نهاية اللعبة السورية الوشيكة : هزيمة مذلة ام مناورة دبلوماسية خبيثة ؟
الأحد، 19 أيار، 2013
أوقات الشام
تسارعت الأحداث في سوريا في الأسابيع الأخيرة. فقد حققت القوات الحكومية انتصارات ميدانية ساحقة على المتمردين, وقد أثار ذلك مزيجاً من الاستفزازات الحربية وعروض السلام من قبل الولايات المتحدة وحلفائها المناوئين للأسد.
قامت المقاتلات الإسرائيلية مؤخراً, وبمباركة أوباما, بمهاجمة سوريا في ثلاث مناسبات: ففي هجوم جوي ضخم على منشأة عسكرية في دمشق قتل 42 عسكري سوري. وبعد ذلك بوقت قصير, اتفق أوباما أخيراً مع روسيا على مؤتمر للسلام, والذي كانت روسيا تطالب به منذ أشهر عديدة.
يدخل أوباما إلى هذه المحادثات من موقف ضعيف: فالحكومة السورية تربح الحرب ضد المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة, والنجاح على الأرض هو الورقة الرابحة في أي محادثات سلام. إن أوباما والمتمردين ليسوا في موقع يسمح لهم بالمطالبة بأي شيء الآن.
من المحتمل أن أوباما يريد أن يتجنبَ إذلالاً أكبرَ في تدخلاته في سوريا من خلال "صفقة" سلام في اللحظة الأخيرة للحفاظ على ماء وجهه. ومن المرجح أيضاً أن تكون محادثات السلام هذه مجردَ مناورة دبلوماسية ذكية تخفي وراءَها حرباً قادمة. فمن الشائع أن تنهار مباحثات السلام ويتم استخدام ذلك ذريعة لتصعيد المواجهة, بما أننا "حاولنا إحلال السلام وفشلنا".
كما أن لدى أوباما أسباباً كثيرة للسعي إلى الحرب: إذ إنه سيبدو في غاية الضعف والغباء في حال بقاء الرئيس السوري في السلطة بعد إعلان إدارة أوباما أن نظام الأسد قد انتهى وبعد اختيارها لحكومة بديلة من المعارضين السوريين الذين يعيشون في الخارج والذين تتعامل معهم الولايات المتحدة وحلفاؤها بصفتهم "الحكومة السورية الشرعية".
هكذا وصفت "بي بي سي" حكومة أوباما السورية الدمية:
"... لم تعد القيادة السياسية للمعارضة السورية – التي تتسكع من عاصمة إلى أخرى, وتحضر المؤتمرات, وتلقي الخطبَ العصماء – تقود أي شيء. فهي بالكاد تسيطر على المندوبين الجالسين معها في الغرفة نفسها, عداك عن المقاتلين على الأرض."
ففي حال التوصل إلى صفقة سلام فإن هؤلاء المنفيين السوريين – الذين لا يستمع إليهم سوى عدد قليل جداً من المقاتلين المتمردين – هم الذين سيوقعون على هذه الصفقة.
لا يزال العديد من السياسيين الأمريكيين يتكالبون على الحرب في سوريا, استناداً على الاتهام, الذي لم يتم إثباته, القائل إن الحكومة السورية قد استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد المتمردين. ولكن في واقع الأمر, أشارت الأمم المتحدة إلى أن العكس هو الصحيح: فهناك دلائل قوية تشير إلى أن المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة هم من استخدموا الأسلحة الكيماوية ضد الحكومة السورية.
وبالطبع, لم تظهر هذه الحقيقة إلا في الصفحات الخلفية من الصحف الأمريكية, هذا في حال تم ذكرها في المقام الأول. ومن جهة أخرى, فإن الأخبار السيئة التي تفيد أن المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة قد ارتكبوا تطهيراً عرقياً ودينياً على نطاق واسع, بالإضافة إلى العديد من خروقات حقوق الإنسان, لم تظهر على الصفحات الأولى أيضاً. كما تم التعتيم على التفجيرات الإرهابية التي قام بها المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة والتي أودت بحياة المدنيين السوريين, من قبل السياسيين الأمريكيين والإعلام الأمريكي.
كما أن أحد أسباب ضعف الموقف الأمريكي هو الحقيقة التي تشير إلى أن معظم المقاتلين المتمردين هم من الإسلامويين المتطرفين الذين يقاتلون لأسباب "جهادية" بغرض إحلال "قانون الشريعة", وليس الديمقراطية. فقد أشارت "الغارديان" مؤخراً:
"إن مجموعة المعارضة المسلحة الرئيسة في سوريا, ‘الجيش السوري الحر’, تخسر مقاتليها وقدراتها لصالح ‘جبهة النصرة’, وهي منظمة إسلاموية مرتبطة بالقاعدة ظهرت بصفتها القوة الأكثر قدرة وتمويلاً واندفاعاً بين المجموعات التي تقاتل نظام بشار الأسد."
وتضيف "نيويورك تايمز":
"ليس هناك في أي منطقة سورية يسيطر عليها المتمردون قوة مقاتلة علمانية تُذكَر."
ولكن على الرغم من كل هذه العقبات التي تمنع الولايات المتحدة من فرض إملاءاتها على الحكومة السورية, إلا أن أوباما دفعَ بأوراقه الخاصة: الجيش الأمريكي والجيش الإسرائيلي.
من المحتمل أن الهجمات الجوية الإسرائيلية على سورية كانت بمثابة ورقة مساومة في مؤتمر السلام المقترح في موسكو. فإذا هددَ أوباما بقصف سوريا وإعادتها إلى العصر الحجري فهناك عدة أمثلة – مثل أفغانستان والعراق وليبيا – لتدعيم هذا التهديد.
ويتم اعتبار المتابعة بهذا النوع من التهديد سياسة خارجية ذكية من قبل العديد من السياسيين في الولايات المتحدة, بما أن ذلك سيؤدي إلى إضعاف وتقسيم دولة غير حليفة للولايات المتحدة بصفتها قوة معارضة, مما يزيح العائق الأخير أمام الحرب على إيران.
إن السياسة الخارجية الأمريكية تعتمد الآن بشكل كلي على التهديد بالإبادة. فمع تراجع القوة الاقتصادية الأمريكية أمام الصين وبلدان أخرى, رمت الولايات المتحدة بالجزرة الاقتصادية جانباً واختارت العصا العسكرية. إذ يطالب العديد من من "خبراء" السياسة الخارجية الأمريكية الرئيسَ أوباما بإشهار العصا مرة أخرى, كيلا تظهر مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية هذه على أنها مجرد "جعجعة بلا طحن".
هذا هو جوهر التورط الأمريكي في سوريا, الذي يجازف بنشوب حرب إقليمية يمكن أن تشمل لبنانَ وتركيا والعراق وإسرائيل وإيران والأردن والسعودية, مع احتمال جَرِ القوى الكبرى الداعمة لهذه الدول: الولايات المتحدة وأوروبا, من جهة؛ وروسيا والصين, من جهة أخرى.
تكاونتر بنتش – ترجمة الجمل