على اختلاف انتماءاتهم، وبين عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة الذين واجهوا وحدهم خيار القتال بعد اتخاذ باقي الفصائل الفلسطينية خيار النأي بالنفس بحجة أنهم لا يريدون "عسكرة المخيم"، حسبما أكد مسؤول الجبهة في لبنان أبو عماد رامز لموقع المنار. لم تقع تلك الليلة في خانة "المفاجأة" بالنسبة للفصائل الفلسطينية، والدليل على ذلك تشكيل ما يسمى اللجان الشعبية لحماية أحياء المخيم الملاصق لمناطق تنشط فيها الجماعات المسلحة كالتضامن والحجر الأسود. لكن هدف اللجان المتمثل بإبقاء المخيم على الحياد مما يجري في سورية بات أمراً غاية في الصعوبة لاعتباره نقطة استراتيجية بالنسبة للمسلحين: مفتاح العاصمة دمشق.
فلسطينيو سورية: بيضة القبان أدركت الجبهة الشعبية- القيادة العامة منذ بداية الأزمة في سورية أن "هناك من يريد أن يجعل من الفلسطينيين مجرد جسر مرور للوصول إلى إسقاط النظام"، كما يقول أبو عماد رامز، مستغلين بذلك الصبغة المذهبية للمخيم وتسلل الفكر الجهادي المتشدد إلى بعض الجماعات في مخيم قوامه مزيجٌ سوري-فلسطيني، بحيث أن "حالة الإنصهار الإجتماعي بين السوريين والفلسطينيين بفعل الزواج والمصاهرة، دفع ببعض الفلسطينيين ليكون لهم موقف معين من الأحداث، معتبرين أنهم بمحاربتهم النظام يناصرون الشعب السوري"، بحسب مسؤول الجبهة الشعبية-القيادة العامة في لبنان.
في مقابل ذلك، كان للجبهة مقاربتها الخاصة تجاه الأزمة، مفادها أن "الفلسطيني الذي يتمتع بكافة حقوقه المدنية في سورية لا يحق له في الوقت عينه المشاركة في الحياة السياسية بالتصويت في الإنتخابات على سبيل المثال، لذا فلا علاقة له بالأزمة التي تعصف بالبلاد ويجب عليه البقاء على الحياد مما يجري، وفاءً للقيادة السورية التي قدمت له ما لم يُقدم له في كافة البلدان العربية". في السياق، يطرح أبو عماد رامز السؤال التالي: "هل يجوز لي أنا كفلسطيني بعد كل المجازر التي ارتكبت بحقي وتشريدي من أرضي، أن أجلس مع الدول الداعمة لإسرائيل في خندق واحد لمواجهة النظام السوري وإسقاطه؟".
ليلة دخل المسلحون المخيم: خرق أمني.. والجبهة قاتلت حتى لحظة الحصار في الخالصة لا يستطيع مسؤول الجبهة الشعبية- القيادة العامة في لبنان الحديث عما جري ليلة التاسع عشر من الشهر الحالي في مخيم اليرموك، دون العودة بالذاكرة إلى حزيران ال2011 أي إلى حادثة مقرّ الخالصة (أحد مقرات الجبهة في المخيم). وقتها هاجم بعض المسلحين المقرّ "مما أدّى إلى إحراقه، وقد كان الأمين العام للجبهة أحمد جبريل في المقرّ وقتها"، هنا وصلت رسالة إلى قيادة الجبهة مفادها أنه "على الفلسطيني أن يكون جزءاً بحسب البعض من المشكلة في سورية"، مما دفع بأربعة عشر فصيل فلسطيني إلى تشكيل ما يسمى باللجان الشعبية لحماية المخيم.
من هنا يبدأ أبو عماد رامز بالحديث عما جرى في التاسع عشر من الشهر الحالي، قائلاً إن "المعارك احتدت واحتدمت بحدود الخامس عشر أو السادس عشر من كانون الأول/ديسمبر، حيث طالت قذائف المسلحين عمق المخيم. جزء من اللجان الشعبية، وهي ليست تابعة للجبهة الشعبية- القيادة العامة كما يحاول الإعلام تصويرها، كان مرتبطاً مع الجيش الحر وقد مهد لهم الطريق للدخول في التاسع عشر من الشهر الحالي، وللأسف دخلوا من شارع فلسطين المطل على التضامن وهي ليست من المناطق التي ينتشر فيها عناصر الجبهة، إذاً الخرق كان خرقاً أمنياً وليس عسكرياً". يضع أبو عماد رامز الهجوم في خانة "التحضير لمعركة تحرير دمشق"، خصوصاً أن "الجيش السوري لم يكن له قبل تلك الليلة أي تواجد في المخيم وأن اللجان الشعبية لم تكن يوماً في وضعية الهجوم بالرغم من أن المخيم يقع بجوار مناطق ملتهبة".
يسرد أبو عماد رامز أحداث المعركة، قائلاً إن "الجبهة الشعبية- القيادة العامة بقيت تقاتل لوحدها، في بعض أحياء المخيم، وصولاً إلى مؤسسة الخالصة التي يفصلها عن منطقة الحجر الأسود شارع يسمى شارع الثلاثين". هناك، بحسب أبو عماد، اندفع المسلحون إلى داخل المخيم ونتيجة للقصف بدأ السكان بمغادرة المخيم، " تمّ الإستفراد بمؤسسة الخالصة، وهاجم المؤسسة أكثر من الفي مسلح، نقل لنا رفاقنا هناك أنه عند إصابة أحدهم كانوا يتركونه مرمي أرضاً ويكملون مسيرهم وبعضهم كان يقتني السيوف. هنا كان أمامنا خيار وحيد وهو أن يستشهد الجميع، لذا قمنا بإرسال مجموعة بقيادة المسؤول العسكري في لبنان نضال أبو النورس، والذي كان في إجازة لزيارة عائلته المقيمة في سورية، وقام بمساعدة المحاصرين داخل المؤسسة بالخروج وقد أصيب برصاص قناص مما أدّى إلى استشهاده".
شرورو في مصر: استغلال صلة القربى مع أحمد جبريل للترويج لفكرة الإنشقاقات لحظة الحديث عن ما يُحكى عن حدوث انشقاقات في جسم الجبهة، يظهر انفعال واضح في كلام أبو عماد رامز، طالباً "رؤية هؤلاء الأشخاص المنشقين، دعونا نتعرف عليهم". أما بالنسبة للمعلومات الواردة عن انشقاق ابن شقيقة الأمين العام أحمد جبريل فراس شرورو، يؤكد أبو عماد أن "كل ما في الأمر أن هذا الرجل كتب رأياً له على صفحته على موقع فايسبوك، وقد استغل ما كتبه النائب اللبناني نهاد المشنوق بتظهير ذلك في مقابلة على قناة العربية ليقول إنه حتى ابن شقيقة أحمد جبريل قد انشق، في وقت نفى فيه شرورو نفسه هذا الأمر قائلاً إن ما كتبه على صفحته هو مجرد رأي شخصي".
ولتأكيد ما يقول يعلن أبو عماد أن "فراس شرورو ليس متفرغاً في الجبهة الشعبية- القيادة العامة، بل هو مدير عمليات البنك الإسلامي، ومع احتدام الأحداث في سورية انتقل إلى مصر". بالرغم من ذلك، لا ينفي أبو عماد حدوث بعض الإنشقاقات لكنه يشدد على أن ذلك "لا يؤثر على مستوى تماسك الجبهة طالما أن الجسم الأساسي قد بقي متماسكاً".
حرب مقبلة في اليرموك: الجيش النظامي وحده في المواجهة دفاعاً عن العاصمة بالنسبة للحظة عودة الهدوء الحذر إلى اليرموك، يُرجع أبو عماد ذلك إلى "اتصالات أجرتها بعض الفصائل الفلسطينية بالجماعات المسلحة كالجيش الحر وجبهة النصرة، بضرورة مغادرة المخيم وإنهاء المظاهر المسلحة". لا يستبعد أبو عماد حدوث معركة كبرى داخل المخيم في زمن ما قد يكون قريباً، معللاً ذلك بأن " المسلحون عازمون على السيطرة عليه، وحتى الآن لا زال هناك تواجد لهم في المخيم". لكنه يؤكد على أن دور الجبهة كشريك في القتال قد انتهى "طالما أن ذلك هو محط إجماع لدى الفصائل"، وأن "الموضوع الآن بعهدة الدولة السورية ، و أعطانا وعداً أنه في حال مغادرة المسلحين المخيم بشكل نهائي، لن يكون هناك تواجد سوري عسكري أو أمني هناك".
في هذا الصدد، أكد مصدر سوري لموقع المنار أن هناك أيضاً غاية سياسية خلف سعي المسلحين للسيطرة على اليرموك، "تتمثل في إظهار أن سورية التي كانت تدعم المقاومة الفلسطينية، تنتقم الآن من الفلسطينيين ومن موقف حركة حماس تجاه الأزمة، والقول بأن سورية التي لم تطلق أي طلقة على الجولان تطلق النار على الفلسطينيين". هنا بحسب المصدر، يتمّ حشد الفلسطينيين للإنضمام لمعركة السيطرة على المخيم كمدخل لدخول العاصمة دمشق.
وبرأي المصدر، فإن ذلك سيؤسس لحرب مقبلة بين الجيش السوري والمسلحين في اليرموك "ستتخذ شكل حرب عصابات، بالطبع فإن للجيش السوري تكتيكات خاصة، لكن هذه التكتيكات محكومة بالتكتيكات التي تستخدمها العصابات. إضافةً إلى ذلك سيحاصر الجيش المخيم ويقوم بتطويقه وإلزام المسلحين على الدخول في جيوب نارية محكمة".
سمية علي-المنار