دام برس :
أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أنه حفيد لعمرو بن العاص... أضاف مشعل مباهيا: نحن أحفاد عمرو بن العاص.
أول ما يتبادر الى الذهن بعد هذا الاعلان: هل مشعل هو فعلا حفيد باللحم والدم لعمرو بن العاص؟؟ وهل لدى مشعل "شجرة عائلة" تثبت هذا النسب؟؟ أم أن المسألة مجرد تعبير بلاغي يراد به المباهاة بنظام القيم والارث الحضاري المشترك الذي يجمع بين مشعل من جهة وبين جدّه الروحي عمرو بن العاص من جهة أخرى؟
ويزيد من الحيرة والشكوك في الاعلان المذكور أن مشعل لم يقل مثلا: نحن أحفاد ابي بكر وعمر وهما بين الصحابة في مركز متقدم بما لا يقاس على ابن العاص, بل أن أبا الوليد لم يأتي على ذكر سميّه ِ خالد بن الوليد ولم يتباهى بطلحة ولا الزبير وإنما دخل فورا من باب عمرو الى صلب الموضوع. فمن هو يا ترى عمرو بن العاص هذا؟؟؟ وما الذي دفع خالد ابن مشعل للتصريح بالانتساب اليه؟؟؟
قبل الاجابة على السؤال اريد أن ألفت عناية القراء بأن الاعلام الرسمي العربي يحتفظ في ارشيفه لعمرو بن العاص بصورة جميلة نقية مشغولة بحرفة عالية وبتقنية الفوتوشوب أي بنفس التقنية التي تجعل العجائز الكراكيب كأمثال مبارك وبو متعب ومحمد بن راشد وسواهم من مخلفات الحكام العرب فتية بعمر الورد يضوعون نضارة وشبابا وقد توردت خدودهم وصفت جلودهم واختفى الشيب من رؤوسهم. كذلك لا ننسى فصاحتهم وبلاغتهم وحنكتهم وشهاداتهم العالية وبالأخص شهادة راسب ابتدائي لابن مكتوم وشهادتي التطعيم ضد الحصبة وضد الجدري لعبدالله بن عبدالعزيز.
فعمرو بن العاص البطل الهمام والفارس المقدام , فاتح مصر وصارع الأبطال ومجندل الأساطين الثقال والموجود في الكتاب الرسمي العربي هو شخصية مخترعة تم فبركتها في معامل السلاطين العرب بتقنية الأبعاد الثلاثة الخرافية وبنظام صوتي بمؤثرات سينمائية باهرة. عمرو المخترع هذا لا يعنينا في شيء.
نريد هنا أن نتناول عمرو بن العاص الحقيقي بما كان عليه دون زيادة أو نقصان وعلى طريقة قناة الميادين تحت شعار "الواقع كما هو".
رحم الله أسامة أنور عكاشة فقد طلبت منه إدارة التلفزيون ذات مرة بأن يكتب دراما تلفزيونية تتناول حياة ابن العاص فاستجاب متحمّسا وبدأ بتجميع المصادر التاريخية والكتب المعتبرة للاحاطة بالشخصية من كل جوانبها قبل ان يضع لها إطارها الدرامي. كان عكاشة كلما قرأ في كتب التاريخ والسِّير ازدادت عيناه اتساعا من هول الصدمة الى أن فاض كأسه بحقائق التاريخ المرّة فسارع للاتصال بادارة التلفزيون المصري وأبلغها رفضه المطلق القيام بالمهمة القذرة في تلميع صورة "الوغد اللقيط" عمرو بن العاص.
وقامت قيامة "الاخوان" على اسامة أنور عكاشة ولم تقعد مع أنه حاججهم بمرويات ثابتة عند عامة المسلمين وبالأخص في أمهات الكتب لدى أهل السنة والجماعة ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟.
بما يختص بنسب عمرو بن العاص فقد أجمع عموم المؤرخين من العرب والمسلمين في وصف والدته وتحديد هويتها على الشكل التالي : هي النابغة سلمى بنت حرملة وقد إشتهرت بالبغاء العلني ومن ذوات الإعلام ( أي أنها بمقاييس اليوم تعمل زانية في بورديل) وهي أم عمرو بن العاص بن وائل, كانت( هذه المرأة) أمة ً لعبد الله بن جدعان فأعتقها, (أي جعلها حرة بأن أخرجها من عصمته) فوقع عليها (أي نكحها) في يوم واحد (كل من ) : 1. أبو لهب بن عبد المطلب 2. وأمية بن خلف 3. وهشام بن المغيرة المخزومي 4. وأبو سفيان بن حرب 5. والعاص بن وائل السهمي, فولدت عمرو, فادعاه كلهم ( أي الخمسة زعموا ابوّتهم لعمرو) لكنها ( أي النابغة العفيفة) ألحقته بالعاص بن وائل لأنه كان ينفق عليها مالاً كثيراً.
كانت هذه البداية فقط, إذ ما أن شب عمرو عن الطوق حتى صار واحدا من أعدى أعداء الله ورسوله ويكفي ان تنتدبه قريش ليسافر الى الحبشة مستخدما كل ما لديه من الدهاء والمكر محاولا إقناع النجاشي بتسليم المسلمين الهاربين وعلى رأسهم جعفر الطيار رضوان الله عليه. طبعا لم يوفق "داهية العرب" بمسعاه ورجع الى قريش خائبا وظل على عداوته للنبي والرسالة مدة طويلة الى أن شعر عمرو بالخطر على حياته جراء قوة الدين والمؤمنين فدخل الاسلام كرها ودخل معه كثيرٌ من المنافقين.
وفي زمن الخليفة عمر بن الخطاب يفتح جيش المسلمين مصر. يصل ابن العاص الى الاسكندرية على رأس الجيش فيصاب بالدهشة لما رآه من حضارة ومدنية وعمران. كانت مكتبة الاسكندرية في تلك الساعة أكبر مكتبة في العالم. وكانت مؤلفاتها كنوزا عظيمة لمختلف حضارات الأرض ومجمعا شاملا للمعارف البشرية وزبدة ما توصل اليه الفرس والاغريق والهنود والروم والمصريون القدماء من علوم وفنون وآداب وفلسفات. وتقعُ الكارثة, إذ تحت ذريعة " حسبنا كتاب الله" أي يكفينا من الكتب كتاب واحد هو القرآن الكريم, يأمر بن العاص جيشه باتلاف مكتبة الاسكندرية عبر رميها في البحر.
تباد كنوز الحضارات عن بكرة أبيها ويرمي بالنفائس العظيمة والمؤلفات النادرة طعاما لأمواه وأسماك شط الاسكندرية.
هذه الجريمة التي لا تعدلها جريمة في أي عصر من قبل ومن بعد, ترتكب على يد عمرو بسم الله ويحاجج فيها متذرعا بكتاب الله, ولا يمضي كثير من وقت حتى يجد بن العاص نفسه معزولا من ولايته في عهد عثمان وقد كفت يده عن المناصب والمسؤوليات فراح يحرض على قتل بن عفان وكان له ما أراد.
قتل الخليفة الثالث وظهرت الفرصة سانحة له لتحسين موقعه السياسي من خلال دم عثمان فأسرع الى الشام منضويا الى معاوية, هاتفا معه: يا لثارات عثمان. وجاءت واقعة صفين فلاح الموت جليّا لبن العاص حين رأى نفسه فجأة وبالصدفة وجها لوجه مقابل الامام علي بن أبي طالب.
ما كاد علي عليه السلام يرفع سيفه في الهواء ليهوي به على رأس عمرو, حتى سارع بن العاص الى القفز عن فرسه خالعا سرواله مظهرا عورته الخبيثة. غض الامام طرفه الكريم مستعيذا بالله وأدار وجهه الشريف محوقلا لئلا يرى السوأة الملعونة.
انتهز ابن العاص فرصته الثمينة فولّى هاربا عاريا بادي السوأتين فارّا بجلده الفضيح ناجيا بنفسه الوضيعة الرخيصة.
وقد أشار الشاعر الكبير مظفر النواب الى هذه الواقعة المقززة بقصيدته الرائعة الخالدة قائلا:
أنبيك علياً,
مازال ابو سفيان بلحيته الصفراء
يؤلب باسم اللات العصبيات القبلية
مازالت عورة عمرو بن العاص
معاصرةَ وتقبّح وجه التاريخ
مازالت شورى التجار
ترى عثمان خليفتها
وتراك زعيم السوقية
انبيكَ بأنك لو جئت اليوم
لحاربك الداعون إليك
وسمّوك شيوعيا
وبالعودة الى خالد مشعل وحديثه عن الانتماء لعمرو بن العاص وأنه ومن معه أحفادا لعمرو بن العاص فلم أستطع ان أجد سببا جوهريا يدفع بأبي الوليد الى ذلك التصريح إلا أن يكون قد أراد بهذه الطريقة وبشكل غير مباشر, أن يعتذر من سوريا وقيادتها التي أطعمته من جوع وآوته من خوف فكان معروفها ذما وندامة ً عليها قيادة وشعبا, بعدما صال مشعل وجال – لأسباب جينية لا إرادية اكتسبها بالوراثة من جدّه بن العاص- بين القاهرة وقطر, مرّة يقذف بعهود الوفاء الى مياه البحر ومرة يبدي عورته طلبا للعيش والنجاة وإن أوهى العيش لعيش العبيد لو كانوا يعلمون.
فحال مشعل كحال شابّ إعرابي تاه في الصحراء يوما حتى وصل الى مضارب قوم من بني أسد. فتلقفه القوم وأطعموه وسقوه بل أن شيخ بني أسد أصر على استضافة الغريب في بيته لمدة أيام ثلاثة. فكان الغريب يأكل المناسف ويتحلّى وينام في سرير زعيم القبيلة. وفي اليوم الرابع أسرج الزعيم للشاب الغريب فرسا وأعطاه زادا وماء وسبعة نوق محملة بالهدايا ثم قال له: يا فلان سر على بركات الله الى بلدك وقومك وحدّث بأصلك.
بعد شهرين تنادى زعماء القبائل لاجتماع طارئ وكان مكان الاجتماع عند زعيم قبيلة الشاب الغريب. وصل زعيم بني أسد الى مضارب الشيخ المضيف فرحب به بفتور معاتبا إياه على قسوة المعاملة التي تلقاها ابن قبيلته من بني أسد عندما كان تائها في الصحراء. ابتسم زعيم بني أسد وقال ائتوني بالشاب لأسمع منه الخبر!
جاء الشاب الغريب, على استحياء, مرحّّبا بالشيخ .
سأله الشيخ على مرآى ومسمع من الحاضرين: يا فلان الم نستقبلك في ديارنا كولد من أولادنا؟؟
أجاب الشاب : بلى يا أمير.
+ ألم أدخلك داري واتخلى لك عن سريري لتنام قرير العين مسرور الفؤاد
أجاب الفتى: بلى يا أمير
+ ألم أهدك فرسا أصيلة وسبع نوق محملة بالعطايا والهدايا
أجاب الفتى: بلى يا أمير
+ سبحان الله إذا ما الأمر؟؟ وكيف تفتري علينا بما افتريت؟؟؟
أجاب الفتى: يا أمير سامحك الله, لقد أكرمتني وقمت بكامل واجبك معي, ولكنك ارتكبت غلطة قاتلة حين أوصيتني أن أحدّث بأصلي, لأن أصلي عاطل, ونسبي وضيع, فأنا ابن حرام خؤون لا أصل لي ولا فصل, مجهول الأب, مجهول النسب, وقد رغبت أن أكون وفيّا لما أوصيتني به فحدّثت بأصلي.
الكاتب : موسى الرضا