يبدو أن الأمور في الشام تتسارع على نحو يؤشّر إلى نهاية الازمة، رغم الضجيج المرافق. عادة ما تحمل اللحظات الأخيرة، في أي أزمة، حوادث كبرى، في محاولة لقلب الطاولة، وتحصيل أكبر قدر من النقاط للإفادة منها في السياق العام للصراع.
بات معلوماً أن الأزمة السورية ليست محلية الصنع، بل هي نتاج الخارج، نتاج عقلية الدول الاستعمارية الغربية وذهنيتها وسلوكها وفي مقدّمها الولايات المتحدة
الأميركية التي فقدت زمام هذا الجموح، وبالتالي فقدت قدرتها على السيطرة والهيمنة وغرقت في مستنقعات الحروب التي شنتها إرضاءً لشهوة النهب والتسلط، وتسليما للعقل الغيبي الصهيوني المسيطر على دوائر القرار الغربية.
من المؤكد أن التراكمات التاريخية لهذا النهج الاستعماري الذي ضرب المصالح القومية لجميع الدول، بما فيها الدول الكبرى الأخرى، شكّل على مستوى العالم تحالفاً رافضاً لإملاءات الإدارة الأميركية وتوابعها وملحقاتها وخدامها، وانبرى هذا التحالف متصدياً لمنطق القوة غير العقلانية وغير العادلة، فكانت سورية المحطة التي تحمل مقوّمات الصمود وتحمل تراث الممانعة بل تحمل القدرة على المواجهة والانتصار.
لا شك في أن الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الأمن وبيان قمة «شنغهاي» وموقف دول «البريكس»، أعطت دفعاً للقيادة السورية في صراعها مع منظومة الشر العالمية، إلاّ أن سورية بقيادتها وجيشها وشعبها تخوض حرباً عالمية نيابة عن الحلفاء، فهي تدفع من دماء شعبها وعلى أرضها وعلى حساب استقرارها وأمنها، الضريبة الكبرى في سبيل كرامتها أولاً، ودفاعاً عن الحق والعدل والحرية للدول المستهدفة ثانياً.
أن دول مثل روسيا والصين والهند والبرازيل وفنزويلا وإيران وجنوب أفريقيا، رغم قدراتها العظيمة، ترى في سورية خشبة الخلاص للخروج من النظام العالمي الأميركي المتفرّد. سورية لناحية موقعها الاستراتيجي، ولناحية تماسكها الوطني وممانعتها الصلبة والمستمرة، ترى فيها هذه الدول وفي معركتها القاعدة الأساس لإعادة صوغ نظام عالمي جديد أكثر عدلاً في توزيع الحقوق القومية.
من هنا الاستنتاج، أن المعركة في سورية ليست الآن محلية كما لم تبدأ محلية. وسورية لن تبقى مستفردة، فالحوادث الاخيرة والمعطيات القادمة ترسّخ الاقتناع بأهمية هذه المعركة الكونية كما ترسّخ اقتناعاً بالانتصار.
إن اجتثاث قواعد الإرهاب الوهّابي المتحالف مع الإرهاب الموسادي الصهيوني داخلياً يترافق مع الإعلان عن مناورات «القطب الأكبر» لكل من روسيا والصين وإيران وسورية على الأرض السورية مطلع تموز. ستفوق هذه المناورات وتتفوّق على مناورات «الأسد المتأهب» الذي أجريت في الأردن في الأسابيع الفائتة من حيث الحجم والمهمة والأهداف وصنوف الأسلحة المشتركة، فما يزيد على خمسين سفينة حربية بما فيها حاملات طائرات ومدمّرات وقانصات وكاسحات ألغام، ومئتا طائرة، وألف دبابة، بالاضافة الى صواريخ أرض / أرض وصواريخ أرض / جو و أرض / بحر، وتسعين ألف جندي بينهم وحدات الإنزال والإبرار... تؤكد على جدية التعاون والتحالف بين الدول المشتركة والعزم على مواجهة حتى التفكير في أيّ مغامرة دولية على سورية.
إن إطلاق صاروخ « توبول» الاستراتيجي الروسي، والتأهب في صفوف وحدات الإنزال الروسية، رسالة واضحة المعالم والأهداف تصب في خانة هذا العزم، تتشابه لناحية الأداء مع أزمة «خليج الخنازير» في كوبا التي أرست الحرب الباردة الماضية.
تواكب هذه الوقائع حركة ديبلوماسية ناشطة على كل المستويات، أهمها مجموعة التواصل الدولية من أجل سورية برعاية روسية لفسح المجال أمام الحل السياسي.
إن التراجع في الموقف الأميركي على أبواب الانتخابات الأميركية أصبح بينّاً،
والخلافات بين فرنسا وقطر، وبين فرنسا وتركيا، وانهيار الدور التركي نتيجة الأزمة الداخلية، والغياب الكامل للدول العربية، خاصة الموقف المتلاشي للجامعة العربية، وتدمير مواقع الإرهاب في الداخل، كذلك يقودنا الى القول إن الأزمة السورية اقتربت من نهايتها، وإن تموز سيشهد واقعاً جديداً.
سورية الان - البناء