه عن كثب ابنعمه البعيد رئيس الوزراء حمد بن جاسم آل ثاني، الذي يرافقه إلى واشنطن.ويسافر حمد بن جاسم، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الخارجية، بصفة دائمة حولالعالم لجعل قطر شريكاً لا غنى عنه في مجموعة من مجالات الطاقة والمجالات الماليةوالسياسية.
لكن يبدو في كثير من الأحيان أن البلاد تواجه مخاطر إقحام نفسها فيالأحداث بشكل مفرط. فعلى مدار سنوات، أدت رعايتها لقناة "الجزيرة"الفضائية التي مقرها في الدوحة إلى قيام خلافات دبلوماسية مع دول عربيةأخرى حول المحتوى النقدي أحياناً لنشراتها (ويبدو أن تغطية "الجزيرة" للقضاياالقطرية الداخلية هي أكثر حذراً).
وقد حاولت الدوحة أيضاً أن تصبح مركزاً كبيراً للفعاليات الرياضية الدولية. ففيعام 2010، وقع الاختيار على قطر لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022 --وهو تحدي تنظيمي كبير لدولة صغيرة تضم نحو 200,000 مواطن، رغم أن المقيمينالأجانب بتأشيرات مؤقتة والذين يتجاوز عددهم عشرة أضعاف هذا العدد هم الذينيقومون فعلياً بمعظم العمل. وسوف تمثل هذه الفعالية تحدياً دبلوماسياً وتحدياً فيميدان العلاقات العامة لأنها سوف تقام في مدرجات مفتوحة، مما يترك المتفرجينوأهم لاعبين محترفين في العالم عرضة لدرجات الحرارة الملتهبة في الخليجالعربي.
الفرصة التي مثلها "الربيع العربي"
يبدو أن الدوحة تنظر إلى الانتفاضات العربية التي تجتاح المنطقة والتي بدأت فيعام 2011 على أنها فرصة كبيرة لتعزيز مكانة قطر الدولية. فرحيل مبارك السريع عن السلطة في مصر وزيادة اعتلال صحة العاهل السعودي الملك عبد الله معناهماعجز الدولتين الأكثر تأثيراً في العالم العربي. وقد تحركت قطر بخفة ورشاقة منأجل استغلال ذلك الفراغ، حيث أرسلت طائرة للانضمام إلى التحالف الدولي لدعمالثوار الذين يقاتلون معمر القذافي في ليبيا، فضلاً عن توزيع الأسلحة والمعدات العسكرية على الأرض.
ورغم أن تلك المساعدات حظيت بالتقدير في واشنطن وغيرها من عواصم العالم، إلاأن مساعدات قطر لم تكن دائماً محل ترحيب. ففي تشرين الأول/أكتوبر الماضي،زار الشيخ حمد قطاع غزة الذي تسيطر عليه «حماس» وتعهد بتقديم مساعداتقدرها 400 مليون دولار، مقوضاً بذلك الدعم الأمريكي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ورغم أن الأمير أعلن كذلك عن خطط لزيارة عباس في رام الله، إلاأن ذلك لم يتحقق بعد.
وفي سوريا، يبدو أن قطر غارقة في منافسة دبلوماسية مع غريمها التقليدي، دولةالمملكة العربية السعودية المجاورة، والتي تواطأت ذات يوم مع الإمارات العربيةالمتحدة في محاولة لإعادة والد الشيخ حمد إلى السلطة كأمير للبلاد.
وفي غضون ذلك، فإن السخاء القطري في مصر -- حيث وعدت حتى الآن بتقديمثماني مليارات دولار -- أغضب زعماء الخليج العرب الآخرين، الذين أرادوا عزلحكومة الرئيس مرسي بدلاً من دعمها لأنهم يعتبرون جماعة «الإخوان المسلمين»معادية لنظامهم في الحكم (الذي ينظرون إليه باعتباره ملكية مستنيرة). ورغم أن الحكومة الأمريكية تستطيع أن ترى الفائدة من وراء مساعدات الدوحة، إلا أنهاتجعل تعهدات واشنطن الإضافية بتقديم بضع مئات الملايين من الدولارات صغيرةبشكل محرج. وعلاوة على ذلك، يبدو أن الأموال القطرية تقدَّم دون شروط مثلإصلاح نظام الإعانات المصري، مما يقوِّض مطالب "صندوق النقد الدولي"، الذي لايزال يحاول التفاوض على مساعدات محتملة تصل قيمتها عدة مليارات.
ورغم هذا الاحتكاك، يبدو أن قطر تشهد حراكاً دبلوماسياً كبيراً. ففي الشهرالماضي، استضافت القمة العربية السنوية، والتي كان أبرز ما فيها منح مقعدسوريا لمعارضي بشار الأسد. وقد ذكر البيان النهائي لمؤتمر القمة أنه يحق لجميعالدول الأعضاء في الجامعة العربية إمداد المساعدات العسكرية أو غيرها من المساعدات لدعم مقاومة الشعب السوري. (وقد ردت دمشق بأن أطلقت على قطرلقب "أكبر بنك لدعم الإرهاب في المنطقة").
فرصة واشنطن
إن البطاقة الأقوى لدى الرئيس أوباما في محادثات الثالث والعشرين من نيسان/أبريل هي ما تعلمه قطر من أنها بحاجة لأن تكون الولايات المتحدة أفضل صديق لها، هذا على الرغم من التقلب السريع للدوحة. فثروتها من الغاز الطبيعي تكمن في حقل بحري عملاق يمتد حتى الجانب الإيراني من الخليج. وحتى الآن،ترى كلا الدولتين بصورة تخيلية أن حقولهما البحرية منفصلة جيولوجياً. ولم تتمكنإيران من استغلال حقلها بشكل كامل (الذي تُطلق عليه "ساوث بارز") بسبب العقوبات الدولية، في حين عمدت الدوحة على استغلال "حقلها الشمالي" بصورةمحدودة لئلا تثير عداء طهران. وبالإضافة إلى ذلك،
ورغم حذر البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية من انتقاد قطرعلانية، إلا أن المشرعين في الكونغرس أقل تحفظاً. ويكمن القلق في أنسياسة الدوحة في سوريا سوف تُنتج مئات المجاهدين المسلحين جيداًوالمدربين في ميادين المعارك الذين سيتجهون إلى مهاجمة الولايات المتحدة ومصالحها. ويتفق بعض المُشرعين مع وجهة الرئيس الأمريكي فيضرورة عدم إرسال الأسلحة الأمريكية إلى الثوار لأنه لا يمكن التحقق من هويتهم بشكل كامل.
وبشكل أوسع نطاقاً، يرجح أن أوباما (كرئيس في فترة ولايته الثانية) والشيخ حمد(الملك الخليجي الذي كبر في السن) يهتمان بإرثهما. فالزعيم القطري تجاوز عمرهالستين عاماً ويعاني من مشاكل في الكِلى، ويعمل في السنوات الأخيرةعلى إعداد نجله تميم لكي يخلفه في الحكم. وتميم هو نجل حمد الرابع-- حيث يعتبر الابنين الأولين غير مؤهلين لوراثة الحكم،
بينما شغل الثالث منصب ولي العهد لمدة ثماني سنوات قبل خلعه. كما أن استيلاءحمد نفسه على السلطة أثناء قضاء والده لعطلة في سويسرا يمثل تقليداً تاريخياًيوضح أن سلالة آل ثاني لم تشهد انتقالاً سلمياً على الإطلاق. لذلك، ففي حين قدتكون سوريا البند الرئيسي على جدول الأعمال في اجتماع يوم الثلاثاء، يرجح أنيكون لدى الشيخ حمد المزيد مما يرغب في البوح به، وهو ما سوف يتيح لإدارةأوباما فرصاً مثمرة لإجراء محادثات واسعة.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهدواشنطن.