الإرهاب التكفيري أداة استعمارية : غالب قنديل

الإرهاب التكفيري أداة استعمارية
غالب قنديل

شاعت فكرة في الثقافة السياسية العربية و المشرقية طوال العقدين الماضيين مفادها ان الغرب يخشى من الإرهاب التكفيري و من مخاطره على الأمن الأوروبي و الأميركي و كانت تلك الفكرة تتغذى من بعض التدابير و السياسات الأميركية و الغربية التي واكبت الخلاف بين الإمبراطورية الأميركية و حركة طالبان حول أنابيب النفط و الغاز العملاقة و من ثم ظهور شبكة القاعدة التي سددت بعض الضربات لمواقع أميركية و أوروبية ما لبثت أن تحولت مسوغا لحروب و غزوات استعمارية كبرى في الشرق و اليوم يفرض المشهد السوري إعادة فحص تلك الأفكار مع استمرار الرقصة التي انبثقت قبل ثلاثين عاما في أفغانستان و أسماها الأميركيون بالنوم مع الشيطان !

اولا: بالعودة لنشأة التيارات التكفيرية في التاريخ المعاصر نجد بكل وضوح انها كانت الأداة التي تم تكوينها و تطويرها في الحروب غير المباشرة و جاءت حصيلة شراكة بين ثلاثة اطراف رئيسية : الوهابية السعودية المتطرفة و تنظيم الأخوان المسلمين و المخابرات الأميركية و الغربية و قد اجتمعت جهود هذه الجهات الثلاث في الثمانينات من القرن الماضي على حشد و تعبئة الشباب من البلدان العربية خصوصا و من دول العالم الإسلامي عموما للقتال في ساحتين : أفغانستان و كذلك في سورية لمن تخونه الذاكرة ، في أفغانستان كانت الحرب تحت عنوان مقاتلة الشيوعية و هدفها استنزاف و تدمير القوة السوفيتية بالنيابة عن الولايات المتحدة التي خططت و دربت " فرسان الحرية " الذين باتوا موزعين بين طالبان الأفغانية و شبكة القاعدة و في سورية كانت غاية الحرب ضرب المقاومة السورية لمشروع تصفية قضية فلسطين و فرض الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على الشرق الذي انطلق في اتفاقيات كمب ديفيد ، بينما كان الغرب يقود حربا ثالثة اوكلها لنظام الرئيس الراحل صدام حسين لاستنزاف الجمهورية الإسلامية الإيرانية الوليدة و لمنعها من الدخول على خط الصراع العربي الصهيوني لنصرة فلسطين و سورية المقاومة .

ثانيا تشير السلوكيات الأميركية و الغربية إلى ان قوى التكفير و الإرهاب القاعدية هي ادة العدوان الاستعماري على سورية و حيث تجند الإدارة الأميركية القدرات و الإمكانات العالمية و الإقليمية التابعة للغرب لتعزيز إمكانات عصابات التكفير الإرهابي و لمدها بالمال و السلاح و شبكات الاتصالات المتطورة و بالمعلومات الاستخبارية و لرفدها بالإرهابيين من جميع انحاء العالم و لتسهيل دخولهم إلى سورية و من الواضح ان هذه الأداة تخدم خطة تمزيق المجتمعات المشرقية المقاومة و إغراقها في اتون من الصراعات الدموية المدمرة بصورة تحقق الأمن الإسرائيلي لسنوات مقبلة .

فالدولة الوطنية السورية بعد انتصارها الناجز الذي سيقتضي زمنا غير قصير و تضحيات غير قليلة ، ستكون منصرفة لإعادة بناء ما دمرته الحرب الإرهابية الأميركية قبل ان ترمي بثقلها مجددا في حلبة الصراع ضد الكيان الصهيوني بما يتخطى الأداء الدفاعي الرادع لمنظومة المقاومة و قد سبق الحرب الأميركية على سورية خوف صهيوني و غربي كبير من انتقال هذه المنظومة للهجوم بعد انتصاراتها في لبنان و غزة و لعله في ذلك ما يفسر خلفيات العدوان الاستعماري الذي شارك فيه الحلف الشيطاني التكفيري نفسه : الغرب الاستعماري و تنظيم الأخوان المسلمين و الوهابية السعودية المتطرفة .

ثالثا يستثمر الغرب تعميم التكفير و الإرهاب في تحريك الحروب التي تفتح الطريق لتجديد هيمنته الاستعمارية التي شاخت و استهلكت هوامشها في غير مكان من الشرق الكبير فيوكل لعصابات التكفير مهمة الاستنزاف ثم يدخل تحت عنوان مكافحة الإرهاب ليفرض هيمنته الأمنية و العسكرية و يستتبع البنى السياسية للحكومات و هذا ما يحصل في باكستان منذ ثلاثين عاما و هو ما يخطط له الغرب في حربه العدوانية على سورية التي سيكون فشلها نذير انقلاب كبير في المعادلات الدولية و الإقليمية .

و وجهة الاستثمار الثانية في قوى التكفير و الإرهاب هي تعبئة الرأي العام الغربي لدعم التدخلات الاستعمارية و الحروب غير المباشرة التي هي ميدان استثمار غربي في ظروف الأزمات الاقتصادية و المالية الخانقة التي تعصف بالرأسمالية الغربية و في ظروف المنافسات القاسية و الصعبة التي تهز أركان منظومة الهيمنة الإمبريالية الأميركية على العالم و امام استعصاء الحروب المباشرة الكبرى او الصغرى بعد سلسلة الهزائم التي منيت بها الإمبراطورية الأميركية .

رابعا تبرهن التجربة السورية على ضرورة إسقاط الأوهام التي تراكمت طويلا بشأن ما نفترضه مصلحة للغرب بتبني الاعتدال في الشرق العربي و الإسلامي و بشأن ما نتوهم انه الحرص الغربي على الوجود المسيحي المشرقي فذلك كله هراء امام شبق الشركات الاحتكارية الغربية لحماية مصالحها و امام شراستها في الدفاع عن القاعدة الاستعمارية التي تمثلها إسرائيل و حيث يتحول المشرقيون جميعا مسلمين و مسيحيين إلى ارقام و تفاصيل بلا ملامح و بلا ذاكرة بل فرائس لآلة القتل التكفيرية التي يدعمها الغرب ، و ليس من فراغ ان تهجير المسيحيين من الشرق العربي إلى أوروبا و كندا و أستراليا هو ما اقترحه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ردا على موقف بطريرك انطاكية و سائر المشرق الكاردينال بشارة الراعي الذي حذره من مخاطر الحرب على سورية و انعكاسها على مسيحيي الشرق .

» سورية و الإرهاب التكفيري - غالب قنديل
» أداة سعودية وليست مذهبية - غالب قنديل
» الانفصام الإعلامي والإرهاب التكفيري >>>> غالب قنديل
» الحريري و رعاية الإرهاب ...غالب قنديل
» النفاق الغربي وخطر الإرهاب - غالب قنديل